حكومتنا بدأت بالزراعة.. فماذا سيكون الحصاد؟!

قد نقول عن وزير ما أنه فاسد، وقد نتهم مسؤولا معينا بأنه مرتشي، وقد ننتقد آخر لأنه لم ينجح في المهام الموكلة إليه، وربما نطالب بمحاكمته، وهذا حق وواجب، لكن اغرب التعليقات، التي سمعتها بعد تسمية رئيس الحكومة السورية الجديدة الدكتور عادل سفر وزير الزراعة السابق في حكومة محمد ناجي عطري، هو ذلك التعليق الذي نقلته لنا إحدى صديقاتنا عن لسان "معترضة" على قناة بي بي سي، اتهمت فيه الدكتور سفر بأنه مسؤول عن الجفاف في سوريا!!

ربما يكون من المناسب هنا الإشارة إلى "النفس" السياسي الجديد، الذي ينبض به الشارع السوري مؤخرا، والذي رافق الأحداث والتطورات الأخيرة في سوريا، فالجميع يقدم فتاوى وتحليلات ونظريات لا تحتمل النقاش من وجهة نظره، لكن الغريب والخطير هو مبدأ الانتقاد لمجرد الانتقاد، والهجوم لمجرد الهجوم، وهنا استعين بردود الأفعال حول الخبر الأحدث والأبرز المتعلق بتسمية الدكتور سفر رئيسا للحكومة في وقت تمر به سوريا في ظروف أقل ما يقال عنها أنها استثنائية، فالبعض عبر عن خيبة أمله الشديدة، والبعض عبر صفحات الفيس بوك رأى أنه "تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي".

وبعيدا عن "خفة الدم" المتعلقة بتحميله مسؤولية الجفاف في سوريا، يجب القول أن اختيار الدكتور عادل سفر له مؤشرات عديدة، أولها ان اسم الرجل كان مطروحا قبل بدء الاحداث الأخيرة، ما يؤكد تصريحات الرئيس بشار الأسد بأن سياسية سورية ثابتة ومستقرة، وأن عملها لن يكون تحت وطأة الضغوط، أو على شكل ردود أفعال، فإقرار قانون أو إلغاء آخر "أيا كان ذلك القانون" لا يتطلب أكثر من إرادة، أما الإصلاح "أيا كان شكله" يحتاج وقتا طويلا، وبالتالي فإن المحرقة هنا هي أن نرفع سقف توقعاتنا لننتظر من رئيس حكومتنا الجديد أن ينقذ اقتصاد البلد.

 الناحية الثانية التي تداولها الجميع والتي تتعلق بشخص الدكتور سفر هي نزاهته ونظافة يده، وهو أمر نرحب به جميعا إلا انه لا يخدم موضوع مكافحة الفساد، الذي يتطلب تطوير الجهات المعنية بهذا الدور والقادرة على القيام به كمجلس الشعب والإعلام، والهيئات والمؤسسات الرقابية.

نقطة أخرى هي أن سفر رجل علم ومعرفة وتبوأ مناصب عديدة صقلت إمكاناته العلمية والإدارية فهو يحمل إجازة في العلوم الزراعية من جامعة دمشق عام 1977 ودبلوم دراسات معمقة من المدرسة الوطنية العليا للزراعة والصناعات الغذائية "نانسي" 1983 وحائز على شهادة دكتوراه بالتقانة الحيوية من المدرسة الوطنية العليا للزراعة والصناعات الغذائية فرنسا عام 1987، ما يعزز الاتجاه بان حكومتنا العتيدة ستكون حكومة تكنوقراط.

أما النقطة الأهم فهي أن اختيار وزير الزراعة السابق ليشغل منصب رئيس الحكومة يعني أن سوريا اختارت أن تعيد اللعب بورقتها الزراعية القوية، فسوريا بلد زراعي وقيمتها المضافة تتأتى من هذا الجانب تحديدا، فرغم أن مساحتها الكلية لا تتجاوز 185ألف كيلو متر مربع، إلا أن أن إنتاجها من القمح على سبيل المثال يتعدى الـ5 ملايين طن. هذه الورقة فقدت بعضا من قوتها بلاشك إن كان بفعل عوامل خارجة عن الإرادة، كالظروف الجوية والمناخية، او نظرا لظروف ذاتية أخرى، إلا أن تسمية الدكتور سفر يعني نية باستعادة هذه الورقة التي لها فعل كبير داخليا وخارجيا، وإذا كان الخيار أن تبدأ الحكومة بالزراعة، فالحصاد لا يحتاج إلا للوقت.

ميس محمد