حلول إنقاذية للقطاع العام بين التشاركية والخصخصة

قضية تجاوز عمرها عقداً من الزمن، إذ كثر الحديث في السنوات السابقة عن إصلاح القطاع العام، ومازال يأخذ مجراه حتى الآن على لسان الحكومة الحالية بمختلف وزاراتها دون الوصول إلى استراتيجية معيّنة يمكن من خلالها بلوغ الهدف المنشود، ومع المحاولات الكثيرة التي أقدمت عليها الحكومات السابقة لإصلاح القطاع العام بدءاً من اللجنة التي تم تشكيلها في عام 1999 والتي ضمّت 35 خبيراً مروراً بتجربة الإدارة بالأهداف التي خفّضت العديد من القيود الإدارية في الشركات التي اختيرت على سبيل التجربة، وأيضاً القانون رقم (2) لعام 2004 الخاص بالشركات الصناعية، الذي ساهم برفع بعض القيود، وصولاً إلى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 16 تاريخ 10/5/2004 القاضي بتشكيل لجنة للإصلاح الاقتصادي وانتهاء بلجنة الإصلاح الاقتصادي والإداري الحالية واستعداد وزارة الصناعة لإطلاق مشروع إصلاح القطاع العام الصناعي، الأمر الذي يطرح تساؤلات مشروعة منها، كيف يمكن إصلاح القطاع العام بعد كل المحاولات التي باءت بالفشل سابقاً؟ وما هي أهم معوقات إصلاحه والبدائل المطروحة؟
الإجابة على الأسئلة السابقة لن تُرسم حروفها من ألسنة الخبراء الاقتصاديين فقط، بل ستؤخذ أيضاً من رجال القطاع العام أنفسهم على مبدأ (أهل مكة أدرى بشعابها) أي أن موظفي القطاع العام هم من سيتحدثون عن مشكلاته ومعاناته.
البداية كانت من موظفي القطاع العام، إذ أشار مدير عام المؤسسة العامة للبريد أحمد سعد أن استراتيجية إصلاح القطاع العام يجب أن تحتوي على نقطة مهمة، ألا وهي منح مؤسساته المرونة الكافية، وخاصة اتخاذ القرار، إضافة إلى تفعيل مبدأ الثواب والعقاب والمحاسبة على الشركات والمؤسسات العامة، وعن الخصخصة أوضح سعد بأن القطاع العام يجب المحافظة عليه بسبب دوره الكبير خلال السنوات الماضية في بناء الاقتصاد السوري مع ضرورة معالجة جميع مشكلاته، مشيراً إلى أن القطاع العام هو الذي زوّد القطاع الخاص بالخبرات والكوادر المؤهلة.
مديرة التخطيط وتعزيز التنافسية في وزارة الاقتصاد والتجارة سمر قصيباتي أوضحت أن مصطلح الخصخصة غير مقبول ضمن الاقتصاد السوري، وذلك لأن تجارب الخصخصة التي تم تطبيقها في بعض الدول العربية وفق مبادئ صندوق النقد الدولي برهنت على فشل هذا المبدأ في إصلاح القطاع العام سواء في مصر أو المغرب أو السودان، ورأت قصيباتي أن العمل على مبدأ التشارك هو الأفضل، وذلك على مبدأ الأسهم والحصص فقط، وهو التوجّه الذي اتخذته دول شرق آسيا، إذ عملت على مبدأ التحول من القطاع العام إلى الخاص الذي يسمّى اقتصاد السوق المختلط، ونوّهت قصيباتي إلى أن هذا التوجّه يقوم على مبدأ التشاركية بين القطاعين العام والخاص، حيث يحق للدولة التدخّل عند فشل السوق مشيرة إلى أن هذا المبدأ في حال طبّق في سورية فإنه سيساهم في إصلاح القطاع العام بشكل كبير.
ونوّهت قصيباتي إلى ضرورة منح المرونة للشركات ووضع العمال الفائضين في أماكن تناسب قدراتهم بعد تأهيلهم في حال تطبيق مبدأ التشاركية مع القطاع الخاص، مشيرة إلى أهمية تلازم ذلك مع عدة أمور منها: الأنظمة والتشريعات التي تسهّل عمل الشركات.
وعن فوائد هذا المبدأ أوضحت قصيباتي أن التشاركية من شأنها رفع الإنتاجية في شركات القطاع العام ونقل التكنولوجيا إليها عن طريق القطاع الخاص، عدا عن دعمها لسوق دمشق للأوراق المالية، حيث تصبح الشركات بمقدورها المشاركة في السوق والحصول على القروض التي تحتاجها، وهذا الأمر يفرض عليها الشفافية في بياناتها، وبالتالي الابتعاد عن المركزية وفصل الإدارة عن الملكية.
تراكم معاون مدير التخطيط بوزارة الصناعة نضال طالب، أوضح أن القطاع العام يعاني من مجموعة مشكلات، الأولى تتعلق بمشكلات التخلّف التكنولوجي وعدم القدرة على المنافسة والتي تتمثل في قدم الآلات المستخدمة في العملية الإنتاجية، إذ يعود عمر معظمها إلى ثلاثين عاماً، مما يخلق ارتفاع كلف الإنتاج وغياب معايير الجودة وصولاً إلى تراكم المخازين وتراجع العوائد والأداء، ونذكر في هذا المجال بأن إجمالي قيمة الإنفاق الاستثماري على عمليات الاستبدال والتجديد في شركات ومعامل القطاع العام الصناعي التابعة لوزارة الصناعة فقط والبالغ عددها 117 منشأة، بلغت خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة المنصرمة ما قيمته نحو 12 مليار ليرة سورية، وهو مبلغ متواضع مقارنةً بعدد المنشآت والحاجة لتطوير واستبدال خطوط الإنتاج والحصول على تكنولوجيات حديثة قادرة على رفع القدرة التنافسية.
والمشكلة الثانية وفق طالب: مشكلات تشريعية وإدارية تتمثل بتكبيل القطاع العام الصناعي بقيود وإجراءات مطلوبة منه تختلف عن تلك المطبّقة على مثيله من القطاع الخاص، قوانين السوق من قانون التجارة وقانون الشركات تطبّق على القطاع الخاص وتحظّر على القطاع العام لجهة التشدّد بقانون العقود والموازنة وغيره، ونطالبه بموجبها بمنافسة وتحقيق وجود في السوق نفسها دون أن تكون الشروط متماثلة، ونذكر مفارقة هنا بأن قانون الموازنة العامة للدولة يقيّد قرار وزير الصناعة ولا يعطيه الصلاحية بحرية شراء مولدة كهربائية أو فرن صهر بسيط تعطّل فجأة في معمل من المعامل العامة، بل يجب الحصول على موافقات وقرارات ومراسلات عديدة بهذا الخصوص والتي سوف تؤخّر العمل، وفي هذا الصدد وبخصوص غياب المرونة والصلاحيات في حركة القطاع العام الصناعي مقارنةً بالقطاع الخاص، فقد قامت وزارة الصناعة بدراسة أظهرت بأن تنفيذ أي مشروع استثماري وارد ضمن خطة أي شركة صناعية يحتاج إلى 290 يوماً بدءاً من إعداد دفاتر الشروط اللازمة وصولاً لمرحلة التعاقد مع جهة ما للتنفيذ، وذلك وفقاً للإجراءات المطلوب من القطاع العام الالتزام بها، مقارنةً بقدرة القطاع الخاص على اتخاذ القرار بالسرعة الآنية دون التأثر بالظروف المستقبلية.
وأما الثالثة فتتعلق بضعف الإدارات والكوادر البشرية المؤهلة بحسب متطلّبات سوق العمل والقادرة على إدارة القطاع فنياً واقتصادياً، إذ يبلغ عدد العاملين في وزارة الصناعة نحو 76 ألف عامل من مستوى تعليمي ضعيف، نحو 75% من العاملين من مستوى الإعدادية وما دون منها نسبة 10% عمالة فائضة، و6% فقط من خرّيجي الجامعات تحتاج إلى إضافة نسبة 10% عمالة مؤهلة، فالتناقض في هذا القطاع بأنه يجمع بين وجود عمالة فائضة في شرائح العمل ذات الفئات الدنيا، ويحتاج لعمالة مؤهلة من الفئات العليا، كما أن القوانين لا تسمح ولا تعطي المرونة في تعيين الإدارات المؤهلة، ولا حتى المساس ببعضها غير الكفء والمؤهل. شركات عامة قابضة وأضاف طالب: على الرغم من مرور القطاع العام الصناعي بعدد من تجارب الإصلاح التي لم تصل جميعها لمنتهاها إلا أن الفرصة ما زالت قائمة، حيث تقوم وزارة الصناعة حالياً بالإعداد لمشروع قانون جديد لإصلاح القطاع العام الصناعي وفق أسس ومبادئ أبرزها تحويل الشكل القانوني للمؤسسات العامة الصناعية إلى شركات عامة قابضة مملوكة بالكامل للدولة وتعمل بضمانتها، وتضع مجالس إدارتها أنظمة عمل خاصة بها مفصولة عن خطط الدولة، حيث يعمل هذا القطاع وفق معايير اقتصادية ووفق قوانين السوق، على أن تبقى قضية العمالة الفائضة مسؤولية الجهات الاجتماعية في البلد كوزارة الشؤون الاجتماعية على سبيل المثال وليست مسؤولية القطاع العام الصناعي، إضافة إلى ضرورة تحديد العلاقة مع وزارة المال من خلال دفع حصة الدولة من الأرباح (الضريبة) وتوحيد جهة الإشراف على القرار الصناعي.
البطالة المقنعة من جانب آخر رأى مدير عام شركة كهرباء دمشق عبد الله حنجر أن إصلاح القطاع العام يجب أن يبدأ بإعادة النظر بالقوانين والأنظمة التي على محك عمل شركاته وخاصة بما يتعلق بنظام العقود، حيث تتيح الأنظمة مرونة كافية للإدارات من أجل عملية التطوير والإصلاح، مشيراً إلى ضرورة تأهيل الإدارات وإيجاد البدائل بشكل مستمر مع تأهيل وتدريب العاملين وإعادة النظر بدخولهم وتعويضاتهم، ونوّه حنجر إلى مسألة عدم تناسب العاملين مع قوة العمل (البطالة المقنعة) التي تعاني منها معظم شركات القطاع العام وتشكّل حجر عثرة أمام إصلاحه، ذلك كون هذا الأمر وفق حنجر يرفع من نسب زيادة التكاليف والأعباء المالية على المؤسسة أو الشركة، وبالتالي يؤدي إلى خسارتها أو عدم قدرتها على المنافسة بمنتجاتها ضمن السوق المحلية والخارجية، ورفض حنجر تطبيق الخصخصة على شركات القطاع العام.
قصة المنزل "إذا أردت أن تسكن في منزل قديم ومستعمل ما الذي تفعله؟ أعتقد أنه يحتاج إلى (نفض)، وخاصة في بنيته التحتية"، بهذا المثال شرح مدير الشؤون الفنية في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية ماجد القطرنجي رؤيته عن كيفية إصلاح القطاع العام، منوّهاً إلى أن عملية الإصلاح لا يمكن أن تحدث دون وضع رؤية واضحة المعالم لمستقبل القطاع العام متسائلاً: ما الذي تريده الحكومة من القطاع العام؟ هل تريد إصلاحه؟ إذا أرادت ذلك، فيجب عليها أن تعمل على الإصلاح بدلاً من الحديث عنه، إذ يوجد ما يقدّر بـ 117 شركة عامة منها 12 متعثرة، فإذا عملت الحكومة في كل عام على إصلاح شركة واحدة لكانت انتهت من الشركات الصناعية المتعثرة منذ زمن.
وقال أيضاً: "لا بد من أن يقوم إصلاح القطاع العام على مبدأ التأكيد على الجدوى الاقتصادية للشركات العامة أكثر من الجدوى الاجتماعية، ذلك لأن الشركات العامة تعاني من العمالة المسنّة والبطالة المقنّعة وقدم الآلات وغيرها من الأسباب التي من شأنها إرهاق كاهل الشركات ووضعها ضمن خانة الشركات الخاسرة، لذا لابدّ من التركيز على الجدوى الاقتصادية للشركات أكثر من جدوتها الاجتماعية"، منوّهاً إلى أن الخصخصة لا تعتبر حلاً لإنقاذ أو إصلاح القطاع العام.
تحديث القوانين معاون مدير مديرية الشركات في وزارة الاقتصاد والتجارة أحمد سلعس، أوضح أن إصلاح القطاع العام مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإصلاح الفرد نفسه والأسرة التي تحتضنه، إضافة إلى العمل على مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ومراعاة القدم والاختصاص، والاستفادة من الكوادر المؤهلة والقديمة، والتخلّص من المركزية من خلال التفويضات، وتحديث القوانين بما يتناسب مع البيئة الجديدة والواقع الاقتصادي والسياسي، مشيراً إلى أن قانون الشركات صدر في عام 1949 ولم يعدّل إلى عام 2008.
وأوضح سلعس أن استراتيجية إصلاح القطاع العام يجب أن تتضمن نظرة مستقبلية للتخطيط التي يفتقدها القطاع العام والمرونة في اتخاذ القرار، وتبسيط الإجراءات، والحدّ من العمالة الفائضة التي لا تتناسب وقوة العمل، مشيراً إلى أن التوجّه نحو الخصخصة لا يعتبر الحل الأمثل في إصلاح القطاع العام.
وبعد سماع بعض الآراء من موظفي القطاع العام توجّهنا لأخذ آراء الخبراء، والتقينا الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ووزير صناعة سابق حسين القاضي، وأحد أعضاء لجنة 35 للإصلاح الاقتصادي التي درست وضع القطاع العام الصناعي واقترحت الحلول وفق تصنيفات معينة للشركات، إذ أوضح أن لجنة 35 قامت في ذلك الوقت بتقديم تقرير إلى القيادة القطرية يعتبر الأول من نوعه إلا أنه لم يحالفه التطبيق أبداً، مشيراً إلى أن قضية إصلاح القطاع العام ليس بالأمر الصعب أو المعقّد إلا أنه يصطدم بالعديد من القضايا منها وجود استغلال له من قبل بعض الموظفين، إضافة إلى المركزية الشديدة والفوضى في بعض جهاته.
فكرة ونوّه القاضي إلى أن الإصلاح يجب أن يبدأ من خلال تطبيق فكرة فصل القطاع العام عن الموازنة العامة للدولة، بحيث تصبح كل شركة مسؤولة عن ربحها وخسارتها دون أن تتأثر ميزانية الدولة بذلك، كما يجب أن تتمتع الشركات بالاستقلال الإداري مع ضرورة تطبيق الحوكمة ضمن مؤسساته، إذ إن القانون رقم 2 لعام 2005 أعطى فرصة كبيرة لحوكمة القطاع العام وأعطى مجلس الإدارة صلاحيات رسم السياسيات، ولكنه لم يمنحها صلاحيات في تنفيذ القرارات، وذلك نتيجة بعض التعميمات الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء، إضافة إلى التعارض الكبير الذي نجده بين القانون وبين تعليماته التنفيذية والممارسات اليومية.
وبالنسبة للخصخصة أوضح القاضي أنها أصبحت موضة قديمة، مشيراً إلى أن القطاع الخاص لن يقوم بشراء أي شركة في القطاع العام وهو يعاني الأمرين، لذلك يجب إصلاح القطاع العام بدلاً من التوجّه إلى خصخصته، منوّهاً إلى أن الإصلاح من الصعب تحقيقه في ظل إدارات غير مؤهلة وتكنولوجية متخلفة وقديمة، إضافة إلى غياب التدريب والتأهيل للإدارات والعاملين الأمر الذي يجعل من الصعب خلق نوع من التنافسية في القطاع العام مع نظيره الخاص.
وأضاف القاضي: تعدّ قضية تسريح عامل في القطاع العام قضية صعبة من الدرجة الأولى، وهذا الأمر يؤدي إلى عرقلة تطوير الكوادر الأخرى المؤهّلة على عكس القطاع الخاص، كما أن التخطيط في القطاع العام يرتبط بالحكومة، وذلك عن طريق الخطط الخمسية، وإذا نظرنا إلى الخطة الخمسية العاشرة فإننا سنجدها ورقيات جيدة فقط، ولكنها غير قابلة للتنفيذ لأنهم لم يسألوا أنفسهم كيف أنفذ ما خطّطت له وكيف أستطيع توفير بيئة مناسبة للتنفيذ؟ لذا فإن التخطيط شبه معطّل والإدارات ليس لديها أي صلاحيات لاتخاذ القرارات، إذ نجد المدير غير قادر على اتخاذ معظم القرارات فهو يكتفي برفع المقترحات للمؤسسة وإلى حين وصول البريد الذي يحمل المقترحات يأخذ ذلك من الوقت نصيباً معلوماً، وعند وصول البريد إلى المؤسسة فإن المؤسسة ستفكّر وقد لا تكون مخوّلة أيضاً فترفع المقترحات إلى الوزير، وقد لا يستطيع الوزير اتخاذ القرار فيرفعها إلى رئيس مجلس الوزراء، إذاً القطاع العام يعاني من المركزية التي تضيّع الوقت وتمنح الفساد مناخاً ممتازاً للنمو والتكاثر.
شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة ورأى القاضي أنه من الصعب وجود وصفة واحدة تصلح لمعالجة مشكلات القطاع العام، إذ إن كل شركة من شركاته تحتاج إلى وصفة معينة، ولكل مريض دواء كما أقترح بتحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة يسري عليها قوانين الشركات المساهمة وتمتلكها الدولة، الأمر الذي يحد من البيروقراطية. من جهة أخرى رأى نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق عابد فضلية، أن عدم الأخذ بتقارير اللجان التي تم تشكليها منذ زمن والمقترحات التي قدمتها لإصلاح القطاع العام هو نتيجة وجود توجهين لإصلاح القطاع العام فتم الاختلاف على أي سيناريو يطبق، أما السبب الثاني فهو أن القطاع العام لا يحتاج إلى قانون لإصلاحه (قانون إصلاح القطاع العام) لأنه لا يوجد أحد يقف في وجه إصلاح القطاع العام إذا أرادت الجهات القائمة عليه إصلاحه، فهو يتطلب إصلاح التشريعات التي يعمل بموجبها وإزالة التناقضات التي تحتويها، وإصلاح إداري ومالي وإنتاجي وتسويقي. ورأى فضلية أن القطاع العام يشمل جانبين: قطاع خدمي وقطاع إنتاجي والصفة المشتركة بينهما هي الترهل، فإذا تطرقنا إلى القطاع العام الخدمي، فإننا نجده يحتاج إلى إصلاح من خلال القضاء على البيروقراطية والحدّ من الروتين والعقلية الوظيفية المتحجرة السائدة فيها، وخاصة الجهات التي تقدّم خدمات تتعلق بثروات المواطن من العقارات والسيارات والسلع الغالية، إذ تعتبر مكمن الروتين والتعقيد والفساد، بحيث تبدأ المساومات للضغط على المواطن ليحاول الالتفاف عن الطرق الروتينية من أجل منفعة مادية، وهذا الفساد الإداري والوظيفي يحتاج إلى إصلاح.
وبالنسبة لفشل القطاع العام الإنتاجي فله عدة أسباب وفق فضلية: منها الروتين والبيروقراطية وسوء الإدارة والفساد، إضافة إلى القوانين والأنظمة الحكومية السارية التي تحكم عمله، وأضف على ذلك عدم القدرة على الإبداع والتجديد التي يجب أن تكون من مهام الإدارة، مع التنويه بأن الفساد له ثلاثة شركاء وهم: الفاسد والمفسد والوسيط بينهما.
لا بأس من الخصخصة ولكن بشروط وعن الخصخصة قال فضلية : الخصخصة مازالت مرفوضة سياسياً وفي عقل المواطن لأنها تقوم على بيع ملك الشعب، لكن هناك حالات خصخصة يجب أن تدرس على حدة، فإذا كانت الخصخصة تؤدي إلى درء الخسائر وتحويلها إلى أرباح فلا بأس بها، ولكن الخوف يبقى من التواطؤ ما بين البائع والمشتري، وبالتالي ضياع الحقوق العامة وهدرها نتيجة صفقات مع الخاص، وأقول إن المنشآت الخاسرة وحتى الرابحة منها إذا بيعت للقطاع الخاص مقابل مبالغ مجزية فلا بأس شرط أن تستخدم الأموال في دعم المنشآت الإنتاجية الأخرى، حيث لا تذهب إلى الخزينة العامة وتصرف على تجديد أرصفة في شوارع لا تحتاج أرصفتها إلى تجديد. والشرط الأخر هو الحفاظ على حقوق العمال كما أنه ليس من الضروري بيع الشركات العامة الخاسرة إلى القطاع الخاص، إذ يمكن بيعها إلى القطاع العام نفسه ليستفيد منها.
وقال أيضاً: إن إصلاح القطاع العام لا يعني بالضرورة الحفاظ على كل شركاته ومؤسساته، إذ يجب دراسة واقع القطاع العام بشفافية وعلمية وموضوعية دون أن نستقرئ واقعه بشكل مبالغ فيه، وبعد ذلك يجب تقسيم شركاته إلى ثلاثة أقسام وهي: شركات خاسرة وغير قابلة للإصلاح، والتي تقتضي التخلّص منها مع الحفاظ على حقوق الدولة وحقوق العمال ومع عدم المبالغة في تقييم أصولها.
أما النوع الثاني فهي الشركات الحدّية في أرباحها التي يجب تحسينها وتطويرها، والنوع الثالث هي شركات رابحة، التي يجب النظر فيها وتطويرها مع ملاحظة مهمة وهي الاحتفاظ بالشركات التي لها صفة استراتيجية ودور اجتماعي لا يستطيع القطاع الخاص تأمينه سواء أكانت رابحة أو خاسرة أو حدية. الإصلاح يحتاج إلى قرار سياسي والقطاع العام يحتاج إلى (نفض) كما أن قرار الإصلاح يحتاج إلى قرار القيادة السياسية وذلك لكي لا يتلكأ بعض من المتضرّرين من الإصلاح بالمساهمة في إصلاح القطاع العام، وخاصة أنه يحتاج إلى نفض، إضافة إلى إبعاد العقليات التي عجزت عن إصلاحه، حيث تستطيع شركات القطاع العام العمل بعقلية القطاع الخاص وبفلسفته، ولكن ضمن ملكية عامة وضوابط حكومية. ■■
شام نيوز - الاقتصادي