حنا مينة ... كاتب الكفاح والفرح الانسانيين

ابن البحر الطيب
حنا مينة ... "كاتب الكفاح والفرح الانسانيين"
سهير الذهبي – شام نيوز
ولد في اللاذقية عام 1924.
والدته ماريانا زكور "المنكوبة" وفق ذلك الزمن بثلاث بنات وفقر مدقع, والتي كانت تسعى وتصلي "للعدرا" كل يوما كي يرزقها بصبي..
"لم أكن اتصور حتى في الاربعين من عمري انني سأصبح كاتبا معروفا, فقد ولدت بالخطأ ونشأت بالخطأ وكتبت بالخطأ ايضا"
ويشاء القدر ان تلد ماريانا الصبي حنا بعد البنات الثلاث, ليبعث الفرح في نفسها, ولكن حنا كان طفلا ضعيفا مريضا مهددا بالموت طول الوقت, فكانت الام ماريانا تصلي وتنذر النذور حتى يبقيه لها الرب...
كبر حنا وهاجر مع اسرته من اللاذقية الى مدينة السويدية في لواء اسكندرون, وعاش طفولته في حي اسمه "المستنقع"..
وفيما كانت امه واخواته الثلاث يعملن خادمات, كان والده سليم حنا مينة يعمل حمالاً في المرفأ احيانا، وأحياناً بائعاً للحلوى، واخرى اجيرا في بستان, او مربيا لدود القز.. وكان سكيرا يعشق الترحال, وغالبا ما كان يترك العائلة للفقر والجوع.
"كان المحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه أمياً، متخلفاً، إلى درجة لا تصدق، لم يكن في حي المستنقع كله، من يقرأ ويكتب، كان سكان هذا الحي، والأحياء المجاورة من المعذبين في الأرض، الباحثين دون جدوى، عن الخلاص، وعن العدالة الاجتماعية التي لا يعرفون اسمها بعد!!».
في السابعة من عمره التحق بالمدرسة, وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1936، ومن ثم .. اوقف دراسته .. والسبب انه لم يكن يمتلك حذاء ليذهب به في الشتاء الى المدرسة , فالصيف كان يقضيه حافيا... اما الشتاء فكان مشكلة لقدمي حنا الصغير.. ولذا فقد دفعه الفقر الى البحث عن عمل رغم صغر سنه ورغم ان اسرته كانت تتلقى المساعدة من الكنيسة.
"كنت أقوم مع أطفال المدرسة بالخدمة في الكنيسة، نطفئ الشموع، نحمل الأيقونات... وفي باحة المدرسة والكنيسة كان ثمة قبور يونانية قديمة، وعلى أحدها كان مجلسي في ساعات الضيق والجوع.. كنت أعاني البطالة والغربة والفقر والجوع وأحسد الكلب لأن له مأوى".
بعد أن أنهى الابتدائية عمل في دكان حلاق، وهناك بدأت موهبة الكتابة لديه ولو بشكل بسيط ومتواضع, حيث كان يكتب الرسائل للجيران والعرائض للحكومة، لانه كان الوحيد الذي يعرف الكتابة في حي المستنقع في اللواء .. وهكذا تشكل وعيه الادبي.
دخل الحياة السياسية الحزبية وهو ابن اثني عشر عاما وناضل ضد الاستعمار الفرنسي, ليعود الموت يهدده من جديد, ولتعود الام تصلي من جديد كي لا يموت... كما عمل حمالا في مرفأ اللاذقية, ليشرع مع أصدقائه في تأسيس نقابات في المرفأ.
في عام 1938، ضمت تركيا لواء اسكندرون, وفي عام 1939 حدثت هجرة الأرمن والعرب من اللواء ... كان عمر حنا ستة عشر عاما عندما هرب مع اسرته في أيلول عام 1939 من اسكندرون إلى اللاذقية عن طريق كسب... وفي اللاذقية عمل حلاقاً وحمالاً في الميناء، ثم بحارا على السفن والمراكب... كما اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت عائلة غنية , وعامل في صيدلية وصحفي .. الى ان بدأ في كتابة المسلسلات للاذاعة السورية ثم كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان, ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة.. لتبدأ زهرة الكاتب تتفتح وتنمو وتزهر.
في عام 1947 استقر به الحال في دمشق وعمل في جريدة الانشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها .
وفي عام 1948 انتقل حنا إلى بيروت ليعيش فيها عدة اشهر قبل ان يعود ليستقر في دمشق.
تزوج حنا مينة من مريم دميان سعيد من بلدة السويدية لكنه قابلها في اللاذقية وانجبت له خمسة ابناء، توفي الولد الاول في الخمسينيات, انجب سلوى وسوسن وامل واخيرا سعد.
ساهم حنا مينه مع كتاب يساريين في سوريا عام 1951بتأسيس رابطة الكتاب السوريين والتي كان من اعضائها سعيد حورانية, فاتح المدرس, شوقي بغدادي, صلاح دهني, مواهب كيالي, حسيب كيالي, مصطفي الحلاج واخرون
كتب اولى رواياته "المصابيح الزرق" عام 1954 , التي جعلت نجمه يستطع انذاك.. وبعد عدد من الروايات اصبح حنا مينة الاديب العربي الاكثر انتشاراً بعد نجيب محفوظ, الى جانب الشاعر الراحل نزار قباني.. وكثير من رواياته يتم اعادة طبعها اكثر من مرة, وبعضها وصل الى الطبعة السابعة.
"مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة. لا تفهموني خطأ، الحياة أعطتني، وبسخاء، يقال إنني أوسع الكتّاب العرب انتشاراً، مع نجيب محفوظ بعد نوبل ، ومع تزار قباني وغزلياته التي أعطته أن يكون عمر بن أبي ربيعة القرن العشرين. يطالبونني، في الوقت الحاضر، بمحاولاتي الأدبية الأولى، التي تنفع الباحثين والنقاد والدارسين، لكنها، بالنسبة إلي، ورقة خريف اسقطت مصابيح زرق".
ايضا في عام 1954 نظمت رابطة الكتاب العرب المؤتمر الاول للكتاب العرب بمشاركة عدد من الكتاب السوريين والعرب, وكان لحنا مينة دور كبير في التواصل مع الكتاب العرب في كل أنحاء الوطن العربي
عمله في السياسة دفعه الى الهروب الى هنغاريا ثم الى الصين, ليعود بعد عشر سنوات الى دمشق عام 1967, حيث عمل في كتابة المسلسلات الإذاعية ووزارة الثقافة.
كتب الروايات والقصص الكثيرة بعد ذلك والتي زادت على ثلاثين رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة.. اشهر رواياته على الاطلاق هي تلك التي كان بطلها البحر..
"البحر كان دائماً مصدر إلهامي.... لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة ،أما العواصف فقد نُقشت وشماً على جلدي، إذا نادوا: يا بحر أجبت أنا! البحر أنا، فيه وُلدت، وفيه أرغب أن أموت"
![]() |
ومثل كل الادباء ألهمته حياته وتجاربه في اعماله الادبية, مثلما الهمه البحر لكتابة "الشراع والعاصفة"، والاختباء في الغابات أيام مطاردة الفرنسيين لكتابة "الياطر".. ورواية اثر رواية.. اصبح حنا مينة أبا الواقعية الاشتراكية, في روايات بنيت في معظمها في اطار عالميه الاساسيين: البحر , والحارة الشعبية.
"الواقعية في الإبداع هي غير الواقعية في الحياة، فالواقعية كمدرسة في التعبير الإبداعي تستوعب جميع المدارس الأدبية من الرمزية إلى التعبيرية إلى الأسطورية إلى رواية اللا رواية وبدعتها التي ظهرت في أوروبا وتسابق عليها بعض المبدعين العرب، وكذلك رواية الحداثة وما بعد الحداثة، إذ كل هذا مصدره الواقع، مادياً كان أم معنوياً، ومن الطبيعي، والحال كذلك، أن تكون الأسطورة من بعض الواقعية التي أومن بها، ولا أنكرها كما يفعل بعض الآخرين".
ومثلما اطلق عليه لقب ابي الواقعية الاشتراكية , كذلك حاز حنا مينة بجدارة على لقب شيخ الرواية السورية وأحد أعمدة الرواية العربية..
يتسم اسلوبه بالسلاسة والسهولة, ما جعل طيف قرائه يتراوح من كبار المثقفين والمختصين وحتى الطلاب والعمال والفلاحين وربات البيوت, ولديه القدرة على امتاع واذهال كل هؤلاء... فجمله ابعد ما تكون عن التعقيد, وبناؤه الروائي كلاسيكي بسيط ومباشر بعيدا عن أي استعراض...
يعتبره النقاد أبرز اسم بعد نجيب محفوظ على خارطة الرواية العربية المعاصرة.....وقد ترجمت اعماله إلى سبع عشرة لغة أجنبية ويدرس عدد منها في جامعات اوروبا وامريكا
"لقد تقضى العمر بشيء جوهري لدي, هو تحقيق إنسانيتي، من خلال تحقيق إنسانية الناس.... أنفقت طفولتي في الشقاء، وشبابي في السياسة، ولئن كان الشقاء قد فُرِضَ علي من قبل المجتمع، فعشت حافياً، عارياً، جائعاً، محروماً من كل مباهج البراءة الأولى. فإن السياسة نقشت صورتها على أظافري بمنقاش الألم، فتعلمت مبكراً، كيف أصعّد الألم الخاص إلى الألم العام، وكيف أنكر ذاتي، فكان الإنسان في داخلي تواقاً إلى ما يريد أن يكون، لا إلى ما يُراد له أن يكون".
الاعمال
1 – المصابيح الزرق، رواية، 1954.
2 – الشراع والعاصفة، رواية، 1966.
3 – الثلج يأتي من النافذة، رواية، 1969.
4 – ناظم حكمت وقضايا أدبية وفكرية، سيرة ودراسة، 1971.
5 – الشمس في يوم غائم، رواية، 1973.
6 – الياطر، رواية، 1975.
7 – بقايا صور، رواية، 1975.
8 – الأبنوسة البيضاء، مجموعة قصصية، 1976.
9 – من يذكر تلك الأيام، مجموعة قصصية بالاشتراك مع د. نجاح العطار، 1976.
10 – أدب الحرب، دراسة بالاشتراك مع د.نجاح العطار، 1976.
11 – المستنقع، رواية، 1977.
12 – ناظم حكمت: السجن–المرأة–الحياة، دراسة، 1978.
13 – ناظم حكمت ثائراً، دراسة، 1980.
14 – المرصد، رواية، 1980.
15 – حكاية بحار، رواية، 1981.
16 – الدَّقل، رواية، 1982.
17 – هواجس في التجربة الروائية، خواطر وتأملات، 1982.
18 – المرفأ البعيد، رواية، 1983.
19 – الربيع والخريف، رواية، 1984.
20 – مأساة ديميتريو، رواية، 1985.
21 – القطاف، رواية، 1986.
22 – كيف حملت القلم، مجموعة مقالات وحوارات، 1986.
23 – حمامة زرقاء في السحب، رواية، 1988.
24 – نهاية رجل شجاع، رواية، 1989.
25 – الولاعة، رواية، 1990.
26 – فوق الجبل وتحت الثلج، رواية، 1991.
27 – الرحيل عند الغروب، رواية، 1992.
28 – النجوم تحاكم القمر، رواية، 1993.
29 – القمر في المحاق، رواية، 1994.
30 – حدث في بياتخو، رواية، 1995.
31 – المرأة ذات الثوب الأسود، رواية، 1996.
32 – عروس الموجة السوداء، رواية، 1996.
33 – المغامرة الأخيرة، رواية، 1996.
34 – الرجل الذي يكره نفسه، رواية، 1998.
35 – الفم الكرزي، رواية، 1999.
36 – القصة والدلالة الفكرية، دراسة، 2000.
37 – حارة الشحادين، رواية، 2000.
38 – صراع امرأتين، رواية، 2001.
39 – البحر والسفينة وهي، رواية، 2002.
40 – حين مات النهد، رواية، 2003.
41 – شرف قاطع طريق، رواية، 2004.
42 – الذئب الأسود، رواية، 2005.
43 – الأرقش والغجرية، رواية، 2006.
44 – هل تعرف دمشق يا سيدي، مجموعة مقالات.
الجوائز
1 – جائزة المجلس الأعلى للثقافة والآداب والعلوم بدمشق عن رواية «الشراع والعاصفة» عام 1968.
2 – جائزة سلطان العويس من الدورة الأولى عام 1991 على عطائه الروائي.
3 – جائزة المجلس الثقافي لجنوب ايطاليا، فازت بها رواية «الشراع والعاصفة» عام 1993، كأفضل رواية ترجمت إلى الإيطالية.
4 – جائزة «الكاتب العربي» التي منحها اتحاد الكتاب المصريين بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيسه، اعترافاً بموقعه المتميز على خريطة الرواية العربية.
5 – وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة بتاريخ 28/5/2002م.