خطة خليجية تصاعدية

«يتجه الوضع السوري مباشرة صوب مجلس الأمن الدولي بمبادرة ومباركة عربيتين»، هذه هي الخلاصة التي خرج بها اكثر من دبلوماسي شارك في اجتماع جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري يوم الأحد الماضي في القاهرة.
وساد انطباع لدى المتحفظين على ما صدر من قرارات أن بعثة المراقبين العرب لم تكن سوى «مناورة عربية»، لأن المجتمعين لم يناقشوا التقرير الذي تلاه رئيس بعثة المراقبين الفريق الأول مصطفى الدابي الذي فهم منذ بداية الاجتماع أن تقريره سواء جاء سلبيا أو إيجابيا لا يهم المجتمعين، وبالتالي صار جدول الأعمال محكوما بمناقشة خطة سياسية لإطاحة رأس النظام السوري، وعندها لم يتردد الدابي في الإعلان عن سخطه مرددا في بداية الاجتماع ثلاث مرات متتالية: «أنا لا أسمح بأن أكون مطيّة لأحد!».
المواجهة العربية، وخاصة الخليجية، مع النظام السوري باتت ظاهرة للعيان ومحسومة سواء قام الرئيس السوري بشار الأسد بإصلاحات أم لا، «والهدف هو جبه «الخطر الإيراني»، وليست سوريا سوى مرحلة في اتجاه تقويض هذا النفوذ، بعد مرحلة أولى تمثلت بسحب ورقة حماس»، كما يقول أحد الدبلوماسيين الذين حضروا الاجتماعات، مشيرا الى أن «الهدف في سوريا لا يكمن البتّة في حماية أرواح المدنيين وفي الحفاظ على حقوق الإنسان، وبالتالي فإن ما قاله حمد بن جاسم للمجتمعين من أنه يفكّر بآخرته ناصحا «إخوانه» المجتمعين بالتفكير مليا بنظرائهم المسلمين الذين يقتلهم «نظام بشار» لم يقنع أحدا من الوزراء العارفين بخفايا الأمور».
ماذا في تفاصيل اجتماع الأحد الماضي؟
«عاصف» هو التوصيف الذي أعطاه أكثر من دبلوماسي في القاهرة لاجتماعات اللجنة الوزارية المصغرة التي استبقت اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة متأخرا ساعتين عن موعده الأصلي.
في اجتماع اللجنة الوزارية الذي انعقد في فندق «الفور سيزنز» تلبد الجوّ بين المشاركين، إذ كانت بعض الدول ومنها قطر والسعودية معترضة بشدة على استمرار أعمال العنف تحت أنظار لجنة المراقبين العربية مفضلة نقل الملف الى مجلس الأمن الدولي، لكن دولا مثل عمان حاولت ترطيب الأجواء ومنح مهلة أكبر للنظام لمعالجة ما يحصل.
وفيما التزم المصريون الصمت في تعبير عن رغبة ضمنية بعدم السير بخيار إسقاط النظام السوري وبالتالي تشجيع الذهاب الى تسوية سياسة، فإن الخليجيين بدوا محكومين بسقف قرار سياسي يرفض المهادنة ويريد المضي بالمعركة مع النظام السوري للنهاية، في اطار «المعركة الأكبر» المفتوحة مع ايران، على حد تعبير دبلوماسي عربي شارك في الاجتماعات.
هذا الجو المتناقض والملبّد الذي ساد في اللجنة الوزارية انتقل بعد الظهر الى اجتماع وزراء الخارجية العرب الذين فوجئوا بمسودّة أولى توزّع عليهم وصفها أحد الدبلوماسيين الحاضرين بأنها «كانت قاسية وملأى بالأخطاء الإجرائية ومخالفة لميثاق جامعة الدول العربية».
ومن الأخطاء نصّ المسودة على طلب جامعة الدول العربية تكليف نائب الرئيس السوري بمهام رئيس الجمهورية! فتمّ لفت النظر الى أن هذا الأمر يشكل خرقا لسيادة الدول ولا يحق لمنظمة إقليمية أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما… ولفت الانتباه الى هذه النقطة أيضا وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور الذي اعتبر أنه «توجد دساتير في الدول يجب احترامها»، فما كان من رئيس الجلسة حمد بن جاسم إلا ان التفت بغضب صوب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي وسأله: «يا بن حلّي إيه الشغل ده؟».
وتوالى التوتر بعد اعتراض الدابي على تجاهل تقريره الذي تبين أنه لم يذكر البتة في مسودة القرار الأولى التي ما لبثت أن عدّلت ثلاث مرات… في المرة الأولى، صححت أخطاء كتابية في الصياغة… في المرة الثانية، عدّلت الديباجة كليا لتضمنها مخالفة إجرائية إذ احتوت على تعدّ صارخ على السيادة السورية وهو أمر مخالف لميثاق جامعة الدول العربية، أما في المرة الثالثة، فقد تمت إضافة موضوع تمويل بعثة المراقبين «حفاظا على ماء الوجه لأن النقاش كان في مكان آخر، فالمجتمعون كانوا يتداولون عمليا في الخطة السياسية المقبلة في مواجهة النظام السوري بغض النظر عن مضمون التقرير» بحسب الدبلوماسي العربي الذي حضر الإجتماعات.
وانقسم المجتمعون الى دول تصر على نقل القضية السورية لمناقشتها في مجلس الأمن الدولي وفي مقدمها قطر والسعودية، ودول أخرى هي دول «الربيع العربي» التي تريد إكمال هذا « الربيع» في دمشق، ودول ثالثة تنطلق من المصالح الوطنية والقومية مثل العراق ولبنان والجزائر والسودان.
وبعد أن قدم المشاركون ملاحظاتهم على المسودة الأولى وخصوصا لجهة خرقها للسيادة الوطنية لدولة مستقلة وعدم تطرقها نهائيا الى موضوع المراقبين، اعترض وزير الخارجية السوداني على ضرب المجتمعين للتقرير عرض الحائط، كذلك برز اعتراض على طلب حمد بن جاسم «طلب الدعم الدولي» واعتبر بعض الوزراء أن ذلك يعني تدويل الأزمة السورية، فأجاب حمد بالنفي مشيرا الى أنه يعني «الدعم المعنوي»… فلفت بعض الوزراء ومنهم الوزير اللبناني عدنان منصور الى ضرورة التوضيح «بعدم التدخل الخارجي المباشر».
ولفت الانتباه في النقاش وجود اتجاه خليجي قوي صوب خيار مجلس الأمن الدولي، ودار نقاش حول كيفية طلب الحوار في ما تتجه بعض الجهات الى تمويل تسليح المعارضة بحجة الدفاع عن النفس.
ويعلق دبلوماسي شارك في الاجتماعات بقوله: «ظهر جليا أن ما يريده العرب هو التفاوض مع النظام السوري لكن من دون رئيسه أي بشار الأسد… وهذا ما يعيدنا الى رسائل عدة تم تداولها أخيرا عبر قنوات دبلوماسية سورية سعودية أفادت بأن الرئيس الأسد ابدى استعداده لبدء برنامج إصلاحي متدرج ينتهي عام 2013 يؤول في نهايته الى انتخابات تجعله ينسحب من الحكم بلا عنف وبطريقة تحفظ كرامته وكرامة سوريا إلا أنه تم رفضها… وظهر جليا في اجتماع الأحد حنق سعود الفيصل على خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير الذي تحدث فيه عن «المستعربين» فأشار في مداخلته الى أن «البعض لا يعطي اعتبارا للعمر».
وأشار الدبلوماسي نفسه الى أن «النموذج السوري مختلف كليا عن النموذج الليبي، فالأسد لا يسيطر على مناطق من دون أخرى ولا يستخدم الطائرات وبالتالي يصعب اللجوء الى حظر جوي أما بالنسبة الى الممرات الإنسانية فهي تحتاج الى تجمعات بشرية ضخمة هي ليست موجودة لأن الأكثرية الشعبية التي تطالب بالإصلاحات هي صامتة ولا تقوم بالتظاهر فيما المتظاهرون هم فقط مؤيدو النظام ومعارضوه وهم لا يزالون قلّة»…
وأضاف أن «المخطط يكمن بإفقاد النظام شرعيته وجعله معزولا وتهميش الرئيس الأسد قبل البدء بأي حوار جدي، تماما كما حصل عندما تم تحييد حسني مبارك وبدء الحوار مع الجيش مباشرة……. إلا أن الأمر مختلف في سوريا لأن الجيش يحمي النظام».