دبلوماسيون : المستوى الجديد من الأزمة السورية باتجاه التدويل

"إن هبْتَ شيئاً فقع فيه". عبارة تسمعها على مستويات مختلفة في سوريا، وذلك بعد استنفاد فرص "التعاون" وتمديد الوقت مع الجامعة العربية أمام مخاطر التدويل عبر مجلس الأمن الدولي.
وقد جاء مشروع بروتوكول التعاون بين دمشق والجامعة العربية، كمصدر قلق رئيسي لدى دمشق، بسبب الانطباع الذي وفره من رغبة عربية في التدويل، باعتبار أنه "لا يمكن التوقيع عليه".
ويمكن لمن اطلع على مشروع البروتوكول أن يرى أنه يوفر عبارات تحتمل تفسيرات عديدة، كما يمنح بعثة الجامعة (عناصر الجامعة تشكل 10 في المئة من تشكيلها فقط) صلاحيات واسعة تسمح لهم بزيارة مؤسسات الدولة المختلفة التابعة للقطاع الأمني، وهو ما لم يحصل سابقاً مع سوريا. وسعت دمشق عبر اتصالاتها مع كل من الجامعة العربية من جهة، وعبر غطاء روسي ومصري وجزائري إلى إبراز الجانب "المراوغ" للمشروع، وطلب تعديلات عليه، كما استفسارات، خصوصاً أن تقارير الخارجية السورية اعتبرت البروتوكول بصيغته الأولى بمثابة "عقد إذعان على سوريا توقيعه، وإلا التدويل".
وبدا واضحاً لاحقاً أن الجانب العربي، ولا سيما القطري، حاول شراء "الثقة" السورية خلال فترة التفاوض، سواء عبر تصريحات ورسائل بعيدة عن الإعلام، أو عبر إيحاءات شخصية تشير إلى وقوف أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى جانب سوريا، والاستمرار في الادّعاء بأن "حاكم الإمارة لا يمون على الجزيرة" حين الرد على انتقادات دمشق لتغطية المحطة المنحازة.
وأشارت مصادر سورية لصحيفة السفير إلى ما كان سبق لوزير الخارجية وليد المعلم أن أكده في مؤتمره الصحافي الأخير من أن قطر وعدت سوريا، في حال وافقت على المبادرة العربية بصيغتها الأولى، بأن تحشد إلى جانبها "الجزيرة" وشخصيات سياسية دينية ذات وزن، كالمفكر عزمي بشارة والمرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي.
إلا أن الصورة التي شابها بعض الغموض سابقاً باتت واضحة بالكامل، وفقاً لذات المصادر، وساهمت التطورات الأخيرة في انتقال التركيز في إدارة الأزمة من المستوى السياسي والإصلاحي نحو الوضع الأمني المعقد، والاهتمام بالوضع الخارجي، باعتبار أن ما يجري في سوريا يجري بالتنسيق المباشر مع روسيا خطوة خطوة، كما يطلع عليه باقي الحلفاء لدمشق. حيث عمدت دمشق إلى سحب أية ذريعة في هذا الإطار، من الطرف العربي، الذي يقود الآن الحملة عليها.
وينظر دبلوماسيون إلى المستوى الجديد من الأزمة السورية، على أنه تدويل شاء البعض أم أبى. خصوصاً أن المواجهة ستنتقل مجدداً إلى مجلس الأمن بين الجانب الروسي والصيني من جهة، والغرب من جهة أخرى، الذي يعتقد أنه الآن يتموضع تحت غطاء عربي.
ويرجح مراقبون أن تكون الخطة اتجاه سوريا ترتكز على "العامل الإنساني"، على أن يجري ذلك بتنسيق بين تركيا والجانب العربي والغرب، بحيث يتم العمل على مشروع قرار يتيح "التدخل الإنساني" في سوريا، ليكون مقدمة لتدخل عسكري يستوفي شروطه مع توافر معطيات أخرى يوفرها القرار مع تقدم الزمن.
وهنا تبرز أهمية الموقف الروسي، كما تبرز تأثيرات الصراع البارد حالياً بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائهما على محورين، الأول هو الدرع الصاروخية، والثاني هو سوريا وإيران. ويرى دبلوماسيون أن سوريا قد تكون ورقة مساومة كبيرة بين الجانبين، مع الإشارة إلى أن تخلي روسيا عن سوريا سيعني تدحرج الكرة باتجاه حلفاء آخرين لموسكو في العالم، فيما يعني صمودها إلى جانبها تقوية المحور الممانع للسياسة الأميركية، ولا سيما بعد انسحاب قواتها من العراق.
أما المستوى الثاني للصراع الدائر فهو إقليمي بطابع مذهبي، تشكل دول الخليج والأردن أحد وجوهه، فيما تشكل إيران والعراق وجهه الآخر. وتشكل سوريا في هذا الصراع أيضا "بيضة القبان"، الذي يتيح لأحد المعسكرين المذهبيين النظر للمستقبل بطريقة أكثر تفاؤلا. هذه المعطيات تسمح بالقول إن "سوريا" هي "اللقمة الصعبة" في كل هذا. وأن محاولات ابتلاعها لن تتوقف قريباً.
شام نيوز. السفير