دراسة: كيف يمكن تجنب الحرب الأهلية في سورية؟

 

أعلن أحد مساعدي الأمين العام السابق للأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان موافقة سورية على الخطة السلمية التي إقترحها عنان لحل الأزمة في سورية، والذي قام مؤخراً بزيارة إلى موسكو وبكين، وليس مستبعداً أن يتجه من جديد إلى دمشق. وكان عنان إلتقى في العاشر والحادي عشر من آذار/مارس الرئيس السوري بشار الأسد، لكن هذه اللقاء لم يكن مشجعاً بالنسبة إلى عنان.

 

التشكيلة الخلافية لبعثة عنان

وقد سعت الحكومة السورية كعادتها إلى المماطلة في المفاوضات والوقوف عند كافة التفاصيل، وكشفت عن إعتراضها على وجود بعض كبار الدبلوماسيين في عداد هذه اللجنة. وقد اثار الفرنسي جان-ماري غوإيننو والذي عمل سابقاً في مجال تأمين العمليات العسسكرية لحفظ السلام، تساؤلات أقل لدى السوريين من المندوب السابق لفلسطين في الأمم المتحدة ناصر القدوة، الذي يشغل منصباً فخرياً كنائب لكوفي عنان في الوفد.

وقد أطلق المسؤول الفلسطيني مؤخراً عدة تصريحات أثارت غضب دمشق. وبالمناسبة، فإن قدماء الدبلوماسيين -والمتقاعدين رسمياً- يشيرون مراراً وتكراراً إلى أنهم لا يتلقون رواتب مقابل مشاركتهم في البعثة، بل مخصصات يومية من الأمم المتحدة كبدل مصاريف. وقد تحدث إلى وسائل الإعلان العربية عن هذا الأمر بشكل خاص أحمد فوزي المتحدث الصحفي بإسم كوفي عنان. وإلى جانب الإعتراضات ذات الطابع التقني، فقد قدمت السلطات السورية حججها ضد المعارضة، ومن أبرزها أن جزءاً كبيراً من المعارضة مسلح، وأن البعض منهم يلجاً للإرهاب كأسلوب للضغط على السلطة. بيد أن عنان لم يكن في وارد الغرق في سجال طويل، وقدم 6 إقتراحات محددة الى الحكومة السورية تتضمن سحب القوات من المناطق المتمردة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية للمتضررين، والإلتزام بوقف إطلاق النار على الأقل لساعتين يومياً. ويبدو أن الحكومة السورية مستعدة للقبول ببرنامج العمل هذا إذا لم يحصل في اللحظة الأخيرة توتر للأوضاع المتردية أصلاً في البلاد. كما أن الوقت المتبقي للتسوية قليل، وليس فقط بحكم الوضع السيء، بل لأن الدول الغربية والعربية وتركيا أيضاً منحت عنان مهلة أسبوعين إلى ثلاثة للتسوية. ورغم أن بيان مجلس الأمن في 21 آذار/مارس الداعم لمهمة عنان خلا من مهلة الأسبوعين بطلب من روسيا، إلا أن هذا القيد موجود من الناحية العملية. 

 

هل يمكن إقالة الرئيس؟

في الأثناء يتهرب الوسطاء من قضية أخرى شائكة تتعلق بنقل الرئيس الأسد لصلاحياته بشكل مؤقت لأحد نوابه. وقد تسربت من قبل أعضاء البعثة أنفسهم لوسائل الإعلام معلومات حول أن هذا الموضوع قد تم التطرق إليه.

علاوة على ذلك، فإن روسيا- التي إعترضت على هذا السيناريو- بدأت في الآونة الأخيرة بالتعليق على هذه الإمكانية بأقل حسماً. وفي هذا الصدد صرح وزير الخارجية سيرغي لافروف مؤخراً في حديث مطول لإذاعة commersant.fm " أنه إذا بدأ حوار شامل بمشاركة جميع ممثلي المعارضة والسلطة، فيجب حل كافة القضايا في إطار هذا الحوار، بما فيها تلك المتعلقة بمن سيقود سورية في المرحلة الإنتقالية كما حصل في اليمن". ففي اليمن قام الرئيس علي عبدالله صالح في النصف الثاني من العام 2011 بنقل صلاحياته إلى نائبه، وفي بداية العام الحالي إستقال بشكل رسمي. بيد أنه وقبل ذلك خاض مطولاً مفاوضات من خلال الوسطاء حول ضمات عدم التعرض له ولأقاربه، فضلاً عن حماية ممتلكاته وأمواله. وقد تم الإلتزام بهذا الإتفاق ويعيش صالح حالياً وفق معلومات صحفية في سلطنة عمان ويزور بشكل منتظم الولايات المتحدة وبريطانيا.

فهل سيتمكن كوفي عنان من تحقيق الشيء ذاته في سورية؟ وهل سيقوم بذلك الرئيس الأسد ومعارضوه؟ أنها مهمة صعبة كما قال الرئيس دميتري مدفيديف عند بدء محادثاته مع عنان، مضيفاً "أنها الفرصة الأخيرة لتجنب الحرب الأهلية الدموية والطويلة الأمد في سورية". في حين أعلن لافروف أنه "إذا كان من شخص ما قادر على الإتيان بشيء مقبول فهذا الشخص هو كوفي عنان".

 

حول السنة والديمقراطية في سورية

تكمن المشكلة في أن القليل من الناس يؤمنون بإمكانية تحقيق هذه الفرصة. فعلى مدار عام من التناقضات فقدت المعارضة والسلطة إمكانية الحوار المشترك بينهما. فخصوم النظام الذين يتمتعون بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر يستعدون لعقد لقاء دولي جديد في إسطنبول في اول نيسان. وتضم "مجموعة أصدقاء سورية" نحو 50 دولة، يقوم الكثير منها بإغلاق سفارتهم في دمشق. وفي البداية قامت بذلك بعض البلدان الغربية وعدد من بلدان الخليج. وفي نهاية آذار قامت تركيا بالشيء نفسه. وليس هذا ضغطاً إضافياً على الرئيس الأسد بل وخطوة في حال تردي الأوضاع.

في الأثناء تتابع موسكو القلق البالغ الذي اثاره التحول المفاجيء في المقابلة الصحفية المشار إليها أعلاه- الغير دبلوماسية جداً، ولكن المعبرة والصريحة لسيرغي لافروف.

فإلى جانب تذكيره من إحتمال نشوب حرب أهلية ، أعرب لافروف عن تخوفه التالي: " نحن قلقون على مصير المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى من الأكراد والعلويين والدروز".

وإثر هذا التصريح ،الذي إنتقده الكثير من السياسيين والمعلقين العرب، بدأت المعارضة السورية- قبيل إجتماعها في إسطنبول في نيسان- بتحضير بعض البيانات السياسية حول أن هدفها يكمن في "بناء دولة ديمقراطية في سورية يتم فيها حماية حقوق جميع الأقليات".

في غضون ذلك سيقوم كوفي عنان الأسبوع الحالي بخطوة لمساعدة المعارضة للقيام بذلك بمشاركة السلطة، التي يمكن أن تكون مساعدتها مفيدة على هذا الطريق. إذا لا حرب ولا ثورة، بل إصلاحات. وهذه هي الفرصة الأخيرة ليست للأسد بل ولأعدائه بإنهاء الأزمة بشكل سلمي.

 

 

يلينا سوبونينا - مديرة مركز أسيا والشرق الأوسط في معهد الأبحاث الإستراتيجية.