درج الورد...

 

هيام حموي . البعث

في 31 كانون الأول 2006، كنت قد التقطت صورة لوردة أُهديَتْ إليّ وقد استقرت في إنائها أمام النافذة، فبدت الوردة في الصورة، مع لعبة النور والظلال، وكأنها كائن أنثوي بلا عمر محدد يطل على الحياة من خلف ستار من الدانتيل... كان في مشهد انحناءة الوردة أمام الشباك ما يوحي بالكثير من التداعيات المتعلقة بالأنوثة والجمال الذي يرمز للحياة، فقررت يومها أن أبعث لكل أحبائي المنتشرين في أنحاء العالم، وعبر البريد الالكتروني، صورة الوردة المطلة على الحياة بعد أن أضفتُ إليها عبارة : 2007 عام "الدفاع عن الوردة"...

 


كان في ذهني أن تكون الوردة رمزا لكل ما في الحياة من هشاشة وقوة، ففي حرير ملمس الأوراق وصلابة الشوك، يمكن تلخيص الحياة بجمالها بنعومتها بقسوتها وبسرعة زوالها... وبالرغم من كل ما يحمله زمن القبح الراهن من ويلات، لا زلت على قناعة بأنه لم يفت الأوان للدفاع عن الوردة/الحياة، التي تساوي في نظري صيغة المرأة/الحياة، وكأنهما طرفان في معادلة واحدة.

 
 شهر آذار المزدحم بالمناسبات والاحتفاليات، تميّز بتكريس أهمية دور المرأة في مطلع الأسبوع الثاني منه عبر الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، كما اختص بتكريم الأمومة في ختام أسبوعه الثالث، حيث تقرر عربيا، ومنذ أكثر من نصف قرن، الاحتفال بعيد الأم في 21 آذار.

  


 أذكر أول هدية قُدِّر لي أن أقدمها بمناسبة عيد الأم لـ "ست الحبايب"، وأنا ابنة السنوات التسع، بعد أن سمعت عن المناسبة من المذياع القديم، كانت الهدية عبارة عن وردة حمراء تناولتْها مني، بنظرة استغراب وامتنان وحنان، تلك المرأة التي ما كان يمكن أصلا أن أكون ما أنا عليه اليوم لولا ما ورثته عنها من جينات عضوية ونفسية تسمح لي بالصبر على الجهد الطويل، ومواجهة التحديات الأقسى، ولولا رأيها الحازم الصارم الذي طالما وجّهني نحو الأفضل.

  


 عنها أخذت احترام المرأة لكيانها كإنسان فوق كيانها كامرأة. كما علمتني أمي أن أطرح نفسي ككائن بشري قبل أن أكون أنثى، وكان لهذا الجانب من التأثير ما جعلني أجتاز سنواتي الأربعين في المجال الإعلامي من دون أن يتغير أي شيء في جوهر شخصيتي، من ناحية أخرى جعلني الأمر أفكر بأسلوب كان له شديد الأثر في مسيرتي المهنية، فمع ازدياد الوعي الإعلامي لديّ كنت أحاول عبر الحوارات الإذاعية طرح الأسئلة المؤرقة، حتى ولو لم يقدم الضيف المحاوَر الإجابات الشافية عنها، بعد أن أدركت أن السؤال المطروح في الحوار الإذاعي يمكن أن يكون ربما أهم من الجواب، المهم أن يُطرح السؤال، وأن يُسمع، حتى ولو تأخرت الإجابة.

 


أما محور السؤال الأكثر إلحاحا فقد كان يدور حول أسباب تراجع مجتمعاتنا في بعض من قيمها، والإجابة تكمن طبعا في التربية، والتربية هي بالدرجة الأولى مهمة الأم/المرأة، والسؤال يقول إن المرأة بيدها مفتاح التربية، فلماذا لا تستفيد من دروس معاناتها، فتربّي بناتها وأبناءها بالشكل الذي يجنّبهم معاناة شبيهة بمعاناتها؟