درعا تتغلب على الجفاف بتقنيات جر المياه

 

استطاع أهالي درعا عبر التاريخ التكيف مع أصعب الظواهر الطبيعية وخاصة الجفاف من خلال إيجاد الحلول المناسبة لتخزين المياه وتجميعها واستخدامها في أغراض الشرب والاستحمام والري وسقاية المزروعات.

واشتهرت مدن حوران بوجود البرك والآبار وقنوات الجر وشبكات الري حيث استطاع الإنسان تطويع جغرافية المدن والاستفادة من الانحدار والارتفاع وعلوم الهندسة في جر المياه من منابع بعيدة إلى قلب المدن لدعم مصادرها المائية.

وقال الآثاري ياسر أبو نقطة - حسب وكالة سانا - إن سكان المنطقة عمدوا منذ القدم إلى التعامل مع الظواهر الطبيعية بما يخدم احتياجاتهم وينمي نشاطاتهم اليومية حيث تمت إقامة الأقنية والبرك للمحافظة على مخزون معين من المياه إضافة إلى الاستفادة من الحفر الطبيعية وتسوية بعضها الآخر واستجرار المياه عبر أقنية حفرت في الصخر بالاستفادة من ميول الأرض لجر المياه التي تنتج عن الأمطار والينابيع لإيصالها إلى الحفر.

وأضاف أن التقديرات الأولية تشير إلى أن هذه التقنيات ظهرت منذ السنوات الأولى للميلاد متزامنة مع تطور فن العمارة على أطراف الأودية وقرب منابع المياه حيث تم سحب المياه إلى قلب المدن بأقنية حجرية بعد تجميعها بأحواض على شكل برك صغيرة وكبيرة ليتم استخدامها من قبل السكان داخل المدن.

20110203-120745.jpg

وأوضح أن أهم المدن التي عرفت تقنيات جر المياه هي بصرى وانخل والطيبة ويندر وجود مدينة دون بركة تشكل مخزونا استراتيجيا لها مشيرا إلى أن منطقة اللجاة مليئة بالخزانات المحفورة بالصخر وهو ما يدل على أن سكانها استطاعوا استجرار المياه منها.

ولفت أبو نقطة إلى أنه بالرغم ما ذكرته المصادر التاريخية عن طرق تخزين المياه ونقلها في حوران ألا أن القناة التي احتلت الصدارة في الأحاديث والأساطير هي قناة فرعون مبينا أن الأسطورة تشير إلى أن هذه القناة بنيت بحجارة من السماء في عهد أحد فراعنة مصر لجر المياه من حوران إلى مصر إرضاء لابنته.

وأشار الباحث الآثاري إلى أن الحقائق التي ظهرت تدل على أن بناء القناة يعود إلى فترة حكم الغساسنة في حوران أي أن عمرها يبلغ نحو ألفي عام تقريبا موضحا أن القناة تمتد من انخل بطول 70 كيلو مترا حتى أم قيس شمال الأردن حيث استطاعت إيصال المياه رغم مرورها بارتفاعات وانخفاضات مع عدم وجود مضخات لذلك.

وبين أن الهدف من القناة تخديم مدن حوران المنضمة إلى الديكابوليس حلف المدن العشرة بالمياه مشيرا إلى أن القناة انطلقت من ينابيع الثريا شرق مدينة انخل وغرب قرية الدلي وتغذيها مجموعة من الينابيع يصل عددها إلى ثلاثين ينبوعا أهمها دام والدنانير حيث تؤشر هذه القناة على خصوبة المنطقة وغناها بمصادر المياه السطحية والجوفية0

وأوضح أبو نقطة أن القناة عبارة عن ظاهرة معمارية قوامها الحجارة البازلتية والقطع الصغيرة المخلوطة مع المادة الكلسية القاسية الملاط الأبيض إضافة إلى الحجارة المطحونة لزيادة المتانة وعدم تحلل الكلس .

وشرح أبو نقطة الشكل الخارجي للقناة المتمثل بواجهة مكسية بقطع بازلت حجرية كبيرة ومتوسطة الحجم لحمايتها وتظهر بعض أجزائها عند سفوح الأودية كالوادي الواقع شرق الشيخ مسكين حيث ترتفع واجهاتها إلى مايزيد على سبعة أمتار إضافة إلى وجود قناطر ترفعها للحفاظ على منسوب المياه حيث استفاد السكان من تطور علم أشكال الرض وعلوم الطبوغرافيا في رفع المياه.

وكما هو الحال في مدن درعا استطاعت بصرى الاستفادة من الخواص ذاتها لكن سكانها لم يجدوا حلا لفروق الارتفاع بين المنابع والمصبات والأماكن التي يرغبون في إيصال المياه إليها لذلك عمدوا إلى نقل المياه من مصادرها المنخفضة إلى الأماكن المرتفعة باستخدام الجرار والقرب جلود الحيوانات كالماعز والبقر.

هذا وقد شكلت المياه منذ أقدم العصور معضلة أمام الإنسان إذ أن وجودها في أي مكان يدل على وجود الحضارات لذلك فكر إنسان درعا في ابتكار حلول لجر المياه لمسافات طويلة وعبر مواقع تتميز بارتفاعها عن المنابع واستطاع عبر تقنيات يقال إنها فريدة مقارنة بأيامنا هذه من جر المياه والتغلب على مشاكل الجفاف متحديا كل الصعوبات الجغرافية التي يشكل الانخفاض والارتفاع أهمها.