دروس من تشيلي

 

يوم الاربعاء الماضي سهرنا «بتوقيتنا» مع بقية الملايين من العالم، نتابع البث الحي لعملية انقاذ عمال المنجم التشيلي المحتجزين منذ ما يربو على شهرين تحت ما يزيد على سبعمائة متر تحت الارض. يعني أطول من.. من بوابة الجهراء الى ساحة الصفاة، وتكاد الحفرة التي تم اخراجهم منها ان تبتلع ابراج الكويت الاربعة مجتمعة.

 


متابعة الجهود والاهتمامات الانسانية بعملية الانقاذ حرّكت فينا كل المشاعر، ضحكنا مع بعض من كان مرحا من الناجين، وصلينا مع من صلى، ودمعت أعيننا مع من دمعت عيناه من المستقبلين. كان مثيرا وفي الواقع مريحا ان نرى العالم يتوحد، الكل يتابع عملية الانقاذ والكل شارك بهذه الطريقة او تلك فيها.

 


الأكثر إثارة كانت الشفافية التي تعاملت فيها السلطات التشيلية مع الحدث، وكيف سمحت بنقل ومتابعة جميع مراحل الانقاذ خطوة بخطوة، الى درجة ان راحة وربما سلامة المحتجزين كادت ان تكون ثمنا للحرص على النقل الحي والمتابعة الدقيقة للحدث من فوق الارض ومن تحتها ايضا. تفوقت على كل هذا، المشاعر الفياضة سواء لأهالي العمال او لجمهور المتواجدين او للرئيس التشيلي الذي حرص على حضور كامل وقت عملية الانقاذ.

 


عندنا لا يزال وزير المواصلات «المتدين» يفكر ويخطط لكيف يحجب هذا الموقع او يمنع ذاك، عندنا من الصعب ان ترى ما فوق الارض وما هو من المفروض ان يكون مكشوفا وفي متناول المواطنين.. فكيف بما هو مدفون كيلومترا كاملا تحت الارض. التشيليون وبلا قصد بينوا لنا لماذا هذا الجهد ولماذا هذا الاهتمام بالضحايا وحالتهم من خلال عرض العلاقة الحميمة بين الناجين وأسرهم، وبينهم وبين بقية الناس. القبل التي تُبودلت والعناق المميز بين الجميع كان يساوي الضجة والمال الذي أنفق ويزيد كثيرا.

 


هذا يذكرنا بــ«الدفن» المقصود الذي مورس بحق مشاعر أسرانا العائدين من الأسر الصدامي وأهلهم. فكل ما شاهدناه بفضل الرقابة الدينية «حنافيش تبوس حنافيش»... لحى وشوارب المستقبلين والعائدين الذكور. لم نر - الى الآن - أمّاً تعانق ابنها الغائب، او حبيبة تحتضن حبيبها العائد. مع أننا وقتها كنا بحاجة لاستثارة مشاعر العالم من أجل الافراج عن البقية ممن ظلوا محتجزين.. ومن يدري، فلو استثمرنا اعلاميا المشاعر الحقيقية لكل الاهالي ذكورا واناثا لربما تغير مصير الكثير من الشهداء.
شكرا للشعب التشيلي وشكرا للسلطات هناك فقد سمحوا لنا بأن نشاركهم تحضّرهم واهتمامهم الإنساني بالإنسان.

 

القبس - عبد اللطيف الدعيج