"دماء الدراما".. أَبريئة هي من توتراتنا النفسية؟

ملفات

الأحد,٢٤ آذار ٢٠٢٤

لميس حسين - شام إف إم

الدراما.. درب الفن الساحر، جاذبية للنفس البشرية وتأثير يمتد صداه بعيداَ..

 في البداية كان "القَص" كأحد وسائل التطور البشري وبقي كذلك مع اختلاف الشكل والأسلوب، اليوم وتحديداً في الموسم الرمضاني تكون الأعمال الدرامية وجبتنا الفكرية والثقافية، دون إدراك فعلي لما تقتات عليه الذاكرة وتخزنه.

"أسوأ أنواع العنف هو العنف القائم على الصورة المرئية التي تختزنها الذاكرة".. يقول المعالج النفسي حسام حسون الذي خص "شام إف إم" بالإجابة على الأسئلة التالية: 

 

ما هي التأثيرات النفسية الناتجة عن متابعة العنف في الدراما التلفزيونية؟

تتنوع التأثيرات النفسية الناتجة عن متابعة العنف الدرامي في الشعور الدائم بالتوتر والقلق والخوف وأحياناً قد يتطور الأمر للدخول بحالة صدمة بسبب قسوة المشهد، وذلك يختلف من شخص لآخر باختلاف البيئة، فردة فعل شخص اختبر مهنة ما سابقاً ( دباغ - لحام ..الخ) تختلف عن ردة فعل من لم يعرفها أو يختبرها.

العنف اللفظي قد يمر لدى المتلقي ولكن العنف المُشاهد هو الأسوأ، فأبشع أنواع العنف هو القائم على الصورة المرئية التي تختزنها الذاكرة، فالوعي البشري قد لا يدرك الصورة العنيفة من المرة الأولى، ولكن التكرار ومرور وقت كافٍ على طرح الفكرة كفيل بترسيخ تأثيرها السلبي، وخاصة مشاهد الذبح والإعدام والتشنيع التي تجذب المتلقي بسبب غرابة القصة. 

 

ما طبيعة الاتجاهات المستقبلية أو الراهنة لتأثير الدراما على توليد العنف داخل الأسرة؟

التلفاز سابقاً وبتأثير أقل مع مرور الوقت و "السوشال ميديا" حالياً، جزء مهم وأساسي بتكوين الاتجاهات بشكل عام، وخاصة في حال تقديمها محتوىً عنيفاً، فالإنسان بطبيعته سهل الانقياد نحو الأذى، وتكرار المشاهد الدموية يدخل الإنسان في دائرة من العنف بشكل مباشر أو غير مباشر، فبدلاً من أن يكون العنف أساسياً داخل الأسرة، تصبح الأسرة منفذة لأساليب العنف باللاوعي، وخاصة لدى الأطفال، فإدراك الطفل للأذى غير واضح وغير محدود، ما يدفعه لتطبيق ما يشاهده على من حوله للتأكد من صحته، وكمثال على ذلك قد يخطر للطفل تطبيق مشهد إعدام أحد الحيوانات على أخ أوصديق كنوع من التجربة المدفوعة بعدم إدراك العواقب لدى الأعمار الصغيرة.

 

هل يرتفع معدل الإصابة بالخوف والقلق بعد مشاهدة العنف الدرامي؟

بكل تأكيد سيرتفع معدل القلق والخوف لدى متلقي العنف، وخاصة الأشخاص أصحاب التفكير السلبي أساساً، فقد تتطور الفكرة لوسواس قهري يتمثل بالخوف على الآخرين أو الخوف من أذيتهم، ومع تكريس الصورة وتكرارها يزداد التوتر وخاصة عند مواجهة مواقف في الحياة قد تشابه المشاهد الدرامية المُشاهدة 

 

بعض الأشخاص يرفضون متابعة العنف الدرامي فما هي الدوافع الدرامية لمشاهدته؟

بعض الأشخاص لا يفضلون مشاهدة العنف وهذا الأمر لا يرتبط بكون الإنسان خيَّراً أو شريراً، متوازناً أو غير متوازن، بل هو فقط إنسان غير محب للعنف.

وبالمقابل هناك أشخاص يجذبهم العنف، فالإنسان بطبعه ميال لحب القوة والسيطرة والهيمنة، والدليل على ذلك أن أفلام "الأكشن" هي أكثر الأفلام مشاهدة لأنها تقدم صورة البطل المؤثر، ضمن حبكة جذابة.

وبهذه الحبكة يختلف التأثر بالعنف، فالإنسان قد يتقبل العنف في أعمال درامية تاريخية مثل القتال ضد العدو الفرنسي وسيعتبره دفاعاً عن الوطن، ولكن من الصعب تقبله للعنف داخل النمط الأسري وخاصة عند صدوره من شخصيات مجتمعية تعاني اضطرابات نفسية إضافة لتوافر عنصر التشويق وترقب النتيجة، فتقديم العنف المترافق مع التشويق غير معروف النتائج، يساهم بشكل أكبر بتكريس الدافع تجاه العنف.

 

تأثير العنف على الطفل سواء كمشاهدة أو تمثيل؟

لا يوجد مصدر واحد للعنف، فالعنف قد يُعاش في الأسرة أو المدرسة أو الشارع أو قد يُشاهد في التلفاز أو الإنترنت، ومجرد المشاهدة قد تطور حالة العنف.

 وتحتل العلاقة الأسرية المرتبة الأولى كمصدر للعنف يليها ما يشاهده الطفل على الإنترنت، فالطفل العنيف هو طفل عاش العنف قولاً واحداً، سواء لفظياً أو عقابياً أو مشاهدته لضرب أبيه لأمه أو إهماله من أفراد أسرته أو إدمانه على الألعاب العنيفة، وهذه الحالة الأخيرة تم تصنيفها كنوع من الإدمان لدى الأطفال أو الكبار، لأنه يصنف كإدمان عصبي وهرموني، يزداد مع تكرار المشاهدة والتكريس المرئي، الذي سيولد نوعاً من التحفيز التراكمي غير المباشر، فـ 5 ساعات من مشاهدة العنف يومياً كفيلة بصنع شخص مختلف تماماً بعد فترة من الزمن.

 

هل التنشئة الاجتماعية للفرد تحدد مقدار تأثره بمشاهد العنف؟

التنشئة الاجتماعية الصحيحة تقودنا لتنظيم سلوك العنف حتى لو تعرض الطفل له خارج المنزل، فالعلاقة الأسرية أساس التنشئة الإجتماعية وكذلك التوافق الأسري وعلاقة الأب بالأم التي تكون تنشئة الطفل الأساسية من خلالها وتُدَعم بوجود الأب، وكلما كانت العلاقة الأسرية واضحة بسلوكياتها وقواعدها، كلما قل تأثير العنف، بالإضافة لضبط المحتوى البصري الذي يشاهده الطفل.

 

80 % من مواليد عام الـ 2000 مهووسون بدراما القتل بحسب الإحصائيات، فهل هو مؤشر ينذر بمستقبل عنيف لهؤلاء الأشخاص؟

 حملت السنوات الأخيرة تطوراً مخيفاً على مستوى الإنترنت والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، فهناك إساءة وتنمر وحتى اغتصاب إلكتروني، وكل ما سبق تخزنه الذاكرة وتترجمه فيما بعد لسلوك سيحمل غالباً طابعاً عنيفاً بشكل أو بآخر، إضافة لانعدام النشاطات الحركية تقريباً وكذلك الترابط الأسري، ما يدفع الإنسان لتلبية حاجته الغريزية للتواصل وإثبات الذات عن طريق إيذاء الآخر ليثبت أنه شخص قوي ومسيطر، وقد يكون العنف لمجرد التسلية وملء وقت الفراغ، بسبب نقص ما يعود في جذوره للتنشئة الاجتماعية.

 

ما هو سبب التعلق النفسي بأبطال الدراما حد الهوس؟

الهوس هو التعلق بطريقة مفرطة، تؤثر على حياة الشخص، حيث يحاول من خلاله التعويض عن عدم قدرته بأن يكون شخصاً مؤثراً في المجتمع.

والهوس بأبطال الدراما هو التعلق بشخصية مميزة تمتلك طريقة مميزة وذات تأثير كبير ومكانة اجتماعية لم يستطع الشخص الوصول إليها، وغالباَ يعود الهوس بالتعلق لنقص القيمة الذاتية وعدم القبول الاجتماعي وتقدير الإنجازات ونقص بالمهارات وغياب التنشئة الاجتماعية المتوازنة.

 

كيف يمكن للدراما أن تكون سلاحاً ذا حدين عن طريق استخدامها بالعلاجات النفسية؟

كل ما يقدم عبر الإعلام المرئي أو وسائل التواصل الاجتماعي من أغانٍ أو مسلسلات أو أفلام أو برامج يكون لها تأثير سلبي أو إيجابي بحسب محتواها أو تكرارها، وكمثال على ذلك فإن الإعلانات التي شاهدناها في الطفولة محفورة في ذاكرتنا لكثرة التكرار وامتلاكها لعناصر الجذب في ذلك الوقت.

 وكذلك الحال بالنسبة للدراما التي تعتبر وسيلة في التوعية النفسية، حيث أضاءت العديد من الأعمال على أمراض مثل التوحد والذهان، ولكن الناس حالياً غير مجهزة بشكل كافٍ لمتابعة التكنيك العلاجي ولكنها قادرة على إدراك الحالات النفسية والمرضية، والتوعية هي نصف العلاج، فإذا استطعنا توظيف الإعلانات أو الأعمال الدرامية أو حتى وسائل التواصل للتوعية، فنحن نرفع سوية المجتمع تجاه الأمراض النفسية التي لاتزال هناك مفاهيم مجتمعية مغلوطة عنها حتى الآن.

إذاً.. هي تسلية وخوف.. هي سلاح العصر ومنقذه.. هي ضعف وقوة ..

هي الدراما.. مرآة الذاكرة .. فانتبه لما ستعكسه نفسك، فأنت ستراه واقعاً معاشاً مع من حولك.


دراما
الفن
العنف
الموسم الرمضاني