دمشق تختنق... ما قصة التلوث

 

تجاوزت دمشق النسب العالمية المسموح بها للتلوث، حيث تتربص بالمدينة التاريخية الملقبة بـ'الفيحاء' كافة انواع التلوث، خاصة التلوث الهوائي السمعي والبشري.

وتلح الدراسات العلمية وقياس نسب التلوث على ضرورة تفعيل الإجراءات والخطوات لإعادة الهواء النقي والهدوء إلى المدينة التاريخية وفض الازدحام البشري من أحيائها وشوارعها.

ويقول بشر الصبان (محافظ دمشق) إن "الفيحاء تعاني من مشاكل عديدة لا يمكن مقارنتها مع دول العالم"، مشيرا إلى أن المدينة تواجه خمس تحديات يجب إيجاد الحلول لها وهي "معوقات التنمية العمرانية، مناطق السكن العشوائي، الأزمة المرورية، تلوث البيئة، وضع مياه الشرب، مشاكل مدينة دمشق القديمة ومحيطها".

ونقل موقع الكتروني عن المحافظ ان "دمشق تجاوزت النسب العالمية المسوح بها بالنسبة للتلوث"، كما يوجد في المدينة حوالي 20 منطقة عشوائية تحتل 27% من مساحتها ويقطن فيها حوالي 40% من سكان المدينة أي ما يقارب 700 ألف مواطن".

واضاف ان المدينة تعاني من ازمة عقارية ما ادى الى ارتفاع اسعار المساكن بها، كما انها في الطريق لاختناق مروري، حيث يتجاوز عدد سكانها 3 مليون نسمة.

وارجع خبراء البيئة وأطباء الصحة التلوث في هواء دمشق إلى التضخم الكبير في أعداد السيارات بعد رفع الحظر عن استيرادها للعموم والذي استمر لعقود، وبحسب إحصائيات وزارة النقل السورية يقدر عدد السيارات في سوريا عام 2000 بحوالي 6.23 مليون سيارة مختلفة ما بين سياحية وأجرة ونقل. وفي عام 2004 قفزت أعداد السيارات في سوريا إلى 8.31 مليون سيارة من مختلف الفئات.

وقالت صحيفة "الاتحاد" الاماراتية ان "مدينة دمشق دخل إليها عام 2005 أكثر من مائتي ألف سيارة، حتى بلغ عددها ما يزيد على 290 ألف سيارة، في حين بلغ عدد السيارات في ريف المدينة حوالي 150 ألف سيارة، وتُسجل يومياً في مديرية نقل دمشق حوالي 450 سيارة، ونحو 40 سيارة في الريف، وبالتالي فإن أعداد السيارات في دمشق في تزايد مستمر".

وتقول دراسة لوكالة "جايكا" اليابانية نشرت قبل سنوات في دمشق إن شوارع العاصمة السورية لا تستوعب أكثر من خمسين ألف سيارة، وإن هذه الشوارع تعاني يومياً ضغط ما يزيد على خمسمائة ألف سيارة، أي ما يعادل عشرة أضعاف استيعابها، وهو ما يؤدي إلى ازدحام كبير جداً، وإلى بطء حركة السير، الأمر الذي ينجم عنه المزيد من الغازات التي تطلقها عوادم السيارات في هواء المدينة.

ويعتبر ماهر بوظو (أحد الناشطين بمجال سلامة البيئة) أن غازات السيارات ترفع ملوثات الهواء في الشوارع المزدحمة ما يؤثر على الصحة العامة بشكل مباشر، وذلك في مناطق وأحياء البرامكة وساحة المحافظة وسط المدينة والميسات شمال المدينة والعباسيين وباب توما شرق المدينة ومناطق أخرى منها.

واوضح ان قياسات وزارة البيئة السورية لملوثات الهواء في مدينة دمشق في العام الماضي 2010 بينت أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكبريت تجاوزت الحد المسموح به في أكثر من منطقة مزدحمة بدمشق، حيث تجاوز المعيار المسموح سنوياً بمقدار 3.5 مرة، أما أكاسيد الآزوت، فقد تجاوزت نسبتها 5.6 مرة. كما تجاوز تركيز كبريت الهيدروجين في الهواء بمقدار أربع مرات.

واشار يوسف مسلماني (الباحث والخبير الدولي في مجال حماية البيئة) الى دراسة للبنك الدولي اجريت عام 2004 قدرت أن هناك حوالي 3500 حالة وفاة و17 ألف حالة التهاب قصبات مزمن على مستوى سوريا ككل سنوياً، جراء تلوث الهواء في المناطق الحضرية السورية.

وقال مسلماني ان التدهور البيئي العام الناجم عن الجفاف وتناقص المساحات الخضراء تلعب دوراً في تلوث البيئة، وفي مقدمة هذا التلوث الغبار الذي تجاوز المعيار المسموح به في جميع مناطق دمشق.

وتعتبر وزارة البيئة السورية تجاوز معدلات الغبار للمعيار السنوي بمعدل عشر مرات ناجماً عن طبيعة مدينة دمشق الجافة والطقس السديمي الذي يخيم عليها، وهي التي كانت واحة خضراء تحيط بها الغوطتان الشرقية والغربية.

ويلاحظ خبراء بيئيون أن إزالة البساتين داخل وحول مدينة دمشق، وتحويل أراضيها إلى مناطق سكنية أو صناعية قد أسهم في تلوث البيئة بشكل حاد، وأثر على طقس المدينة، كما تضيق المدينة بسكانها وتقترب كثيراً من المدن المزدحمة في العالم.

ويعتبر هيثم نشواتي (الخبير البيئي السوري) أن الضجيج هو أخطر أمراض العصر البيئية، وأن حركة السيارات في دمشق مسؤولة عما نسبته 60 إلى 80% من الضجيج، تليها الفعاليات الأخرى المتمثلة بعمليات البناء والورش الصغيرة والحركة التجارية.

ويقول محمد أشقر (أخصائي الأذن والأنف والحنجرة) إن "نسبة الضجيج المرتفعة تتسبب في نقص السمع وإحداث ما يسمى اضطراب التواصل، والتعجيل بنقص السمع الشيخوخي".

ويضيف أن "الضجيج يوصف بأنه تلوث سمعي يؤدي إلى نتائج ضارة على سلوك الفرد الاجتماعي الذي يصبح أكثر عصبية ويعاني من تعكر المزاج وقلة النوم".

ويؤكد سمير صفدي (الناشط البيئي) أن للتلوث البشري نتائج ضارة جداً تنعكس على الحالة النفسية للإنسان، ويدفع إلى حالة من العصبية، وقد يؤدي إلى أمراض نفسية وجسدية، كما أن العديد من الشباب أصبح يصاب بأزمات قلبية نتيجة هذا التلوث في مدينة متغيرة المناخ ويجتاحها التصحر القاسي.

ودعا صفدي لمعالجة ظاهرة الازدحام البشري الى نقل وزارات الخدمات إلى خارج العاصمة دمشق، وإلى توزيعها على المحافظات الأخرى لوقف هجرة الريف إلى العاصمة، كما أكد على أهمية أن يكون توسع المدينة أفقياً وخارج مساحتها المحدودة.

ويطالب مختصون بإقامة المزيد من الجسور والأنفاق لتسهيل حركة المرور وانسيابها، وضبط عوادم السيارات التي تطلق الغازات الملوثة، والعمل على استخدام الغاز كوقود للسيارات، والتشجيع على استخدام السيارات الكهربائية، ودعم وسائل النقل العام غير الملوثة للبيئة.