دورة تدريبية في الهيئة السورية لشؤون الأسرة تناقش ارتفــــاع معــــدل الســـكان

رغم قناعة الكثيرين في عصرنا الحالي، بأن أسرة أصغر تعني حياة أفضل وأكثر رفاهاً، إلا أنه مازال البعض بعيدين عن التخطيط لحجم أسرهم، وغالباً ما يترك الأمر للمصادفة، يساهم في ذلك تدني مستوى التعليم وبعض المفاهيم الاجتماعية السائدة التي تنمو نحو زيادة عدد الأولاد إلى خمسة وما فوق، غير مدركين لخطورة التضخم السكاني، الذي يتهدد العالم وخاصة الدول النامية..

الكثير من المعلومات المتعلقة بتطور سكان سورية، والعوامل المساهمة في نموهم المتزايد، من خصب ووفيات وهجرة، وأهمية كل عامل، تناولها الديمغرافي الاقتصادي الدكتور خالد علوش بشيء من التفصيل والتوضيح أمام مجموعة من الشباب المتدربين ، بغية إعدادهم للمساهمة في نشر الوعي في مجتمعاتهم وبين أقرانهم من جامعيين وغير جامعيين، وذلك في دورة تدريبية أقيمت في الهيئة السورية لشؤون الأسرة، وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان .‏

مؤشرات خطيرة‏

وقدم د. علوش بداية لمحة عن تطور سكان العالم متضمناً بعض الأرقام التي تدخل على مؤشرات خطيرة، فيما كان سكان العالم 1.6 مليار نسمة عام 1900، تضاعف 3،8 مرة خلال مئة عام، ليصبح 6.1 مليار نسمة عام 2000، حيث تسارعت معدلات تزايد السكان في العالم في الفترة 1965- 1970 ، وقدرت بـ 20.7 بالألف، ورغم تباطؤ معدلات زيادة سكان العالم مؤخراً، إلا أنها مازالت تدفع باجمالي السكان إلى الأعلى، وخاصة في الدول النامية.‏

ارتفاع الخصوبة.. المسؤول الأول‏

ثم عرض د. علوش لبعض الملاحظات حول السكان في سورية، حيث أشار إلى أن تزايدهم يعتبر من بين المعدلات الأعلى في العالم، وحجم الزيادات السنوية في تزايد مستمر، والمسؤول الأول عن ذلك ارتفاع مستوى خصب المرأة ، الذي مازال مرتفعاً، ويبقى كذلك حتى سن الـ 40 عاماً، ويشار إلى أن معدلات الخصب تنخفض مع ارتفاع مستوى التحصيل العلمي للمرأة.‏

ولفت د. علوش إلى أن معدلات النمو السكاني التي تشهدها سورية منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين حتى الآن ، لابد وأن تكون مؤقتة لمرحلة استثنائية في التاريخ الديمغرافي لسورية، فبعد أن ازداد عدد السكان وعلى مر الآلاف من السنين بمعدلات بطيئة جداً لم تصل إلى 1 بالألف ، يلاحظ تجاوز هذه المعدلات لمستوى 30 بالألف خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، واستقرارها عند مستوى 25 بالألف منذ نهاية القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر، وكان من نتائج هذا التطور زيادة عدد السكان المقمين في سورية من 4،6 مليون نسمة في عام 1960 إلى 20.4 مليون نسمة في عام 2010 ، زيادة مطلقة قدرها 15.8 مليون نسمة ، 4.4 ضعفاً خلال نصف قرن من الزمن، وفي حال استمرار معدلات نمو السكان عند مستواها الحالي، فإن عدد المقيمين في سورية سيصل إلى أكثر من 90 مليوناً مع نهاية القرن الحادي والعشرين.‏

انخفاض معدل الوفيات إلى 4 بالألف‏

وعن أسباب هذه الزيادة تحدث د. علوش بالقول: لقد نتج عن انخفاض كبير في معدلات الوفيات خلال فترة قصيرة، وهذه المعدلات مازالت في انخفاض، نتيجة التحسن في التغذية وارتفاع مستوى المعيشة، وتوفير الخدمات الصحية وتحسين نوعيتها، وتوفير المياه النقية والصرف الصحي، ولم يأخذ ذلك أكثر من نصف قرن من الزمن، وإن الثبات النسبي في حجم السكان الذي تحقق تاريخياً بفضل التوازن بين الخصب المرتفع من جهة، وارتفاع معدلات الوفيات من جهة أخرى ، لم يعد ينطبق على سورية الحاضرة، لقد انخفض معدل الوفيات الخام من 21 إلى 4 بالألف خلال الفترة من 1950- 2010، إنه انخفاض يزيد على 80 بالمئة خلال حوالي نصف قرن، كما انخفض معدل وفيات الأطفال الرضع خلال السنة الأولى بعد الولادة من 180 إلى 15 وفاة لكل 1000 مولود خلال تلك الفترة انخفضا يزيد على 90 بالمئة، ومن ثمرات هذا التطور في مستويات الوفيات ازدياد متوسط العمر المتوقع للفرد عند الولادة بمقدار 28 سنة ليصل إلى أكثر من 75 سنة خلال الفترة المشار إليها.‏

لن يتوقف التزايد قبل نصف قرن‏

ومن جانب آخر، انخفض معدل المواليد الخام في سورية من 51 إلى 24 بالألف خلال الفترة 1950- 2010 حسب مصادر الأمم المتحدة، إنه انخفاض أقل من النصف، ما يميز التطور السكاني للدول النامية، ومنها سورية، هو تزايد سكانها بمعدلات أعلى بكثير من مثيلاتها من الدول المتقدمة.‏

وأكد د. علوش أن مستقبل السكان في سورية سواء من حيث عددهم أو معدلات تزايدهم أو تركيبهم العمري سوف يعتمد على حركة معدلات المواليد، وبالتالي فإن انخفاض معدلات المواليد وتقاربها من معدلات الوفيات والدفع بالسكان باتجاه المجتمع المستقر، لا يعني أن المجتمع سيتوقف عن التزايد قبل مرور نصف قرن من الزمن على الأقل، وذلك بفعل الزخم السكاني المبني في التركيب العمري للسكان .‏

صعوبات في إدارة الموارد البشرية‏

أما عن تأثير هذه الزيادة وانعكاساتها السلبية، فقد أوضح د. علوش بالقول: لقد أثبتت تجارب العديد من الدول، أن نمواً سريعاً للسكان يزيد من صعوبات إدارة الموارد البشرية والمادية المحدودة في التغلب على مشكلات الغذاء والمياه، ومكافحة البطالة، وتحسين وضع المرأة، ووقف انتشار التحضر العشوائي، ورفع مستوى الدخل، وتحسين البنية التحتية، ناهيك عن ضرورة الانتقال بالاقتصاد السلعي والخدمي التقليدي الهش إلى اقتصاد المعرفة، وتطبيق تكنولوجيات الإنتاج الحديثة وتنمية رأس المال البشري، وفي المقابل، فإن تجارب دول أخرى أكدت أن كبح جماح النمو السكاني السريع، من خلال تخفيض مستوى الخصب يساعد كثيراً في توفير المتطلبات التنموية ، كما أن الفهم لدينامية السكان تظهر أهمية قياس أنماط الخصب في مختلف المناطق السورية، والتعرف على مستوياتها واتجاهاتها لتقدير حجم السكان وخصائصهم في المستقبل ، وما يتركه ذلك من أثر على مستقبل وتطور سورية.‏

 

 

شام نيوز - الثورة