دولة أي كلام...

هل ستسن ألمانيا قانونا يطالب كل تركي يتطلع للحصول على الجنسية الألمانية بأن يؤدي يمين الولاء "لألمانيا كجمهورية فيدرالية. الدولة القومية للشعب الألماني"؟ تبدو فكرة سخيفة.
وهل سيتبنى الكونغرس لأميركي قانونا يجبر كل متطلع للتجنس على آداء قسم الولاء "للولايات المتحدة الوطن القومي..." لمن؟ "الشعب الأميركي"؟ "الشعب الأنجلو سكسوني"؟ "للشعب المسيحي"؟ فكرة عبثية.
لكن الكنيست على وشك أن يمرر قانونا يطلب من كل شخص غير يهودي يرغب في الجنسية الاسرائيلية أن يقسم يمين الولاء "لدولة اسرائيل الوطن القومي لليهود". ويبدو أن نوابنا المتنورين لا يرون ما يبعث على التساؤل في ذلك.
هناك بالفعل دوامات في الجو بأن مشروع قانون يتطلب أن كل المواطنين الاسرائيليين، أو ربما غير اليهود منهم فقط، سيحلفون يمين الولاء لهذه الدولة القومية للشعب اليهودي، وإلا...
بنيامين نتنياهو اقترح تمديد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية لشهرين أو ثلاثة - إذا اعترفت القيادة الفلسطينية بدولة اسرائيل كدولة قومية...الخ.
وربما يتساءل الإنسان :ما سبب هذا الاستحواذ، هذا الطلب من القريب والبعيد والغرباء وغير الغرباء، بالإعلان عن أن اسرائيل "هي الدولة القومية للشعب اليهودي"؟
دولة اسرائيل أقيمت مذ ٦٢ عاما ونصف العام. وهي قوة عسكرية إقليمية، دولة ذات قدرات نووية، واقتصاد يثير الحسد بينما ينحدر العالم في ركود اقتصادي، وفيها حياة ثقافية وعلمية واجتماعية نشطة. وبالتالي، لماذا هذه الحاجة الاستحواذية للتأكيد على وجودها وتعريفها الايديولوجي؟
لماذا طقوس التعصب التي تواكب الإعلان عن أي فنان من الدرجة الثانية، يوافق على الظهور في اسرائيل؟
ما الذي لدينا هنا؟ وما السبب في هذا النقص المتزايد بالثقة بالنفس؟ هذه الحاجة الملحة لتأكيد الذات والحصول على احترام العالم كله؟ هل هو اضطراب عقلي جماعي؟ هل هي مسألة تخص علم النفس السياسي؟ أو ربما أطباء الأمراض النفسية السياسية؟
وإذا اعتقد نتنياهو أن هذا الهدف يمكن تحقيقه بمطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بأن اسرائيل دولة نباتية، فربما يتقدم بهذا الاقتراح.
ولذلك، فما هو السبب في التعامل معه بجدية ومناقشته؟
افيغدور ليبرمان يتحدث لناخبيه المحتملين وهم حوالي مليون وربع المليون من المهاجرين من الاتحاد السوفياتي، الذين لم يضربوا بعد بجذورهم في هذه الدولة. وقد تربوا تحت ثقافة القوة الشمولية، والرعب الداخلي وتسلط القوة العظمى في وطنهم الأول، قبل انهياره. والمثل العليا لليبرمان سياسيا- هو قسم الولاء الايديولوجي. كما أن تبادل الأراضي والشعوب، وفي المستقبل ايضا معتقلات لأعداء النظام- مأخوذة من العالم العقلي الستاليني.
وبالنسبة لليبرمان فكل هذا الكلام عن قسم ولاء لسوفياتي يهودي ليس إلا وسيلة لانتزاع قيادة اليمين الاسرائيلي، ومن هناك قيادة اسرائيل كلها. ومن أجل هذا الهدف فهو مستعد لإعلان الحرب على ٢٠ في المائة من مواطني اسرائيل- واحد من كل خمسة اسرائيليين- وهو أمر ليست له سابقة في دولة ديموقراطية.
هذا واضح. فلماذا يُؤخذ بجدية؟
لسبب بسيط :كل من نتنياهو ليبرمان مقتنع بأن هذا الطلب سيرفع شعبيته بين الاسرائيليين إلى مستويات عالية. فكيف ذلك؟
هل هذا الجمهور تشده حالة من القلق الداخلي العميق؟ هل هو بحاجة لجرعة يومية من المهدئات، من نوع الاعتراف بدولته كدولة "أي كلام"؟
ولو طلب مني حلف يمين الولاء "لدولة قومية للشعب اليهودي" فسأرفض ذلك باحترام. وربما بحلول ذلك الوقت سيكون نافذا قانون يلغي جنسية الاسرائيليين الذين يرفضون هذا الطلب، وستم إنزال مكانتي إلى مقيم دائم محروم من حقوقه المدنية.
وسيكون على أن أرفض لأتجنب الكذب.
قبل كل شيء، لا أعرف ما هو "الشعب اليهودي"، ولأي دولة اسرائيل ينتمي. هل يشمل اليهودي في بروكلين الذي هو مواطن في دولة قومية للشعب الأميركي خدم في المارينز وصوت لانتخاب الرئيس الأميركي؟ أم ريتشارد غولدستون الذي أدانه قادة اسرائيل باعتباره في نظرهم كذابا وخائنا كارها لنفسه؟ أم برنارد كوشنير وزير الخارجية الفرنسي الذي أبلغه ليبرمان هذا الاسبوع أن عليه حل قضية البرقع في فرنسا بدلا من حشر أنفه اليهودي في شؤوننا الداخلية؟
وكيف يعبر امتلاك اسرائيل لهؤلاء اليهود عن نفسه؟ هل سيكونون قادرين على التصويت لحكومتنا (بعد انتزاع هذا الحق من مليون ونصف الليون عربي)؟ هل سيحددون سياسة حكومتنا- لينضموا إلى المليارديرات اليهود، وأصحاب الكازينوهات والمواخير الذين يمتلكون صخفنا ومحطات التلفزة لدينا ويشترون سياسيينا بالجملة أو بالمفرق؟
لم يحدد أي قانون اسرائيلي ما هو "الشعب اليهودي".هل هو مجتمع ديني؟ أم مجموعة عرقية؟ أم جنس بشري؟ أم كل اؤلئك معا؟ هل يشمل كل الذين يعتنقون الديانة اليهودية؟ أم كل من كانت أمه يهودية؟ هل يشمل غير اليهودي الذي أحد أجداده يهودي وهو يتمتع اليوم بحق القدوم إلى اسرائيل والحصول على جنسيتها؟ وإذا اعتنق ١٠٠ من العرب الديانة اليهودية فهل تنتمي الدولة لهم ايضا؟
وماذا عن الخلط بين "الأمة" و"الشعب"؟ هل الدولة القومية تخص "الأمة" أم "الشغب"؟ وبأي مفهوم علمي أو تشريعي؟ وهل "الدولة القومية" الألمانية - التي وفقا للبعض، تشمل النمساويين والسويسريين الناطقين بالألمانية؟
لدينا شبكة معقدة من المفاهيم والمصطلحات والالتباسات في المعاني، شبكة تعقيدات لا يمكن حلها.
أخبرني وزير العدل السابق يعقوب شابيرا، وهو صهيوني حتى النخاع، ذات مرة أنه باعتباره مستشارا قانونيا فقد نصح دافيد بن غوريون أن لا يفعل قانون "العودة"- لأنه لن يجد جوابا عن السؤال :"من هو اليهودي؟" ومن الأصعب أن نجد جوابا عن سؤال :"ما هي الدولة اليهودية؟"
وبالفعل، فما معنى هذه الدولة؟ دولة فيها أغلبية يهودية- وهو أمر ربما يتغير مع الزمن؟ أم دولة لغتها هي العبرية وأعيادها الرسمية يهودية؟ أم دولة تخص اليهود في مختلف أنحاء العالم؟ أم دولة كل سكانها من اليهود واليهود فقط؟ أم دولة "ترانسفير وتطهير عرقي؟ وكيف تنسجم الكلمتان "يهودية" و"ديموقراطية" معا؟
بسبب كل تلك الأسئلة لا تمتلك اسرائيل دستورا. وفي غياب هذا الدستور تهبط كل التساولات في حجر المحكمة العليا(بعد تنحية القاضي العربي منها، بالطبع).
لفد شاركت هذا الأسبوع في تظاهرة للكتاب والفنانين والمثقفين في شارع روتشيلد بتل أبيب، أمام المبنى الذي أعلن فيه بن غوريون يوم ١٤ أيار ١٩٤٨ قيام "دولة يهودية في أرض اسرائيل- ستعرف بدولة اسرائيل".
لماذا "دولة يهودية"؟ بالنسبة لبن غوريون لم يكن هذا تعريفا ايديولوجيا. هو فقط اقتبس قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي قسم فلسطين بين "دولة عربية" و"دولة يهودية". والذين صاغوا قرار التقسيم لم تكن لديهم أي تصورات ايديولوجية. هم ببساطة لاحظوا حقيقة وجود شعبين متنافسين على الأرض- اليهود والعرب- وقرروا بشكل واقعي تقسيم البلاد بينهما.
وبلغت المظاهرة ذروتها عندما قرأت ملكة المسرح الاسرائيلي، حنة ميرون، التي فقدت ساقا في هجوم رتب له عصام سرطاوي عام ١٩٧٠(قبل أن يصبح ناشطا سياسيا وصديقا مقربا لي)، بيان إعلان الاستقلال الاسرائيلي. ذكرتنا بأن الإعلان شمل تعهدا بأن دولة اسرائيل "ستدعم تطور البلاد لفائدة كل سكانها، وستستند إلى الحرية والعدالة والسلام، كما تصورها أنبياء اسرائيل، وستضم المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل سكانها- بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، وستكفل حرية الأديان والضمائر واللغة والتعليم والثقافة، وستكون وفية لمبادىء ميثاق الأمم المتحدة".
كانت تظاهرة حزينة بالفعل.
أوري أفنيري
جريدة القدس "الفلسطينية"