دوما.. «هجوم الكيميائي» والساعات الأخيرة قبل التحرير

دوما.. «هجوم الكيميائي» والساعات الأخيرة قبل التحرير

عبير ديبة| شام إف إم 
رغم الدمار الذي ينتظرك في كل مكان، لا تزال شوارع دوما وساحاتها تحتفظ بأسمائها القديمة، هنا بعض اللافتات المحروقة الصامدة تخبرك أن هذا المكان كان يوماً مدرسة أو فرقة حزبية أو مستشفى أو مركزاً ثقافياً أو ملعباً رياضياً أو مركزاً للبحوث الزراعية أو «أرضاً سعيدة» للعب الأطفال، صحيح أنها تحولت إلى مستشفيات ميدانية وهيئات شرعية وسجون سوداء ومقرات معتمة لـ «جيش الإسلام» خلال السنوات الماضية، لكن الأهم هنا أنها بقيت وهم رحلوا إلى غير رجعة.

يوم «فزعة الكيميائي»
غالباً ما تتشابه روايات أهالي دوما، فهم يروون ذات القصص للصحفيين الذين اجتمعوا حولهم بفضول عن أيام قضوها على خبز الشعير أو الذرة، وعن ليالٍ مرّت وهم يترقبون في الأقبية، وعن امتنانهم للجيش إذ أعلن خلاصهم أخيراً من قبضة «جيش الإسلام»، تطابُق الروايات يخبرك أنه ما من جديد سيضيفوه لما رواه من سبقهم ممن كانوا تحت رحمة الجماعات المسلحة في أي بقعة أخرى من البلاد، فالجوع والخوف واحد وحكايات الحرب كذلك.

تتفق شهادات المدنيين على «عدم المعرفة الدقيقة» لما جرى يوم هجوم الكيميائي المزعوم على دوما، يروي الجميع عن حالة من الذعر التي انتشرت بين السكان، بسبب انتشار أخبار عن هجوم كيميائي انتشرت الفوضى على أساسه، ما أصاب البعض بحالات ضيق تنفس، قام المسلحون باستغلالها.

يقول ياسر وهو أحد الأطباء في مستشفى دوما التخصصي لـ «شام إف إم»: "وصلنا يوم 7 نيسان إلى قسم الإسعاف عدة حالات تعاني من ضيق في التنفس، قد تكون ناجمة عن الغبار نتيجة العملية العسكرية بالتزامن مع الخوف والتوتر الكبيرين، لكنها بالتأكيد ليست أعراض الكيماوي، وتمت معالجة معظمها بالرذاذ والأوكسجين فقط".

ويضيف: "فقدنا السيطرة على الوضع هنا في المستشفى في ذلك اليوم، كان الناس في حالة ذعر وفوضى، زادها وجود أشخاص ملثمين راحوا يروجون لهجوم بالسلاح الكيميائي، وبدأوا برش الناس بالماء، لكن الحقيقة أنه لم يتم تشخيص أي حالة اختناق بالكيماوي، وكل الحالات تمت معالجتها وإخراجها من المستشفى".

يؤيّد أبو خالد الرجل الخمسيني هذا الكلام باختصار: "سمعنا من الإعلام عن هجوم كيماوي على دوما، لكننا لم نلمس شيئاً من هذا القبيل أبداً".

بضع ساعات فقط للتحرير

أيام من الترقب قضاها «الدوامنة» قبل أن يعلن أخيراً في يوم 8 نيسان وبشكل رسمي عن استسلام إرهابيي «جيش الإسلام» ضمن اتفاقٍ يقضي بخروجهم مع عائلاتهم بشكل كامل من دوما إلى جرابلس، مع إخراج كامل المختطفين الموجودين في المدينة.

في هذه الأثناء وخلال الساعات الأخيرة ومع اشتداد حدّة العمليات العسكرية لم يكن مدنيو دوما يعلمون أن «جيش الإسلام» كان يستجدي الدولة السورية لوقف عمليته المكثفة، فالإرهابيون روجوا بقوة خلال السنوات لمدى قوتهم وقدرتهم اللوجستية على الاستمرار في القتال، ليستخدموا في النهاية ورقتهم الأخيرة المتمثلة بهجوم كيميائي مزعوم كلّف دمشق -قبل التحقيق به- عدواناً ثلاثياً شنته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يوم 14 نيسان تصدّت له الدفاعات الجوية السورية مسقطةً معظم صواريخه، ليدخل لاحقاً خبراء من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اإلى المدينة للبدء بالتحقيق.

يروي أبو فارس أكثر لـ «شام إف إم»: "خلال الأيام الأخيرة ومع اشتداد حدة العمليات العسكرية فتحنا مجرى النهر فكنا نختبئ به أو بالأقبية، لم يكن لدينا أي مصدر للأخبار أبداً، وكان هناك انقسام بين المسلحين، فمنهم من كان يقول أنه لن يستسلم ومنهم من كان يقول أنهم سيسلمون أمرهم للدولة السورية قريباً وهذا ما حصل، أما نحن فلم نكن نعلم أيهما يكذب".

لا يمكن لعدسات الكاميرا أن تلتقط الصورة الكاملة من داخل المدينة الكبيرة مهما حاولت، كما لا يمكن لها أن تختصر مهما حاولت ست سنوات من الحرب والعنف والفوضى والتسليح والصراع الدولي، مع المئات من ملفات المخطوفين الأبرياء التي لم تنته بعد.