رأس السنة... سهرة لبنانية إيطالية.. حلبية

الثانية عشرة ليلاً، تنطلق الصرخات لتعلن طي صفحات العام الماضي، واستقبال سنة جديدة على إيقاع أغنية «happy new year» الشهيرة. تهان متبادلة، فرح، رقص، وصيحات باللغتين اللبنانية والإيطالية. الأجواء هنا هي من أحد فنادق مدينة حلب السورية. هنا، تنقسم الصالة إلى فريقين: سياح لبنانيون حضروا لقضاء سهرة رأس السنة في بلد مجاور، وإيطاليون أحبّوا أن يستقبلوا سنة جديدة في بلد عربي، وتحديداً في مدينة تاريخية تتميز بتنوع تراثها الإنساني وغناه.
ما الذي دفع اللبناني للسهر في حلب؟ يقول رامي، وهو شاب في السادسة والعشرين من عمره، إن البعض يستغرب ربما كيف يمكن ترك أجواء السهر في لبنان مع الأصدقاء والانتقال برفقة العائلة إلى حلب. والجواب عند رامي واضح وسريع: التخلّص من «روتين» السهر في لبنان، الذي يبقى على حاله في كلّ سنة!
داخل صالة الاحتفال، يتوافد الساهرون، صغاراً وكباراً، إلى طاولات وزعت عليها أرقام تدل على الأماكن المحجوزة. لكن يبدو أن اللبناني يصعب عليه التخلي عن الفوضى، أو أنه يفضل أن تأخذ العفوية مجراها في السهرة. يقرر أحد الأشخاص الجلوس في المكان الذي يعجبه، يستبق اكتمال عدد الساهرين، ويسحب جميع الأرقام عن الطاولات.. «وليقعد كل واحد وين ما بدو».
تختلف حلّة العيد بين اللبناني والإيطالي: بذلات رسمية وتسريحات شعر أنيقة وتبرج يضفي الكثير من الألوان على الوجوه، مقابل ألبسة عادية وفضفاضة بمعظمها. لكن للبنانيين هنا فرصة لن تتاح للإيطاليين، سمحت لهم باكتساح الجوّ و«السلطنة»، مع أغان عربية لا يفهم كلماتها الايطاليون، وان استمتعوا بالرقص على ألحانها.
عشر دقائق تلي انطلاقة العام الجديد، فتخلط الأغاني الأجنبية بأصوات الراقصين، قبل أن تسيطر أغنية «قلّن إنك لبناني» للمطرب عاصي الحلاني فتضفي أجواء حماسية على القادمين من لبنان إلى حلب، يجاريها الإيطاليون بالتصفيق والرقص بين الطاولات.
يترك موزع الموسيقى مكانه للمطرب. تحضر النكتة حين يضيف الأخير حرف «s» إلى نهاية كلمة «year» بينما يهنئ الساهرين. يمزح أحدهم قائلا إن المطرب يشعر بالتفاؤل ويتمنى لنا السعادة للسنوات المقبلة. تحلّ الجملة على لسان الجميع. يردّدونها خلال السهرة ويضحكون. أما الإيطاليون فما زالوا في وادٍ آخر. هم فقط يستمتعون بالأغاني التي يسمعونها من دون فهم كلماتها. أكثر ما يعنيهم الليلة، هو تجربة السهر في أجواء شرقية وعربية، كما يقول أحدهم.
في برنامج السهرة راقصة ستؤدي دورها في الصالة بعد قليل. لكن الرحلة التي استغرقت نحو 10 ساعات للوصول إلى حلب، دفعت الكثير من اللبنانيين إلى الاكتفاء بفقرة المطرب، والاستسلام للراحة والنوم باكراً. هكذا تعتذر الراقصة، وتنصرف تاركة المسرح للإيطاليين.
في الفندق صالات أخرى، يتوافد إليها مواطنون سوريون يبدو أنهم ينتمون إلى طبقة متوسطة أو غنية. تدل على ذلك كلفة السهرة المرتفعة نسبياً. لكن اللافت أن مطربي حلب فد هجروا فنادقها ومطاعمها وتوجهوا إلى بلاد عربية واغترابية» توفر لهم مردودا أفضل في هذه الليلة. يعزو أحد الإداريين في الفندق السبب في ذلك إلى أن المطرب المعروف يطلب الكثير من المال، في حين لا يجمع الحفل المبلغ المطلوب لتغطية أجرته. أمر آخر يلفت زائر المدينة، وهو غياب اللوحات الإعلانية التي تروج للحفلات في حلب، رغم الصيت الذي تناله كخيار جيد للاحتفال برأس السنة.
خارج الفنادق وصالاتها، تجمع الناس في ساحات حلب الرئيسية لاستقبال السنة الجديدة. العزيزية والسليمانية والمنشية والموكامبو شوارع اكتظت بآلاف المحتفلين. أجواء من الفرح غمرت المدينة لساعات، نغصتها أخبار صدرت في اليوم التالي عن بعض الجرحى الذين وقعوا جراء إطلاق الألعاب النارية.
تنتهي الرحلة التي دامت يومين كاملين. وضّب اللبنانيون حقائبهم، وظلّ الإيطاليون في المدينة للاستمتاع بمعالم حلب الأثرية. وتزامنًا مع عودة «الفريق اللبناني السائح» إلى بلده، كان فريق لبناني آخر يصل المدينة التي امتلأت شوارعها بعدد كبير من اللبنانيين في أول يوم من العام الجديد. لكن الهدف هذه المرة هو مشاركة نادي «الرياضي» في دورة غرب آسيا لكرة السلة التي تُقام في مدينة حلب السورية.

 

 

السفير