راتب الموظف في اليوم الخامس والأخير!!!!!
شام نيوز- وجيه موسى
أصدر المكتب المركزي للإحصاء مؤخراً مسح قوة العمل لعام 2009 فبينت الإحصائيات أن متوسط الأجر الشهري في العمل الرئيسي للعاملين بأجر (15 سنة فأكثر) حسب النشاط الاقتصادي والجنس بلغ 11096 ل.س.بينما متوسط الدخل للعاملين في القطاع الزراعي والصناعي وعمال البناء حوالي /10000/ ل.س .
والحد الأدنى المطلوب لتلبية الحاجيات /30000/ ل.س .
وبهذه الإحصائية يكون الموظف السوري جدير بأن يضاف إلى عجائب الدنيا السبع والمستحيلات الثلاث! و جدير بدراسات مستفيضة من جميع علماء العالم وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والطبية والفيزيائية وحتى النووية! بل ويجب أن يدرس في المناهج العالمية ويدخل كتاب غينيس "وفوقها يعطونه جائزة نوبل للاستمرارية في الحياة".
موظفون وعمال مع أسرهم نسوا طعم «الزفر».. ويواجهون غلاء الأسعار بالتقشف ولبس «البالة» وعدم الاقتراب من اللحوم الحمراء والأسماك والفواكه، والتي أصبحت بالنسبة لهم من باب الترف، أو حتى من المنسيات...
فكيف يعيش الموظف صاحب الدخل المحدود في القطاعين«العام والخاص» ولديه أبناء كلهم في مراحل التعليم المختلفة بعد اليوم الخامس لاستلامه راتبه؟!
لا يبدو مستغرباً طلب الزوجة من زوجها الإقلاع عن التدخين وعدم شراء ملابس جديدة، والاستغناء عن ركوب التكسي نهائياً، لأن ميزانية البيت لا تسمح..وما على الزوج إلا استجابة «راضخا» حتى يبقى البيت «مستورا» أمام الآخرين.. هذه الصورة يتحدث عنها يوميا الموظفون في عملهم دون أي أمل في غد يحمل لهم صورة مغايرة لكيفية مواجهة أعباء الحياة الصعبة والقاسية، وهذه الحالة تعكس حجم المعاناة لعدد كبير من الأسر الأخرى التي يعتمد عائلها على الدخل اليومي المتغير أي كسب قوتهم بـ «القطعة».. يوم فيه «فلوس» وآخر لا شيء فيه، وهذه هي الشريحة الواسعة من سكان الأحياء الشعبية أمام غول الأسعار.. والكل لا تعنيه لا من قريب أو بعيد حجج الحكومة بـارتفاع الأسعار في العالم أو «زيادة السكان» أو "الجفاف".
شام نيوز زار الأحياء الشعبية المحيطة بدمشق ، ورصد كيف تعيش تلك العائلات ذات الدخل المحدودة إلى درجة الفقر.
تحت خط الفقر
عزيزة أم لثلاثة أطفال تعمل بائعة للخضار في سوق التضامن توفي زوجها بمرض كلوي، حيث كان عاملا في البناء تقول: « أنا لا أستطيع شراء ملابس لأولادي الأطفال خاصة أثناء الأعياد حيث أحصل على ملابس مستعملة, من الجمعيات الخيرية لأن تكاليف العيد ومستلزماته لا أستطيع تغطيتها، فما أقوم به من عمل بالكاد يسد رمق الجوع فبيع بعض"جرز البقدونس والنعناع " في هذا السوق كما ترى هو مصدر رزقي الوحيد».
وتقول أم أيمن : بعت كل ما أملكه "تلفزيون 14 بوصة وبراد 8 قدم " لكي أتمكن من الإجهاض، فزوجي لا يعمل ، وأنا توقفت عن العمل بسبب الحمل حيث كنت أعمل "لفايه "، ولا طاقة لنا بمصروف ولد آخر و لكني قررت الاحتفاظ بالجنين بعد أن أصبحت أعاني من فقر الدم ونصحني الأطباء بعدم القيام بذلك لأنني قد أفارق الحياة وها نحن ننتظر رحمة الله”.
يقول أبو طارق وهو رب أسرة مكونة من ثمانية أفراد : لقد اضطررت لأن أدفع بابنتي ذات /17/ عاما وابني ابن /15/ عاما إلى العمل بعد أن تركا المدرسة لأن راتبي لا يكفي لأكثر من خمسة أيام مع ذلك مازالت الحالة يرثى لها فكل شيء غالي ولا نستطيع اللحاق بمتطلبات الأسرة.
راتب يكفي ديون صاحب البقالية فقط؟؟
والمعاناة لا تقتصر على تلك الشريحة غير المتعلمة وإنما أغلب من يقطنون هذه الأحياء التي تحيط بالمدن كالسوار في المعصم، حيث يشكو موظفو الدولة من البؤس والمعاناة وشظف العيش الذي يكابدونه بسبب مرتباتهم التي لا تفي بالمتطلبات الأساسية لحياة وعيش كريم يوفر لهم استقرارا نفسيا، ووظيفيا في ظل ارتفاع مستمر للأسعار. ففي خضم هذه المتغيرات والمضاربات والتفاوت في أسعار السلع والمواد الغذائية والتي ليس عليها رقيب ولا حسيب أستطيع أن أقول أن ذو الحاجة والعوز لا يستطيع أن يلبي أبسط متطلبات أسرته.
حيث يؤكد أحمد، أن راتبه لا يدوم أكثر من ثلاثة أيام ويذهب في قضاء الدين لصاحب البقالية و إيجار البيت وتسديد فاتورة الماء والكهرباء والهاتف ليعيد الكرة من جديد في كل الشهر وهكذا ... حتى يمن الله عليه بعمل إضافي بعد الدوام حسب قوله.
ويعبر إبراهيم عن أسفه للواقع المرير الذي وصل إليه حال الموظف فراتبه لم يعد يكفيه، و خاصة أصحاب الأسر الكبيرة.
يقول إبراهيم: "أنا على سبيل المثال لولا عملي الإضافي في مركز لبيع الدخان و الآراكيل إضافة لوظيفتي لما استطعت أن أطعم أولادي الخمسة فراتب الوظيفة لا يصمد أكثر من خمسة أيام ، ومع الراتب الإضافي "يا دوب ماشي الحال "
وقال علي الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية انه يغطي مصاريف البيت بقية الشهر من السلف يقضي بعضها والآخر تظل باقية عليه. ويؤكد إن إخلاصه في عمله يعود لحبه لوطنه ولا يلتفت إلى الراتب الهزيل الذي لم يعد يضمن له العيش باستقرار نفسي ووظيفي.
الموظف نجيب بدر هو الآخر يؤكد أن راتبه لا يكفيه وأسرته لمدة أسبوع ولولا انه يقوم بتوفير دخل آخر يغطي مصاريف بيته من البقالية التي اقتطعها من بيته على حساب راحته وأسرته كونها تطل على الشارع العام لكان الحال مأساوياً، ويعتقد نجيب أن تدني الدخل يؤثر على أدائه في عمله.
وموظفو القطاع الخاص لا يقلون بؤسا عن موظفي الحكومة، فالشاب أحمد محمد يعمل في القطاع الخاص "فني مصاعد "، وراتبه قرابة /9000/ ليرة أصيب والده بفقد البصر، وخلف له ستة من الإخوة والأخوات إضافة إلى انه مقبل على الزواج، و يحتاج إلى مبالغ كبيرة لتغطية هذه النفقات وهذا مالا يمكن أن يلبيها الراتب.
ويؤكد أحمد أن راتبه لا يكفي لتوفير الأشياء الضرورية وان المعاناة وشظف العيش هما سيدا الموقف.
ويضيف إن العامل لا يستطيع إن يحقق أحلامه بهذا الراتب الذي لا يفي بحق صاحب البقالية و فاتورة الماء والكهرباء والهاتف مما يجبرنا على البحث عن فرصة سفر لتأمين حياة أفضل.
مرتشي رغماً عنه!
أما المعلم ( ع- م )، فيعبر عن أسفه للوضع المادي الذي يتقاضاه الموظف في القطاع الحكومي أو الخاص ويؤكد أن هذه المرتبات لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا توفر أساسيات الحياة أو تضمن الاستقرار العائلي، ولا يقدر الآباء على تعليم أبنائهم بل تضع الموظف أمام خيارات، إما البحث عن أكثر من عمل أو دفع الموظف إلى الحرام والفساد.
ويضيف قائلاً: كيف يعيش الموظف بسبعة آلاف أو حتى عشرة آلاف ليرة منها إيجار بيت و ...وغيرها! إن ظروف الموظف صعبة جدا ، و إن من بين الأسباب التي تدفع إلى الرشوة والفساد هي ضآلة الراتب مقابل ارتفاع الأسعار ومتطلبات الواقع, وبالتالي فإن الفرد يجد نفسه في حالة الاضطرار لأن يبحث عما يسد رمق أسرته البائسة, خاصة إذا غاب الرادع الأخلاقي.
من جهته يخجل المعلم (س –ع ) من أبنائه عندما يطالبونه "بالخرجية"وباجرة المواصلات للذهاب إلى مدارسهم.
ويبدي قلقه من عدم التحاق أبنائه في السنوات القادمة في الجامعة في حال استمرت المرتبات بهذه الهزالة مقابل ارتفاع الأسعار الجنوني.
سكان الأحياء الشعبية يتحايلون على الغلاء بالجمعيات والسلف على الراتب حتى«يمشّي حال» في ظل عجز الراتب الشهري عن تسديد فاتورة نفقات الشهر.. وهذه الحيل تراها واضحة في تنظيم «الجمعيات الشهرية» لعبور أزمات المناسبات الخاصة كدخول المدارس والأعياد، وبالتقسيط للسلع المعمرة، وقد تنجح أسرة في مراوغاتها وحلها، لكن بجوارها تفشل العشرات من الأسر مع تصاعد الغلاء.
ويؤكد الكثيرون أن منغصات المادة أصبحت كالعادة اليومية في الأسرة ومشهد استخدام الزوج والزوجة الورقة والقلم لتنظيم تدبير أمور الشهر موجود في كل بيت، وينتهي عادة بتأكيد العجز، وكلمة «خليها علي الله».
خطط إستراتيجية ومعادلات مستحيلة
أما ( م- أ )معلمة ابتدائي وزوجها يعمل موظفا فإنها فضلت الرجوع بقصتها إلى قبل ١٥ عاما، وأشارت إلى أنها كانت تسكن هي وأبناؤها الأربعة وزوجها عند أهل زوجها في شقة من غرفتين في منطقة السيدة زينب مفرق حجيرة أحد الأحياء الشعبية القريبة من دمشق، كان دخل الأسرة لا يتعدى /12000/ ليرة، وقالت أنها قررت هي وزوجها منذ اليوم الأول العيش علي أبسط الحدود حتى يتم ادخار ثمن بيت كحل أول، وأضافت أنها قامت في البداية بعمل جمعية شهرية مع الجيران براتب الزوج وتضع قيمتها في صندوق توفير البريد، أما المصاريف اليومية فكانت تعتمد على راتبها، بالإضافة إلي قيام زوجها ببعض الأعمال التجارية الخفيفة مستفيدا من قربه لمقام السيدة زينب الذي يأتيه الكثير من الزوار و السياح، وكان يحقق منها عائداً معقولا يساعد علي تربية الأبناء، وأضافت أنها كانت تستغني عن شراء اللحوم ، إلا في المناسبات فقط، أما بالنسبة للملابس فكانت تشتريها من الأسواق الشعبية والملابس الموجودة علي «العربات» في الشوارع، وقالت إنها منعت نفسها وزوجها وأولادها من رفاهيات الحياة، من أجل هدف واحد وهو بناء البيت وبالفعل استطاعت هي وزوجها بعد ١٥ سنة بناء شقة متوسطة على سطح بيت والد زوجها في هذا الحي الشعبي، وتقول إنها تتمنى أن يستطيع أبناؤها بناء باقي المنزل ليسكنوا معها.
(أ –ي) عامل في إحدى الشركات العامة قال: إنه لا يتصور أن تستطيع أسرة العيش بمرتب/ 10000/ ليرة شهريا، فهو غير كاف لتعيش الأسرة حياة كريمة ودفع فواتير المياه والكهرباء والدروس الخصوصية، لافتا إلى أن الأكل أصبح حاليا في المرحلة الثالثة من اهتمامات الأسرة بعد الدروس والعلاج.
وقال إنه لا يمكن أن نلوم الذي يسرق أو يرتشي حتى يقدر على مصاريف الحياة.
أحد العاملين في القطاع العام أكد أن راتبه الشهري /8000/ ليرة ولديه ولد وبنت وتعمل زوجته معلمة براتب /10000/ليرة شهريا، إجمالي دخل الأسرة /18000/ ليرة، يدفع أجرة بيت /4000/ ليرة و حوالي /2000/ ليرة فواتير ماء وكهرباء وهاتف ومحمول ، ويدفع /2000/ ليرة أقساط براد وغسالة ويسدد /3000/ ليرة قرض، و ما يتبقى من دخله للإنفاق على أسرته ما بين مأكل ومشرب وملبس وعلاج ومواصلات و...و..
كيف يمكن الإنفاق على أسرة من 4 أفراد بهذا المبلغ؟!
كثيرون نسوا طعم «الزفر».. وآخرون لجأ أغلبهم إلي سياسة المشي على سطر وترك الآخر، أو بمعني أدق أنهم يعتبرون أن شراء اللحوم والأسماك والفاكهة رفاهية لا يقدرون عليها.
تلك النماذج كلها لموظفين في القطاعين العام والخاص افترسهم غول الأسعار والتضخم الذي يسجل أرقاما قياسية، فهم يعيشون على هامش الحياة في أماكن تشبه البيوت سميت أحياء السكن العشوائي المنتشرة على أطراف العاصمة دمشق، وعلى المسؤولين النزول إلى شوارع هذه المناطق الفقيرة ليروا المواطن الذي يثير الشفقة.
اللهم احفظ عبادك الموظفين وأصحاب الدخل المحدود من القهر واجعلهم مستورين حتى آخر الشهر أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.