رحلة البحث عن العمل .. تبدأ بعد سن التقاعد ..!!

 

لكي تحصل على أقل من عشرة آلاف ليرة مع بداية كل شهر لابد للمتقاعدين من الدخول في معركة مع الموظفين الآخرين للتدافع أمام الصرافات الآلية أو عليهم أن ينتقلوا إلى خيار آخر كأن يلهثوا وراء صراف خالي .. ليجدونه خارج الخدمة حاليا ..!! و إن صادفهم الحظ  ووجدوه فلابد لهم من أن يستعينوا بأحد " الفلهوية " ليدلهم عن كيفية استخدام البطاقة بما أن التكنولوجيا الحديثة شملتهم متأخرين  !!

فعلى الرغم من أن مجلس الوزراء أقر مشروع قانون رفع المعاشات للمتقاعدين عام 2009 والتي تقل عن الحد الأدنى للأجور المعمول به والمحدد بمبلغ 6010 ليرات سورية إلا أن الرواتب التقاعدية تشبه إلى حد كبير المتقاعدين الذين توقف خدماتهم عن الحياة، حيث توقفت معاشاتهم عن العمل أيضا و أخذت شكل " الراتب فقط "  لأنها لا تكفي ثمنا لدوائهم خاصة أن الموظف الذي يقضي سنين عمره جالسا وراء مكتبه أو عاملا في أحد المؤسسات الحكومية لا بد له من أن يعاني انقراصا في الفقرات و آلاما في الرقبة و الركبة و التهابا في الأعصاب ..!!

 

" فوبيا " نهاية العمر ..

لم يعد الراتب يكفي لإعالتي الشخصية ... فكيف سأقضي سنين عمري " هذا ما بدأ به العم أبو محمود الذي قضى نصف حياته كموظف في أحد المؤسسات الحكومية و نصف حياته الآخر يقضيها وهو يفكر كيف سيعيش بعد ما أصابه " فوبيا نهاية العمر " لخوفه من أن يمد يده إلى الآخرين ... حيث قال : اليوم و بعد ما تجاوزت الستين من عمري لم يبق لي سوى بضع آلاف ليرة كمعاش تمنحني إياه الدولة لقاء نهاية خدمتي الذي لا يمكن أن يكفي في أي حال من الأحوال ، لذا اضطرت إلى العمل بعد بلوغ سن التقاعد في أحد الورشات المهنية رغم كل ما أعانيه من أمراض ..!!

وبدوره تابع العم أبو عمر أنه يعاني من ذات المشكلة ، و تمنى لو أنه لم يتقاعد من العمل لاسيما أنه سُرّح من عمله تبعا لسنوات الخدمة التي تنص على تقاعد كل موظف قضى 30 عاما في العمل بالمؤسسات الحكومية .. لكن يبقى حاله أفضل من حال أبو محمود لأن راتبه يصله إلى منزله و ليس عليه إلا أن يوّقع على ورقة تثبت حصوله على معاشه التقاعدي .. و عن كيفية إعالته لأسرته التي ما زال فيها طفلين يرعاهما ... قال: " ربك بيرزق ... ومدبرين حالنا ..."

و لم تقتصر فوبيا نهاية العمر على العجائز السوريين و إنما توسعت لتصل إلى الشباب السوري خاصة بعد انتشار القطاع الخاص الذي غالبا لا يؤمن تأمين صحي و لا اجتماعي و إنما يقتصر فقط على الراتب ... فقد صارت الوظائف الحكومية حلم معظم الشباب لأنها تؤمن راتب تقاعدي – رغم قلته – على مبدأ – شي أحسن من بلا شي .. حيث قال الشاب أحمد مللي الذي تخرج حديثا من كلية الصحافة أنه سيعمل على التسجيل في نقابة الصحفيين رغم المبلغ السنوي الذي سيدفعه لأنه فقط يؤمن راتب تقاعدي و انه لا يدري ماذا قد يتعرض له في المستقبل

 

59.7 % من العجائز ليس لها مصادر دخل

بحسب دراسة قدمها التقرير الوطني الأول للسكان في سورية  عام 2008 جاء أنّه  من المتوقع أن ينمو الحجم النسبي للفئة العمرية 65 سنة  فأكثر خلال العقدين القادمين من بين (4.2 إلى 4.4 %) من حجم السكان في العام 2025 ليصل عدد المسنين إلى أكثر من 1.2 مليون مسن في سورية في عام 2025.

واليوم بعد عامين تطلق الهيئة السورية بحثين بهذا الخصوص، بينت فيهما أن معدل النمو المتوقع حتى سنة 2015 لهذه الفئة تقدر بـ3.5%، وهذه أعلى النسب بين الفئات العمرية الأخرى في المجتمع السوري.

وكانت الدكتورة حنان قصاب حسن قد ذكرت في بحثها عن المسنين و الضمان الاجتماعي و الصحي لهم الكثير من الأرقام التي هي مؤشرات تتفاوت في أهميتها حيث بينت النتائج أن نسبة 87.3%من العينة لم تحصل على تعويض نهاية الخدمة، منها 6%للمسنات مقابل 14% للمسنين. أما بالنسبة للرواتب التقاعدية فإن 36% من أصل الذين كانوا يعملون في القطاع الحكومي يحصلون على رواتب تقاعدية، كما حصلت نسبة 35%من الذين عملوا في القطاع الخاص المنظم على رواتب تقاعدية، وكل هذه الأرقام تدل على عدم توفر ضمان لهم، خاصة إذا استمررنا في مقارنة الأرقام بعضها مع بعض، فنسبة 59.7% من العينة ليس لديها مصادر دخل، ونسبة 78.4% من العينة لاتتلقى أي نوع من أنواع الدعم!

 

بطاقة صحية للمتقاعدين أسوة بموظفي الدولة

وهنا يرى محمد المحمد الذي تخرج حديثا من علم الاجتماع أن المسنين في سوريا ينقصهم الكثير من الخدمة الاجتماعية و الصحية و النفسية ، و تبعا لذلك بات الكثير من الشباب السوري يفكرون بالمرحلة التي قد يعجزون فيها عن إعالة ذاتهم و أسرهم ، و وفقا لمادة الخدمة الاجتماعية التي يدرسونها في قسم علم الاجتماع قال لابد من إعادة النظر في مسألة الرواتب التقاعدية مع ارتفاع الأسعار و منح المتقاعدين خدمات اجتماعية تؤمن لهم الراحة من خلال ازدياد وتفعيل وجود مؤسسات حكومية ترعى المسنين و تكون أشبه برياض الأطفال تتابع أمورهم المعيشية و الصحية و النفسية ومن خلال تأمين بطاقة صحية خاصة للمسنين تؤمن لهم خدمات صحية بتعرفة أقل أسوة بالبطاقات التي أصبحت تُمنح للموظفين مؤخرا

 

 

شام نيوز- رامان آل رشي