رحلة عودة أسرة سورية من ليبيا.. والطفلة "شام" على متن سفينة سورية

توتر.. قلق.. اضطراب.. ترصد .. استماع.. ماذا حل بأبنائنا؟
هذا كان حال بعض الأسر السورية التي يعيش أبناؤها في ليبيا..
أم أسامة (عيدة علي) الموظفة في المطار واحدة من هذه الأسر التي باتت تنام وتصحو على الأخبار, لسانها لم يعد ينطق إلا بالدعاء.
يظهر شريط الأخبار (خبر عاجل) إمرأة سورية تلد على متن السفينة يوروبا بالاس القادمة من بنغازي باتجاه الوطن الأم.
يرتفع صوت أم اسامة بالدعاء (يارب سهل على سناء لتلد في السفينة..) ويستجيب الله الدعاء, وتلد سناء طفلة جميلة بهية الطلعة قالوا لابد أن يكون اسمها يوروب.. قال العم زكريا لا بل (شام) ووافقه الأب حينما علما بأن الطفلة ستحصل على الجنسية الدولية مع الاحتفاظ بجنسيتها السورية.. ومع اسم (شام) .. شام الإباء شام الكرامة.. شام العزة.. ستكبر الطفلة..
|
ولكن لماذا دعت أم أسامة؟
تقول السيدة عيدة: لأنه لا يركب البحر إلا غاز في سبيل الله.. حاج أو معتمر والراكب لا يرى فوقه إلا السماء وتحته إلا الماء.
وتضيف كان قلبي مثل النار لا أعرف النوم هل هم أحياء أم أموات. زرت ليبيا ولم يكن فيها شيء فما الذي حل بها, ليس لي إلا الدعاء بأن يعودوا سالمين غانمين.. والله يبعد عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.. فالفتنة أشد من القتل.
وبلغتها البسيطة ترفع يديها بالدعاء للسيد الرئيس بشار الأسد بإطالة عمره وأن يمده الله بالصحة والعافية.. الذي أعاد لنا أبناءنا سالمين معافين.
|
أما عم أسامة جاسم العلي الذي عاش في ليبيا مدة ثلاث سنوات فقد شعر بضرورة عودته إلى سورية, يقول لنا (يا أولاد.. يا مصاري) أخبار حوادث ليبيا وما حدث في بنغازي خاصة قرب الشارع الذي يقطن فيه أبناء شقيقه جعلته يسارع في محاولة للتواصل معهم عن طريق الهاتف الذي لم يكن يفارق يده أو يد أبنائه وجميع أقاربه ويهمس بعضهم لبعض (هل التقطتم الخط؟)
علي علي مدرس ابتدائي ابن عمة أسامة يحتضن ابنته الصغيرة لجين يتحدث عن أجواء المنزل خلال هذه الأحداث موضحاً أن الصدمة كانت كبيرة علينا جميعاً.. أولاد عمتي وأولادهم في ليبيا ونسمع أخباراً عن قدوم بعض الأشخاص المتوفين. ماذا يمكننا أن نعمل؟ ليس لدينا سوى الدعاء.. أنظر إلى عمتي أجد الحزن في وجهها لكنها تحاول ألا توحي لنا بأي شيء, لم تكن تعرف الأكل أو الشرب أو حتى النوم.. الحمد لله بعدما عرفنا أنهم صعدوا إلى السفينة أصبح الجو أكثر هدوءاً وارتاحت أعصابنا وأعصاب عمتي.
يعود العم جاسم ليقول: ما إن تحدثنا معهم حتى أسرعت بنصحهم للعودة إلى الوطن خاصة أن المدارس مفتوحة أمام جميع الطلاب.
الخالة ربيعة علي كانت تنظر إلى شقيقتها وترى الحزن على وجهها تحزن معهم تقول: كنا نتخيل أن يأتي لنا خبر بوفاتهم.. لكن ما العمل صاحب الحاجة أرعن.
ومع ذلك فالخالة ربيعة التي جهدت ليصبح أبناؤها من المتفوقين وأصحاب الشهادات العليا ترفض الغربة لأن (المال بالغربة فقر) على حد وصفها.. فالوطن هو الأم وعلى كل إنسان أن يحاول تأسيس عمله في وطنه.
في بلدنا (المحبة.. المودة.. الحنان.. التكافل والتعاون..) وفيها العائلة والأسرة والتعاضد.. ولم أجد مغترباً إلا ويتألم من غربته ويعرف القيمة الحقيقية لسورية الحبيبة.
انتظار وترقب
لحظة تلو اللحظة.. دقيقة تلو الدقيقة.. انتظار .. ترقب.. وبانتظار وصول القادمين يجتمع الأهل تحت الأمطار مبشرة بالخير. من بعيد تلوح الأنوار وتقترب السيارات .. كل من فيها يرفع العلم السوري وبوصولهم تعلو الزغاريد.. وتنهمر الدموع .. دموع الفرح بعودة الأحبة سالمين, ويهرع الأهل لاستقبالهم بالعناق, عناق الحب والحنين والشوق.
ولادة شام
|
الصغير محمد نور الذي يلقبه جميع الأهل بـ(بهجة) يصل إلى دار الجدة وهو أيضاً يحمل العلم السوري وفاطمة ونوران الخائفتان من ضياع مستقبلهما الدراسي تفرحان عندما تعلمان أن المدارس في سورية تفتح لهما أبوابها.
زكريا عمر العلي شقيق أسامة وكان مغترباً معهم في ليبيا وعاد مع أسرته على متن السفينة يحدثنا عن ولادة شام فيقول: كان موعد ولادة زوجة أخي سناء في 12/3/2011 حينما علمت القنصلية بذلك طمأنتنا جميعاً أن السفينة مجهزة بكادر طبي مؤهل ما شجعنا جميعاً على العودة إلى بلادنا بالسفينة.
عانت زوجة أخي دوار البحر, وبدأت تشعر بآلام المخاض في السفينة, شعرنا جميعاً باهتمام كبير بصحة سناء وبالجنين بدءاً من القنصل السوري الذي كان يسأل عن أحوالها لحظة بلحظة, إلى قبطان السفينة اليوناني.
ويضيف قائلاً: ساعد سناء أيضاً وجود الطبيبة فوزية بن عامر (ليبية الأصل) المسافرة على متن السفينة والقادمة إلى سورية, وجاءت الطفلة شام يوم 7/3 عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً, وجميع طاقم السفينة والأطباء من الهلال الأحمر كانوا في خدمتهما ورعايتهما, وعندما وصلنا إلى ميناء اللاذقية كانت سناء أول من نزل من السفينة لتجد سيارة الإسعاف بانتظارها لنقلها إلى المشفى الوطني لمتابعة حالتها وإجراء الفحوص الطبية اللازمة لهما.
ويشكر زكريا اهتمام السيد الرئيس بشار الأسد بالرعايا السوريين المقيمين في ليبيا وعلى تقديم كل التسهيلات اللازمة لعودتهم مجاناً إلى وطنهم الأم, ونقلهم إلى محافظاتهم مجاناً أيضاً. أما والد أسامة فلم يكد يسمع بركوب أبنائه السفينة حتى يهرع للذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء العمرة والشكر لله تعالى على سلامتهم.
أما أسامة وزوجته والصغيرة شام فمازالوا في المشفى الوطني في اللاذقية حيث تم إدخالهم إلى المشفى بتوجيه ورعاية للإطمئنان على صحة الأم والمولودة ومن المقرر عودتهم إلى دمشق اليوم الأربعاء.
من السفينة إلى الوطن
ومنذ ساعات الصباح الباكر انتظر زميلنا يوسف علي مراسل (تشرين) في اللاذقية في المرفأ منتظراً وصول السوريين العائدين من ليبيا ومعهم (شام) ابنة البحر, وأوضح مراسلنا أن المواطنين العائدين على متن السفينة (يوروبا بالاس) هتفوا مشيدين بالسيد الرئيس بشار الأسد وشاكرين مكرمته واهتمامه لتأمين سفن وطائرات لنقل الرعايا السوريين من ليبيا كي لا يصيبهم الأذى جراء الأحداث الجارية هناك.
ولدى وصول السفينة إلى ميناء اللاذقية وعلى متنها /908/ مواطنين (بعد أن ولدت الطفلة شام) تم نقل الزوجين أسامة وسناء وابنتهما شام إلى المشفى الوطني لتأمين العلاج المناسب رغم تقديم المستلزمات المطلوبة في السفينة من قبل أطباء من منظمة الهلال الأحمر العربي السوري, وأوضح الدكتور سامر زكريا زيدان من فرع الهلال الأحمر باللاذقية أن فريقاً من فرعي الهلال باللاذقية وطرطوس رافق السفينة وقدم كل الإمكانات العلاجية الإسعافية والاحترازية والإشراف الصحي وتأمين وسائل المساعدة الأولية والدعم النفسي ووسائل النقل والمواد التموينية والغذائية, أما الدكتور عبد الله حمود من فرع الهلال الأحمر بطرطوس الذي أشرف على ولادة الطفلة شام وقام بعملية الولادة فقال: يوجد عدد جيد من النساء الحوامل في هذه السفينة ولكن لم يكن أحد يتوقع أن تولد الطفلة شام في هذا اليوم ولكن على ما يبدو بسبب حركة الباخرة والسفر جاء المخاض وتمت الولادة بسلام وأمان ودون أي اختلاطات والسفينة اعتبرت هذا الموضوع حدثاً جميلاً ومميزاً وبارزاً فهي أول ولادة فيها لذلك أقيمت الاحتفالات الغنائية والفرح وقدموا لها التباريك وحلقات الدبكة والرقص وقدمت هدايا لشام وأعطيت شهادة ميلاد ويحق لها الحصول على جواز سفر يوناني, وقال الدكتور حمود إن الطفلة شام جميلة جداً وطبيعية تماماً بوزن (3.5) كغ, وأوضح المهندس علاء إبراهيم مدير المؤسسة العامة للنقل البحري أن السفينة يوروبا بالاس القادمة من ميناء بنغازي الليبي انطلقت بـ(907) ركاب ووصلت بـ(908) ركاب بعد ولادة الطفلة شام صباح أمس إلى ميناء اللاذقية وتم تقديم وجبات الطعام وكل المستلزمات لهم وسوف يتم نقل المواطنين الأردنيين واللبنانيين (39) أردنياً و(9) لبنانيين إلى الحدود مع بلدانهم بباصات إلى جانب نقل المواطنين السوريين بالقطارات والباصات إلى محافظاتهم مجاناً.
وأكد السيد إبراهيم أن السفينة فينيقيا التي تمتلكها المؤسسة وعلى متنها (240) مواطناً سورياً تنتظر الإبحار بسبب الظروف المناخية ومن المتوقع أن تصل الجمعة أو السبت إلى ميناء اللاذقية, وقال مدير الشركة العامة لمرفأ اللاذقية السيد سليمان بالوش: تم تقديم كل المستلزمات والخدمات العملية والفنية للسفينة بكل نجاح وأمان, وكان في استقبال السفينة الدكتور محمد شريتح مدير الصحة وسهيل سلطان مدير الجمارك والدكتور سائر قدسية عضو مجلس.