رسالة إلى الأب زحلاوي

 

 

 

وليد إخلاصي - بلدنا

 

 

أَبَتِ إلياس زحلاوي
رسالتك إلى قداسة البابا بيندكتوس السادس عشر الكلي الاحترام، وكانت في يوم ذكرى وعد بلفور المشؤوم، هي التي أيقظت فينا ذكرى البؤس المتجلّي في انتهاكات النظام العالمي الظالم للعدالة الإنسانية، التي أصابت شعوبنا المتمددة على مساحات عدد من قارات الله، وكأنك لم تؤكّد على بشاعة ذلك الوعد فحسب؛ بل أنت بالرؤيا الواضحة ألقيت الضوء على بؤر تشعّ بالظلم المبرمج.
أبتِ أيّها الشجاع الصادق

وجاءت رسالتك هذه، التي شرّفتني بإرسال نسخة منها، لَتوقظ ذاكرتي التي تراكم عليها غبار النسيان بفضل من الأحداث الخطرة التي تمر بها سورية هذه الأيام، فكأنّك كشفت عن علاقة وعد بلفور بتلك الأحداث. لقد جعلتني رسالتك أدرك إهمالي تلك الأحداث، فأعدتني إلى الصواب.
وأحيت رسالتك إلى قداسة البابا موت ذاكرتنا، وأنعشت رؤيتنا إلى ما جرى في أرجاء الوطن العربي، ولما يجري بخاصة في وطننا السوري.
 

وأقول يا أبت إنّ مسيحيي ومسلمي المنطقة، وربما اليهود الذين لم تخدعهم الصهيونية، سيدفعون ثمن ذلك الشرّ الحاقد لنظام التآمر العالمي.
 

سيدي الأب السوري المخلص
 

كانت نيّتي التعليق على رسالتك المهمة بشكل شخصي، إلا أنني ارتأيت أن أنشر هذا التعليق على صفحة الجريدة، مع اقتطاف فقراتٍ من رسالتك أحسّ بأهميتها في إيقاظ وعينا النائم، وكأنما كتب على العقل العربي استسلامه للنسيان، أو أنه ينتظر الحلول من الغيب، وربما هذا يذكرنا بمقولة متماثلة، لكنها معاكسة، فالسيد جورج بوش الابن ادّعى أنّه تلقّى الكثير من الرسائل المباشرة الآتية من السماء، وهي التي كانت تملي عليه سياسة تنسجم دائماً مع سياسة الهيمنة العالمية.
 

كتبت في رسالتك: «دعني أعود إلى عدوان الحادي عشر من أيلول 2001.

أنت تعرف، دون شك، أنّه كان بين آلاف الموظفين في برجي المركز التجاري في نيويورك أربعة آلاف يهودي، وأنهم تغيّبوا بقدرة قادرة في ذلك اليوم بالذات عن عملهم».

 

وكتبت: «هل أذكّر باجتياج الكويت، الذي حدث بتشجيع من الولايات المتحدة، وما أعقبه من حرب كونية على العراق عام 1991».

وأكملت: «أما الحرب الظالمة والخالية من أيّ تسويغ ممكن، التي شنّت على العراق عام 2003، والتي فتتت هذا البلد، ودمّرت كنيسة العراق العريقة».
وتستطرد بالقول، مشيراً إلى مقال من مجلة إسرائيلية: «واجبي أن أذكر منها بعض الأسطر الرئيسة، علّها تفتح عيون من يصرّون في الغرب على التهليل الساخر بالربيع العربي، وعلى اجتذاب المئات من السوريين، بالمال والوعود الكاذبة، الذين يتعامَون، بغباء، عن التحديق، من خلال العراق وليبيا، في الجحيم الذي سيقودهم إليه تعاملهم مع غربٍ فقدَ كلّ روح وكل إيمان».

وكتبت، معلقاً على ما جاء في هذه المجلة: «أما أسطورة مصر، رائدة العالم العربي، فقد ماتت وانتهت، ومصر اليوم جثة.. وتقسيمها إلى مناطق جغرافية مستقلة يجب أن يكون هدفنا السياسي في التسعينات، ومتى تمّ تفكيك مصر على هذا النحو، فإنّ بلداناً مثل ليبيا والسودان، و بلاد أخرى أكثر بعداً، ستواجه التفكيك ذاته..

فإن تقسيم لبنان إلى خمس ولايات هو الصورة المسبقة لما سيحلّ بمجمل العالم العربي، وتفجير سورية والعراق إلى مناطق محددة، وفقاً لمعايير إثنية أو دينية، يجب أن يكون على المدى البعيد، هدفاً أولياً لإسرائيل».

وكتبت أيضاً تسأل قداسة البابا: «أمّا ألاّ يبدر منك التصرف، وبعبارة صريحة، واقعية وجريئة حيال العالم العربي والإسلامي عموماً، وحيال سورية خصوصاً، في محنتها الحالية، فذلك يؤلمني في العمق، وأنا الكاهن العربي الكاثوليكي السوري».

وتساءلت في رسالتك: «وفي هذه الأثناء فإنّ فلسطين، التي تحتضر، تكاد آخر ما تبقى من كنيستها الأولى والعراق في طريقه إلى ذلك، ومصر، تواجه اختلاجات مرعبة، ليست كلّها بفعل نزاعات داخلية. أما سورية، من جهتها، فهي تقف منذ أشهر، في وجه مؤامرة دولية تهدف إلى تدميرها».
وصرخت كلماتك: «إن صمت الكنيسة في الغرب إنما هو تواطؤ، وهذا أمر لا يليق بالسيد المسيح، ولا بإنجيله».

وتختم رسالتك: «سامحني لمخاطبتك على هذا النحو، فلقد تأخرنا كثيراً».

وأختتم رسالتي إليك بالقول: «أحييك يا أبت على شجاعة كاهن سوري يعيد إلينا الثقة بثقافتنا المعاصرة».