رسالة إلى حكومتنا الموقرة (2)

سيريا تودي
وردت العديد من التعليقات تعقيباً على «رأي سيريا تودي» السابق بعنوان «رسالة إلى حكومتنا الموقرة المستمرة في «وضعية صامت»!» وهي تعليقات تحاول النظر إلى الواقع من زاوية أنه لا يمكن للحكومة أن تبوح بكل شيء في وقت الحرب من جهة، وأن واجب الحكومات رفع معنويات الشعب وإبقاءها عند أعلى مستويات التحفُّز للمواجهة من جهة ثانية. وفي الحقيقة فإن ذلك أمر لا نقاش فيه، ولا يختلف عليه اثنان في مثل هذه الظروف خصوصاً .. لكنه في المقابل يحفّز العديد من الأسئلة التي يطرحها كل مواطن سوري اليوم وتتعلق بتوقيت وشكل ومضمون أي تصريح حكومي في وقت الحرب .. متى تسكت الحكومة؟ ومتى تتحدث؟ وكيف ترفع المعنويات؟ وما هي الحدود بين حق المواطن في المعرفة وحق الحكومة في الكتمان؟ وغير ذلك الكثير من الأسئلة التي تعبّر عن لسان حال المواطن السوري، وتستحق الوقوف عندها للإجابة عليها بشكل هادئ وموضوعي، لكن بكل صراحة وشفافية.
لا شكَّ أن المواطن السوري يعرف طبيعة المواجهة مع الأعداء، ويعرف تعقيد الحرب وشراستها، وهول الأعباء التي تحملها الدولة على عاتقها بعد ثماني سنوات من الحرب، وهو واع ومقدّر لحقيقة أن سورية تمر بأقسى وأشد حصار اقتصادي يمكن أن يخضع له بلد في العالم .. هو لا يناقش في كل ذلك .. كما أنه لا يناقش في واجب – وليس فقط في حق – الحكومة أن يكون لديها ما تخفيه وتخبّئه للوقت والظرف المناسبَين.. ولكن ولأنَّه كذلك، فإنه اليوم يريد أن يكون «شريكاً» حقيقياً مع الحكومة في خندق المواجهة لا «عبئاً» عليها .. وأساس تلك الشراكة هو أن تتوقف الحكومة عن سياسة الصمت المطبق، أو عن سياسة الوعود التي تحاول «رفع المعنويات» بشكل مجاني فتتحول في كل مرة إلى خيبات أمل وإحباطات تستنزف الثقة في ظرف يحتاج الجميع إلى تعزيز الثقة.
لا يطلب المواطن السوري من الحكومة أن تكشف عن أسرارَ تتعلق بأمن الدولة الاقتصادي، ولا يسعى إلى أرقامَ وملفاتٍ حسّاسةٍ يستفيد منها العدو .. وهو بلا شك لا يبتغي معنوياتٍ كان هو قادراً على منحها في ذروة معاناته وسيبقى .. جلُّ ما يرجوه المواطن اليوم مكاشفةٌ واقعيةٌ تقوم بها الحكومة بعيداً عن الخوف والحذر غير المبرَّرَين .. وبعيداً عن الصمت المستفزّ، أو الكلام المبالغ والمؤمّل بالوعود والتسويف .. مكاشفةٌ تُمسِك بيديه إلى لقاء مع الحقيقة أو جزء منها، وتجعله «يعرف» ليشارك ويساعد ويتعاون .. أو على الأقل ليفهم ويتفهَّم.
ولا تبدو المفاضلة بين كلام الحكومة أو سكوتها في ميزان المواطن السوري هذه الأيام مفاضلة بين الفضة والذهب، أو بين الحَسَن والأحسَن .. بل مفاضلة بين أمرين أحلاهما مرُّ.. فرغم كل التأكيدات والاعتذارات السابقة، لا يبدو أنَّ في الحكومة من اقتنع بَعدْ أنَّ العمل على اجتراح أسلوب تواصل صحيح، وتقديم معلوماتٍ شفافة وواقعيةٍ وصريحة للمواطن هو واجب عليها، وهو لمصلحتها كذلك .. وأنَّ مثل هذا النوع من التواصل ليس ترفاً، ولا عملاً إضافياً تقوم به الحكومة أو تتفضَّلُ به من «وقتها الثمين»، بل هو من صلب مهام ومسؤوليات عملها وعمل أي مسؤول فيها في الظروف العامة والعادية فكيف والبلد تمر بكلل هذه الظروف التي تستعر فيها الحرب وتشتد فيها الضغوط الخارجية على سورية.
ورغم كل الأحاديث والتأكيدات الحكومية على ضرورة الشفافية والتواصل الإعلامي الصحيح وتكرارها بأنها تسعى للحوار مع الشعب إلا أن ما يحصل هو أحد أشكالٍ ثلاثة: إما الصمت المطبق.. أو الوعود الرنانة التي لا تتحقق .. أو المعنويات الزائفة التي بعد كل هذه السنوات باتت تُحبط المواطن بدل أن تفعل العكس.. وحتى وزارة الخارجية والمغتربين التي اعتاد السوريون على التعبير عن بعض الاستحسان لأدائها الإعلامي، بقيت بياناتُها ومؤتمراتها الصحفية وتواصلُها الإعلامي وتصريحات بعض مسؤوليها دون المستوى المطلوب. وبمقارنة بسيطة بين لقاءاتِ الرئيس الأسد الإعلامية التي فاقت السبعين – ومعظمُها مع أشد الوسائل الصحفية شراسة وعدائية لسورية – وخطاباتِه وتصريحاتِه، وبين بياناتها أو ظهور مسؤوليها يظهر وبسرعة وبشكل جلي ذلك البون الشاسع بين توضيح الرواية السورية الحقيقية للعالم عبر لقاءات الرئيس وبين البيانات أو اللقاءات للمسؤولين السوريين عموماً.
ورغم كل الأحاديث والتأكيدات الحكومية على ضرورة الشفافية والتواصل الإعلامي الصحيح وتكرارها بأنها تسعى للحوار مع الشعب إلا أن ما يحصل هو أحد أشكالٍ ثلاثة: إما الصمت المطبق.. أو الوعود الرنانة التي لا تتحقق .. أو المعنويات الزائفة التي بعد كل هذه السنوات باتت تُحبط المواطن بدل أن تفعل العكس.. وحتى وزارة الخارجية والمغتربين التي اعتاد السوريون على التعبير عن بعض الاستحسان لأدائها الإعلامي، بقيت بياناتُها ومؤتمراتها الصحفية وتواصلُها الإعلامي وتصريحات بعض مسؤوليها دون المستوى المطلوب. وبمقارنة بسيطة بين لقاءاتِ الرئيس الأسد الإعلامية التي فاقت السبعين - ومعظمُها مع أشد الوسائل الصحفية شراسة وعدائية لسورية - وخطاباتِه وتصريحاتِه، وبين بياناتها أو ظهور مسؤوليها يظهر وبسرعة وبشكل جلي ذلك البون الشاسع بين توضيح الرواية السورية الحقيقية للعالم عبر لقاءات الرئيس وبين البيانات أو اللقاءات للمسؤولين السوريين عموماً.
نعم يطلب المواطن السوري المعنويات لكن الحقيقية منها.. المبنية على صمود مستَحق، وخطط مدروسة ونتائج سيلمسها وتنعكس عليه.. لا تلك المبنية على وعود لا تتحقق وجمل رنانة..
مواطن ليسمع إجابات عن أسئلته، لا تغنٍّ بمنجزات لم يتحقق معظمها حتى الآن..
ينتظر المواطن أن يرى مسؤولَه رجل دولة يحمل الأمانة والعبء.. لا مجرَّد مسؤول يفتتح ويتفقد ثم يغادر بسياراتٍ فارهة وكلماتٍ مقتضَبة عن أهمية هذا المشروع أو ذاك.. و هو - أي المواطن - يطرب لأخبار المليارات التي تقول الحكومة إنها تُضخ لتلك المحافظة أو غيرها أو لذلك المشروع أو لغيره، أو لـ «خلق فرص عمل» أو لبناء «بيئة تنموية».. لكنه يسمع ولا يرى.. يوعَد ولا ينال .. ينتظر ولا يصل..
ولسان حاله يردّد ما قاله المتنبي يوماً: «..أنا الغني وأموالي المواعيدُ».