رغم الفتور السياسي .. صادراتنا إلى تركيا زادت بنسبة 8%

 

في عروق الوسط الاقتصادي السوري، تسري معلومات وأخبار لا حصر لها عن أحوال البلاد والعباد، معيشتهم، لقمتهم، مداخيلهم، وصادراتهم أيضاً.. تُحيلنا المسألة جميعاً بالتأكيد لحديث عن عموم الاقتصاد السوري ومدى تأثره بالأزمة الراهنة حتى أصبح الحديث، الهاجس الوحيد لدى المحللين ورجالات الاقتصاد في المجتمع السوريٍ، ولم يكن قطاع التصدير بمنأى عن الحديث الاقتصادي البحت، بل أخذ حيزاً هاماً من العناوين المخيبة للآمال من جهة تداعيه في ظل ما نمر به، والبعض دحض ذلك بعناوين متفائلة لم تخرج عن نطاق التحليل وتبيان بعض الأرقام، للوصول إلى حقائق متوازنة ترضي جميع أطراف المسرح الاقتصادي ومن بينها المواطن السوري.

مستمرة

فالحديث الاقتصادي كان مليئاً بالتوقعات حول انخفاض نسب وحجم الصادرات السورية بشكل تراوح بين 30-35% منذ بدء الأحداث التي تعيشها سورية، وذلك حسب التقديرات التي أفرزتها توقعات الاقتصاديين في ظل غياب الأرقام الرسمية، ولكن تلك الأرقام التي نعتبرها وهمية حتى هذه اللحظة لم تعبر عن رأي من يعيش مفاصل العمل التصديري، حيث رأى قسم من المصدرين أن انخفاض نسب الصادرات السورية إلى بعض الدول العربية كان نتيجة للأحداث التي تعيشها بعض تلك الدول مثل ليبيا وتونس ومصر وغيرها، إلا أنها وعلى الرغم من ذلك تستمر بوتيرة جيدة، والبعض الآخر من المصدرين عزى انخفاض الصادرات إلى بعض الدول الأوربية نتيجة القرار بالتريث الذي اتخذته بعض الدول وليس كل الدول إزاء ما تشهده سورية، أي على مبدأ استلام البضاعة أولاً.

 

في المنطقة الخضراء

وعندما نتكلم عن الصادرات فهذا يعني وجود منتجات، وهذه المنتجات إما تكون قادرة على المنافسة أو غير قادرة على ذلك، حسب رأي "محمد حلاق" عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق والذي يعمل في مجال تصدير المواد الغذائية، والمنافسة دائماً ما تقاس على أساس الجودة والنوعية كذلك السعر المناسب، وإذا ما تحدثنا عن المنتجات السورية فهي ما تزال بوضع إنتاجي جيد في ظل الظروف الراهنة كما كانت خلال الفترة التي سبقت تعرض سورية للأزمة الراهنة، أي بنفس الشروط والمواصفات وبنفس القدرة التنافسية، فالمستورد وحسب العقود التي نقوم بتوقيعها معه يطلب البضاعة دائماً أو المنتجات ضمن شروط معينة يرغبها، وبالتالي يتم تأمينها له حسب بنود العقد أو الاتفاق وشروط الجودة المطلوبة ولم يختلف أي معيار من معايير الإنتاج التي اعتدنا عليها سابقاً في عقودنا مع زبائننا من المستوردين.

لا مشكلة على المستورد

ويُضيف حلاق: ما تشهده سورية من ظروف راهنة لا تعني المستورد بأي شكل من الأشكال، فهو غالباً لا يتأثر بما نمر به، بل نحن من يتأثر، وبالتالي فهو يقوم بدفع ثمن مستورداته بعد استلامها والتأكد من مطابقتها للشروط المتفق عليها مسبقاً، ناهيك عن أن المنتجات السورية لها خصوصية معينة في عالم المنتجات المصدرة، فهي غالباً ما تحظى بفرصها في الخارج، بمعنى أنها منتجات مطلوبة، وليس من السهولة أن ينتزع أي منتج آخر المكانة المرموقة التي يحتلها منتجنا، وهذا الكلام ينطبق فقط على الصناعات الغذائية فقط، أما من حيث المنتجات الأخرى فمن الممكن أن تتواجد صناعات أخرى بمستوى عال من جودتها، إلا أن ما يهمنا في المرحلة الراهنة هو أن نبقى مستمرين في تأمين البضاعة والمنتجات بنفس الشروط والجودة والنوعية والمعايير الأخرى والأسعار المعهودة.

 

الليرة السورية

أما فيما يتعلق بوضع الليرة السورية فإن الانخفاض الطفيف الذي طرأ على قيمتها ولاسيما خلال هذه المرحلة فإنها جاءت لمصلحة المستورد، ولم تشكل أي منعكس سلبي على أعماله في الاستيراد، بمعنى أن انخفاض سعر الصرف بين 50-51 ليرة سورية شكل للمستورد انخفاض في التكاليف تراوح بين 6-7% من القيمة التي كان يستورد بموجبها قبل بدء الأزمة التي تمر بها سورية حالياً، ويمكن وصفها بالميزة التفضيلية.

وإذا ما تحدثنا عن هذه الميزة يمكن القول أن العديد من الاقتصاديين والمحللين دائماً ما كانوا يحثون على تخفيض سعر الصرف أي بأن يكون بين 50-51 بدلاً من 47 وذلك دعماً للتصدير حسب تحليلاتهم، أي يمكن اعتبار ذلك من وجهة نظرهم قيمة أو ميزة إيجابية للتصدير، وفي النهاية يمكن القول أن الصادرات السورية وخاصة الغذائية منها جيدة حتى هذه الفترة من الأزمة ولم تتأثر كما يقول البعض.

الكثير من عقود التصدير التي أبرمت منذ بداية العام الجاري يجري تنفيذها حالياً

عقود التصدير جارية

ومن جهته، المُصدر خالد الطُبَل (ألبسة جاهزة) أشار إلى أن هناك الكثير من عقود التصدير التي أبرمت منذ بداية العام الجاري، والتي يجري تنفيذها حالياً، إلا أننا وحتى هذه اللحظة لم نشعر أو نلحظ وجود أي تراجع في حجم صادراتنا، ولكن يمكن القول أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة قد شهدت نوعاً من التراجع في حجم منتجاتها، ولاسيما المنشآت التي تقع في مناطق أو مدن تشهد بعض الاضطرابات، أما بالنسبة لنا فلتلافي الآثار السلبية التي يمكن أن تسدل ستائرها على طبيعة أعمالنا كمصدرين للألبسة الجاهزة، فقد عملنا على فتح مكاتب ومنافذ جديدة للتصدير في العديد من الدول الأوربية مثل إيطاليا، والتي بدأنا بتجهيز البضائع تمهيداً لتصديرها، وسنسعى إلى التحرك ضمن دول أخرى بعد التأكد من مدى نجاح التجربة، ناهيك عن وجود جزء كبير من الصادرات التي تذهب إلى دول الخليج هذا العام وهي بنسب متكافئة مع نسب تصدير العام الماضي، باستثناء المغرب العربي الذي توقفت صادراتنا إليه بسبب الأحداث التي شهدتها ليبيا وتونس، فأدى ذلك إلى توقيف عدد من عقود التصدير إليها، لذلك نتوقع أن يكون حجم صادراتنا لهذا العام أعلى من الحجم الذي حققناه خلال العام الماضي، وبشكل عام يمكن القول أن الصادرات السورية تسير بوتيرة جيدة، ولا يمكن أن نتجاهل مدى التأثر الذي يمكن أن يظهر خلال النصف الثاني من العام، وذلك من خلال عدم قدرة بعض المعامل والمنتجين من التواصل مع الدول التي كانت تصدر إليها، ومن ناحية أخرى فالمنطق يفرض أن يكون هناك نسبة من التأثر بالأوضاع الراهنة التي تشهدها سورية عبر الأزمة التي تمر بها.

الصادرات التي تذهب إلى دول الخليج هذا العام هي بنسب متكافئة مع نسب تصدير العام الماضي

 

يتحدث رجل الأعمال مازن حمور عن برنامج لدعم الصادرات السورية كان قد وضعه الفريق الوطني، ويقول حمور أن مبدأ البرنامج يقوم على دعم المصدر من 10-15% نقداً، وسيتم دفع تلك القيمة في حال تم التثبت من كافة الأوراق المطلوبة لعملية التصدير، وتلك النسبة يقوم المصدر بصرفها على مواد أولية أو تطوير إنتاج، أو زيادة في عدد العمال، كذلك تحديث آليات الإنتاج لديه، علماً هذا البرنامج وبحسب حمور يغني عن الشيك الضريبي أو شيك التأمينات الاجتماعية أو شيك الكهرباء الذي يعطى للمصدر، وبالتالي يقوم بتوجيهه في الوقت الذي يكون فيه المصدر أو الصناعي قادر على توجيه نفسه ولا يحتاج لمن يقوم بتوجيهه، كما أن هذا البرنامج متبع في الكثير من الدول الأخرى ومنها المتقدمة، والتي يمكن أن نأخذ منها تجاربها في التصدير، لذلك لابد لنا اليوم من إيقاف مسألة التجارب التي دفعنا ثمنها غالياً جداً ولم تقدم لنا أية تطورات ملحوظة، لذلك يمكن اعتبار دعم الصادرات مطلب أساسي لدى جميع الصناعيين والمصدرين، إلى جانب دعم شعار صنع في سورية، ذلك الشعار الذي يمكن أن يروج لكل ما تملكه سورية من مقومات، وليس فقط الترويج للمنتجات السورية، علماً أن برنامج دعم الصادرات وضع بالتنسيق مع بعض الخبراء في التصدير ومسؤولين في وزارة الاقتصاد وعلى رأسهم السيد الوزير وهو برنامج قدمه الفريق الوطني الاقتصادي.

 

تدخل سريع

وعن البرامج الأخرى لدعم الصادرات والتي وضعها اتحاد المصدرين السوري، والبرامج الأخرى التي تبنتها الغرف التجارية والصناعية، كلها برامج جيدة لكننا اليوم بحاجة إلى برامج على أرض الواقع، بمعنى أن تكون برامج تدخل سريع كالبرنامج الذي تحدثنا عنه، والذي من مهمته التدخل السريع واتخاذ القرارات السريعة.

ويشمل البرنامج دعم الصادرات إلى أسواق عديدة منها إيران وأوكرانيا والجزائر والعراق ومصر وبيلاروسيا خلال هذه المرحلة، وفي بداية العام لدينا جدة في المملكة العربية السعودية، إلى جانب دراسة موجودة حالياً على طاولة الدراسة لدخول الأسواق الأفريقية منها نيجيريا وكوتانا وغانا، وفي البداية سيكون هناك معارض لعرض المنتجات في البلدان الأفريقية المذكورة، إلى جانب وجود معرض بيع سيقام في السودان.

هل الأزمة هي السبب

ولم يخف إيهاب اسمندر مدير صندوق دعم الصادرات في هيئة تنمية وترويج الصادرات احتمال تأثر الصادرات السورية إلى بعض الدول جراء الأحداث الجارية في سورية، لأن المنطق الجدلي للأحداث وعلى حد قوله سيفرض ذلك التأثر، ومن جهة البيانات والأرقام أشار اسمندر إلى أن البيانات الموجودة لدى الهيئة ولغاية نهاية الشهر الخامس من العام الجاري تؤكد أن معظم الصادرات السورية قد حققت أفضلية واضحة من حيث الحجم على صادرات الفترة ذاتها من العام الماضي 2010، أما فيما يتعلق ببيانات الشهر السادس والسابع فلم تتوفر حتى الآن أية أرقام تشير إلى مدى التأثر.

وقال اسمندر أنه ومن خلال تعامل الهيئة مع المصدرين وعلى اختلاف قطاعاتهم التصديرية فإن بيانات قسم كبير منهم تشير إلى عدم تأثر صادراتهم بأحداث المرحلة الراهنة التي تعيشها سورية إلى حد ذلك التأثر الذي يمكن الحديث عنه، في حين أخذ البعض الآخر بالتصريح عن تراجع صادراتهم خلال هذه المرحلة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه حسب ما أوضح اسمندر، هل تراجع صادراتهم بسبب الأزمة التي تعيشها سورية أم تعود إلى أسباب أخرى.

 

أسباب أخرى

وهنا يقول اسمندر من المحتمل أن تكون هناك أسباب أخرى لتأثر صادرات بعض المصدرين، ومن بينها الأزمة التي نعيشها حالياً، ولكن قد لا تكون السبب الرئيس في ذلك التراجع، وإذا وجد من يقول أنها السبب الأساسي فإن الأزمة ستؤول إلى الزوال وعندها ستعود مجريات الأمور إلى طبيعتها، وستعود أرقام المصدرين المتضررين إلى حالتها الطبيعية أو أكثر بقليل، أما فيما إذا انتهت الأزمة ولم تعود أرقامهم إلى ما كانت عليه، فإن هناك أسباب أخرى لذلك التراجع، قد يدخل من ضمنها أسباب تعود إلى القدرة التنافسية ووجود منافسين من دول أخرى وغير ذلك..

واستناداً إلى ذلك لم ينكر اسمندر الآفاق التي رسمتها الأزمة وكان لها تأثير على مختلف النشاطات الإنتاجية في سورية، إلا أن هذه الآثار لا يمكن أن نحددها أو أن نشير إليها بأية طريقة من الطرق حتى مرور فترة زمنية كافية، وخلال هذه الفترة يمكن أن تتوضح البيانات والأرقام، وعندها يمكن الفصل بين الأسباب المرتبطة بالأزمة بشكل مباشر والمرتبطة بخلفيات أخرى بعيدة عن الأزمة،.

 

إلى تركيا زادت بنسبة 8%

ومن ناحية أخرى فإن قسماً كبيراً من الصادرات السورية لم يتأثر بشكل واضح وملحوظ، مثل صادرات المشتقات النفطية والفوسفات التي تشكل نحو 90% من نسبة الصادرات السورية، بالإضافة إلى أن الصادرات التي تدخل في خضم المنتجات الزراعية فإنه من غير المتوقع أن تتأثر بالأزمة الراهنة بشكل كبير بحسب ما أوضحه اسمندر، مشيراً إلى أن بعض الصادرات السورية من الألبسة قد تتأثر في بعض الأسواق التي تعاني من مشكلات مثل أسواق ليبيا وتونس وغيرها من الدول العربية التي تشهد أحداث واضطرابات.

ولدحض الأقاويل التي كشفت مؤخراً عن تقلص حجم الصادرات السورية إلى بعض الدول مثل الصين وتركيا، كشف اسمندر ووفقاً لبعض الإحصائيات الصادرة عن سفارتي تركيا والصين بدمشق أن حجم الصادرات السورية إلى تركيا وخلال شهر حزيران من العام الجاري قد زادت بنسبة 8% عن نفس الفترة من العام الماضي، وفي المقابل فإن الصادرات السورية إلى الصين قد انخفضت خلال الشهر نفسه إلى 30% عن نفس الفترة من العام الماضي إلا أنها حققت زيادة وقدرها 10% عن الشهور التي سبقت شهر حزيران، وهذا دليل واضح على عدم وجود التأثر الذي يمكن الحديث عنه في مجال الصادرات.

 

السياسة تدخل في الاقتصاد

وأمام بعض المعوقات وأوجه القصور التي قد تتعرض لها الصادرات السورية المتجهة إلى عدد من الدول سواءً أكانت عربية أم أجنبية، لم يتوان اسمندر عن ذكر حلول لمواجهة ذلك القصور والتراجع، منها حث المصدرين والمنتجين على تأسيس شركات ومكاتب سورية في الدول الأخرى تكون مهمتها استيراد المنتجات السورية أمام عزوف بعض الشركات الأوربية والعربية عن استيراد السلع السورية لأسباب قد تكون سياسية أو إعلامية كالتحريض الجاري الآن على سورية من قبل بعض المحطات، أو لأسباب أخرى تتعلق بالتخوف من التعامل مع سورية في ظل هذه الأحداث، ومن ناحية أخرى فإن تلك الشركات التي يمكن تأسيسها في أوربا يمكن أن توفر على الشركات الأوربية مغبة عناء استيراد المنتجات السورية، لأن تلك الشركات هي من سيقوم باستيرادها وترويجها في أسواق أوربا، مشيراً إلى أن هيئة تنمية وترويج الصادرات تشجع التجار ورجال الأعمال السوريين على القيام بهذه الخطوة التي بدأ البعض منهم بتنفيذها، كالمصدر الذي ذكرناه سابقاً والذي قام بفتح مكاتب تمثيلية له في إيطاليا كتجربة في حال نجحت فإنه من الممكن تعميمها على بعض الدول الأوربية الأخرى.

 

يقول إيهاب اسمندر أنه لهذه اللحظة لم ترد إلى الهيئة أية تقارير تفيد بتوقف عقود تصديرية إلى بلدان أخرى، ولكن تحسباً للمستقبل لابد من وجود بعض البدائل أمام المصدرين السوريين في حال واجهتهم أية معوقات أو صعوبة في عملية التصدير، وأن دور الهيئة في دعم الصادرات السورية على درجة غاية في الأهمية، لطالما كان هناك توجه لدعم المصدرين أمام ظهور عوامل تنافسية في بعض الدول تستوجب من المصدر أن يجاري تلك العوامل، فضلاً عن التغيرات التي تشهدها الأسواق بين الفينة والأخرى، ومن خلال الإجراءات التي تقوم بها الهيئة وفقاً لبرنامج دعم الصادرات فإن هناك توجه لتحقيق أكبر حجم ممكن من الدعم للمصدرين السوريين، وبالتحديد دعم بعض السلع الأساسية.

 

 

بورصات وأسواق