رفاهية الموت في دمشق

حمى ارتفاع اسعار العقارات في العاصمة السورية دمشق لم تكن بعيدة عن المقابر , فالاخيرة تشهد حاليا فورة في اسعار قبورها و التي تجاوزت 400 الف ليرة سورية اي ما يقارب 8000 دولار امريكي لسعر القبر الواحد فيها , هذه الارتفاع الخيالي للاسعار دفع الكثير من سكان دمشق الى شراء قبور لهم في ريفها , محمود كعبور احد هؤلاء و الذي قام بشراء قبرين له في مقبرة معظمية الشام احدى الضواحى القريبة للعاصمة .
" عندما ذهبت الى المعظمية طلبوا مني سعر الواحد 30 الف ليرة , اما السعر الرائج لسكان هذه المنطقة هو ما بين 10 الاف الى 15 الف و لانني لست من سكان هذه المنطقة طلبوا مني هذا السعر " و يضيف محمود كعبور و هو يظهر اوراق امتلاكه للقبرين " انا مضطر ان اشتري هذين القبرين لان الانسان لا يعرف متى يموت و تصيبه حادثة , فاشتريتهما ب 60 الف ليرة و حصلت على اوراق تثبت تملكي لهما ".
يقوم كعبور دائما بزيارة هذه المقبرة ليس فقط لان والده و شقيقه مدفونين فيها و انما للتأكد من وجود قبريه و عدم اقتراب اي شخص  منهما او العبث فيهما , فالازمة هذه دفعت الكثير الى سرقة قبور الغير عندما تترك مهملة و عدم السؤال عنها , بالاضافة الى تحولها الى تجارة نتيجة لتزايد الطلب على شراء القبور و ارتفاع اسعارها .
" الاسعار الحالية لقبور هذه المنطقة وصلت الى ما يقارب 100 الف ليرة و 150 الف ليرة (2000 -3000 $ ) و هناك احتمال كبير ان لا تجد , كثير من الناس حولها الى تجارة , هناك اشخاص اشتروا قبور باسعار 10 – 30 الف ( 200 – 600$) و الان هم بحاجة الى المال فيبيعون تلك القبور و منهم من يملك اكثر من قبر في اكثر من منطقة و ليسوا بحاجه اليه " يقول كعبور .
 القبرين كسائر القبور في هذه المقبرة و التي لم يدفن فيها اصحابها, تجد شواهدها بيضاء فارغة من اي كتابة عدا بعض الارقام التي تؤكد مليكة اصحابها لها , المقبرة مليئة بالقبور الفارغة الا ان كعبور اشترى قبريه في مكان مميز .
" عندما اشتريت القبرين طلبت ان يكون موقعهما بالقرب من الشارع و ذلك بعد وفاتي لا اريد ان اشعر بالوحدة " يقول كعبور ضاحكا .
ليس من الغرابة عند تجول الزائرين لتلك المقابر الحديثة و الموجودة خارج دمشق ان يجدوا قبورا كتب عليها اسماء اصحابها و تاريخ ولادتهم دون ذكر تاريخ وفاتهم لانهم مازلوا احياء .
مقابر دمشق و التي هي السبب الرئيسي لهذه الظاهرة تجدها مكدسة بالقبور حتى ان المرور بينها صعب للغاية و ذلك بسبب ضيق مساحتها مقارنة بعدد سكان المدينة مما دفع المعنيين عليها في العقود الاخيرة الى دفن الموتى الجدد فوق ذويهم و منع البيع و الشراء فيها .
 يقول ابو تيسير احد حفاري قبور مقبرة الباب الصغير الشهيرة في دمشق ان بيع القبور ممنوع و يضيف " هذه القبور قبور اجدادهم و يتم توارثها بشكل عادي و لكن ليس لديهم الحق في الدفن الا بعد 5 سنوات من دفن قريبهم فيها " .
على الرغم من نفي ابو تيسير لعمليات المتاجرة في مقبرة الباب الصغير الا ان سوقا سوداء تشهدها هذه المقبرة وفق ما اكده الكثير من صانعي شواهد القبور الذين يعملون بالقرب منها . فهد سراميني احد العاملين في ذلك المجال يقول " انا اعمل بهذه المصلحة منذ 28 عاما و سمعت ان بعض الاشخاص لا يريدون قبورهم و قاموا ببيعها ما بين 300 و 400 الف ( 7000-8000$)و الحفار يحصل على بعض المال من تلك العملية " .
رفاهية الموت هذه امتدت ايضا لتشمل اهتمام سكان دمشق بشواهد قبورهم , فالكثير من المال يدفع على ذلك, يقول سراميني " انا صنعت شاهدة ب 150 الف ليرة و هو قبر لدكتور " .
ارتفاع اسعار القبور عكس الواقع الدمشقي من غلاء في اسعار العقارات و مرافق الحياة الاخرى , خبير العقارات عمار يوسف يرجع فورة الاسعار هذه لاسباب عديدة و يقول " ارتفاع عدد السكان ونتجية للتغيرات الاقتصادية ادى ذلك الى ارتفاع اسعار المقابر اسوة بارتفاع المنظور العقاري في دمشق" .
قرارات كثيرة صدرت حول منع عمليات المتاجرة في مقابر دمشق , الا ان الكثير يتخوف من استمرارية هذه السوق في الخفاء اما خارج دمشق لم تظهر هذه المتاجرة بشكل واضح كالمقبرة التي تملك فيها محمود كعبور و لكن مع ارتفاع اسعار قبورها هناك توقعات بان تصبح هذه التجارة واقعا ملموسا.