د.نواف إبراهيم- كاتب وإعلامي متخصص بالشؤون الدولية

روسيا تستعد لحرب طويلة في أوكرانيا

ملفات

الأحد,٢٤ كانون الأول ٢٠٢٣

د.نواف إبراهيم- كاتب وإعلامي متخصص بالشؤون الدولية

في عام 2024، سيصل الإنفاق العسكري الروسي إلى 6%، من الناتج الإجمالي المحلّي، إذ يتم إنتاج الطائرات بدون طيار والذخيرة والأسلحة بكثرة، ولا تعير النخبة السياسية في موسكو اهتماماً كبيراً للمفاوضات.

تستعد روسيا لحرب طويلة، وبالمقارنة مع العام الحالي، فإن روسيا سترفع الميزانية العسكرية في عام 2024 إلى 100% تقريباً، ففي العام المقبل، ستخصص نسبة 6% من الاقتصاد الروسي، لتمويل الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن دعم الدفاع الداخلي والخارجي، ولا تزال هذه النسبة أقل بكثير من نسبة 12% إلى 17% في ذروة الحرب الباردة، وعلى النقيض من الوضع الذي كان قبل عام 1990 فإن الاقتصاد الروسي لم يتعرض بعد لخطر الانهيار، كما أن هناك استقراراً في الإيرادات المرتفعة تدريجيا من صادرات النفط والغاز جنباً إلى جنب، لكن الانخفاض المعتدل في قيمة العملة الوطنية؛يضمن الزيادة في إيرادات الروبل في ميزانية الدولة.

الاقتصاد في حالة نهوض متزايد، ولا تؤثر العقوبات الغربية إلا على عدد محدود من المجالات الضيقة، وحتى أنه في بعض الصناعات إزدادت نسبة الأجور الحقيقية، أما البطالة فقد وصلت إلى مستويات قياسية منخفضة بفضل الهجرة والتعبئة. المسافرون القادمون إلى مدينتي موسكو وسانت بطرسبرغ شهدوا وأفادوا بأن أن المطاعم والمحلات التجارية ممتلئة بالمواد والبضائع حتى الآن. يظهر أن استراتيجية بوتين المتمثلة في خوض الحرب في أوكرانيا تبدو أنها حملة عسكرية ناجحة في محيط الإمبراطوريات السابقة.

الهجوم الصيفي الأوكراني، فشِل !

قبل أشهر عدة فقط، بدت الأمور مختلفة تماماً عمَّا هي عليه الآن ، فقد أثار سيناريو نجاح تقدم الأوكراني إلى البحر الأسود القشعريرة لدى النخبة الروسية، و كان يستحيلُ توقع أن الهجوم الصيفي الذي شنته أوكرانيا، وحظي بتغطية إعلامية دعائية جيدة، ورافقته إمدادات متواصلة بالأسلحة من قبل التحالف الغربي؛ قد ينتهي باستعادة 0,25% فقط من المناطق المحتلة.

 وهذا بالتحديد لم يكن بسبب افتقار المدافعين الأوكران إلى العزيمة والقرار، ومثل انسحاب جنود الجيش الأحمر في صيف وخريف عام 1941، عندما كانت إمدادات الفريماخت «قوة الدفاع» "هو اسم القوات المسلحة الموحدة لألمانيا من العام 1935 إلى 1945"، في مقر الجيش الألماني على وشك النفاذ فعلياً، فالجيش الروسي في عام 2023 تعافى من جديد من ضعفه في البدايات ومن الفوضى في هيكله.

من الجدير ذكره أن استراتيجية بوتين حظيت بتأكيد عملي في جوانب عدة، ففي خريف عام 2022 أدى رفض بوتين المستمر لمتابعة التعبئة العامة، لمعارضة حادة من قبل مجموعة من الضباط ومناصري الخط المتشدد في الحزب العسكري، الآن باتت أسماؤهم من الماضي منهم: سيرجي سوروفيكين "جنرال الهرمجدون" يشعر بالملل في موضع الاحتياط بالقيادة، يفغيني بريغوجين "طباخ بوتين" قد مات، وأما الوطني للغاية إيغور "ستريلكوف" غيركين يقبع في السجن.

المعارضة اليسارية كما اليمينية تم إقصاؤها !

حتى أولئك الذين اعتقدوا أن تمرد "الفاغنريين" بقيادة بريغوجين من شأنه أن يقوض النظام، تبين أنهم كانوا على خطأ، لقد فتح بوتين صفحة بيضاء، فالمعارضة اليسارية تعيش خارج البلاد، هناك حيث هم لا يقلقون بشأن أنصار الديمقراطيين أو أنصار أوروبا، فقط عدد قليل من الأشخاص العنيدين مثل "أليكسي نافالني" يقبعون في السجون الروسية.

المعارضة من اليمين، المتظللة بمختلف الأطياف، محرومة الآن من أي تأثير سياسي، فضد من يجب عليهم أن يقاتلوا إذا كان الجيش قادراً على مواجهة العدو بشكل كامل؟! لقد تمكن بوتين أيضاً من أن يفصل بين الحرب والسكان، مقاطعة جغرافية ضخمة جداً تمد بجنود متطوعين مقابل أجر لائق وفقًا للمعايير المحلية؛ إنها الحرب الدائرة بجانب المدن، وهنا يجب ألا ننسى "التكنوقراط" في المنظمات والمؤسسات والشركات، ممن يعملون بجد وفاعلية، ومن صميم القلب دون أي تناقضات.

الهجوم بعد الانتخابات الرئاسية؟

يجري الحديث عن أن المصانع الروسية تنتج طائرات بدون طيار وذخيرة وأسلحة أخرى، بكميات تتجاوز بكثير احتياجات الجبهة، يقولون إنه قبل الانتخابات الرئاسية في مارس 2024، من المخطط تحقيق نجاحات صغيرة، ما يؤدي إلى تقويم الجبهة على حساب العدو، على الأرجح في "أفدييفكا" وربما "تشاسوف يار"، وفي حال فوز بوتين _كما هو متوقع_ بأغلبية 3/4 في شهر مارس/آذار المقبل في الانتخابات الرئاسية، فهذا يعني أنه سيحصل على تفويض في ولاية جديدة بنطاق أوسع، بما في ذلك من الناحية العسكرية.

ليس من المستبعد أن تكون أوديسا أو كييف أو لفيف"لفوف" من جديد في مرمى النيران، فمن بين السمات التي تميز الرئيس الروسي أنه يحدد أهدافه الإستراتيجية، بما يتوافق مع قدراته وإمكاناته التكتيكية في الوقت الحالي، وبسبب قوته لا يريد الجيش الروسي الفرار؛ إذاً ما السبب الذي دفع بوتين إلى عرض المفاوضات على الغرب؟! أو الرد على مقترحات بخصوص المفاوضات؟!

يعول بوتين على إقحام خصومه (وإجهادهم)، وفي المقام الأول الولايات المتحدة الأمريكية، في عالم تتزايد الصراعات فيه، وفقط منذ وقت قريب اندلعت سجالات ومشادات حادة في الكونغرس الأميركي حول الدعم المستمر لأوكرانيا، زد على ذلك أن تسليم حزم المساعدات الأمريكية يتم عبر الحدود الوطنية، وتجري أيضاً مناقشة المساعدات المالية والعسكرية التي يتم تقديمها إلى كل من أوكرانيا والكيان الإسرائيلي، فضلاً عن ملايين الدولارات المخصصة لمنع الهجرة غير الشرعية، فهي تُناقش كحزمة واحدة، ناهيكَ عن تأثير الحملة الانتخابية الأميركية المقبلة، وبالنتيجة فإنه بالكاد تمتلك القوة العظمى الحقيقية الوحيدة القدرة على تمويل تدابير أكثر فعالية في الوقت المناسب.

موسكو تثق بنفسها من جديد

ثقة موسكو الجديدة بنفسها تنعكس أيضاً في تعليقات بوتين الأخيرة حول وضع الأقلية الروسية في لاتفيا، والتي تشكل نحو ربع السكان، وبحسب رأي الرئيس الروسي، فإن من يعامل الناس مثل "الخنازير" سيواجه في النهاية بنفسه مثل هذه المشاكل، وكما كان الحال في الماضي، يفضل استخدام لغة بذيئة عندما يريد أن يحدد منطقة سياسية.

المحاورون الألمان القلائل الذين ما زالوا يتواصلون مع النخبة في موسكو، فهموا مؤخراً مزاجها بوضوح مطلق، وكان توسع منظمة حلف شمال الأطلسي إلى الشمال الشرقي، أي إلى فنلندا والسويد، سبباً في دفع الدائرة المحيطة ببوتين إلى بذل كل ما بوسعها لتحويل جارتيها السلافيتين الشرقيتين بيلاروسيا وأوكرانيا إلى معقل. السياسة الروسية تملي نوعاً من مقولة "الآن هو الوقت المناسب"، وهو ما يعتبر نموذجياً تماماً لعقلية البلاد، وترى روسيا نفسها في صراع وجودي ضد الغرب من أجل البقاء، "لا خطوة إلى الوراء"، مثل ذلك كان الأمر السوفييتي بوقف القوات اعتباراً من يوليو/تموز 1942، كان بمثابة مقاومة جريئة وشاملة في مواجهة العدوان الألماني، أما "الجبناء والهاربين" فقد تم إطلاق النار عليهم.

 ختاماً في هذه الأيام لايعيد التاريخ نفسه فقط في إستكمال الحرب الوطنية العظمى لتخليص العالم من نير النازية المتمثلة بالنازيين الجدد وإنما يؤكد ويثبت صوابية التوجه الروسي في الذهاب نحو مواجهة كان لابد منها حتى النهاية وعلى مبدأ حمورابي العين بالعين والسن بالسن والبادىء أظلم وإن اردتم السلم فنحن جاهزون له.

فما الذي ينتظر روسيا وينتظر الغرب وحتى العالم كله بعد الانتخابات الرئاسية في روسيا والولايات المتحدة؟ هل هي متابعة صراع الجبابرة أم أن الغرب سيتعقَّل وينقذ نفسه من النفاذ في الجُب الذي رمى بنفسه إليه؟ أم أنه سيتابع الانتحار أمام روسيا التي لن تقبل بأقل من النصر الكامل والشامل؟ السؤال الذي يطرحه كثيرون: هل الحرب في موسكو أم خارجها؟!

قادمات الأيام لعلها تكون كفيلة بالإجابة.

 


الإنفاق العسكري الروسي
روسيا
أوكرانيا