زلزال شباط.. حكاية على مقياس "ريختر "

نور درويش – شام إف إم
يقال إن الإنسان يحيا في النسيان ولكن على هذه الرقعة الجغرافية تعودنا على استحضار ذكريات وأيام جميلة رحلت ونحن على يقين بأنها لن تعود, ونرثي سنوياً أشخاصاً رحلوا بفعل الحرب وبغيرها ولكن هذه المرة السوريون يستحضرون ذكرى سنوية لكارثة أعجزت الكلمات عن وصفها.
ففي فجر السادس من شباط الفائت عند الساعة الرابعة وست عشرة دقيقة استيقظ العالم، مهلاً.. ليس كل العالم فثمة أصلاً من لم يستيقظ، وبينما كانوا راقدين في أسرتهم تحولت هذه الآسرة قبوراً للكثير من السوريين لما ضرب الزلزال المنطقة بدرجة 7.6 على مقياس ريختر فأضحت مناطق منكوبة بالكامل، كل ما فيها سقط حتى كادت أن تقع السماء، وكأن الأرض حية تشعر بكل ما يجري حولها من حروب وحرمان وظلم فتثور وتتمرد وتغضب وتهتز، وإن كنا سنتحدث عن عدد الضحايا فكان العداد يهرول والأرقام ليست بأعداد وإنما بشر مثلنا كانت أحلامهم وطموحاتهم قيد التحقيق، ولديهم مخاوف ربما أرقتهم برهة قبل تطويعها ببعض الأمل ومن ثم الخلود إلى النوم.
عبر الزلزال الحدود وليس لديه جواز سفر فالكوارث الإنسانية لا تعترف بالحدود، زار إدلب وحلب واللاذقية وحماة، أبنية رصدتها الكاميرات تتهاوى كقطع من (البسكويت) لكنها بطعم الدم والوجع، فمات من مات، وأنات ظلت تتصاعد تحت الركام.
ناجون؟ ليس بعد؛ فالإجابة تحددها معادلة ركناها عاملان سرعة الإنقاذ والبرد، البرد هو الآخر تحالف مع الزلزال ضد من كانوا آمنين مستقرين في بنايات مستقيمة قبل أن تصبح كومات من الإسمنت والحديد والذكريات المحطمة. فكان التكافل الإنساني وخروج الجثامين بقلوب ما زالت تنبض كسرت جو العزاء الذي حل بالمناطق المنكوبة والسوشال ميديا على حد سواء. بدأت طائرات المساعدات الإغاثية تسابق الزمن لتوصل المعونات للضحايا وإرسال خبراء الدفاع المدني والهندسة لرفع الركام بمشاركات دولية.
أما حكايات الذين قضوا تحت الركام فهناك قرابة الآلاف من الحكايات لم نتمكن من سماعها من قبل أصحابها الذي أطبق عليهم الموت من كل الجهات، وهي حكايات لو رويت لكانت أغرب ما سمعنا في حياتنا، أو عن ماذا نتحدث؟ عن العناق الأخير بين الأب وأبنائه؟ ومن طفل ناج إلى أطفال عالقين؟ أو من شاب وجد 11 شخصاً من أهله كلهم جثثاً هامدة ينامون بسكينة أمامه؟ أو أم مذعورة لم تجد سوى إلقاء أطفالها من النافذة على أرض غير صلبة كوسيلة لنجاتهم؟
ثلاثون ثانية كانت كفيلة بأن تخلف وراءها الكثير من الضحايا والدمار والقصص المروعة، ثلاثون ثانية كانت كفيلة بإحداث زلازل نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية ستستمر لفترات قادمة طويلة، إذ يصعب على من قضى تحت الركام أياماً طويلة أن يمسح عن مرآته الداخلية أثار ما حدث، كما أن فقدان الأحبة وتمزق أواصر العائلات ودمار المدن سيؤدي إلى إعادة تركيب التوليفة المجتمعية واتخاذ أشكال أخرى من التعايش.