زمن البكاء حل .. أم زمن الطوفان؟!

 

بوحشية صادمة، واستفزاز بشع، واستهانة إلى حدودها القصوى، أخذت الجرافات الإسرائيلية تمزق مبنى فندق (شيبرد) في القدس الشرقية، القدس الشريف، إلى أشلاء، وتحوله إلى ركام، وهذا الركام تحمله الشاحنات الإسرائيلية الضخمة بعيداً، استعداداً لإقامة مئة وعشرين وحدة استيطانية جديدة، فوق أشلاء الحق وفوق رماد الذاكرة.

 


فندق شيبرد، هو جزء من ذاكرة القدس، من وقف آل الحسيني، وآآآآه ياقدس، كان يملكه الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وفلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا، وكان مقراً له في مرحلة ما، استخدمه البريطانيون مقراً لقيادتهم، وعندما انسحبوا من فلسطين تمهيداً لقيام دولة إسرائيل، فإن السلطات الإسرائيلية استولت عليه ضمن مصلحة أملاك الغائبين، التي باعته بدورها للمتمول والناشط اليهودي الشهير «إرفين مسكوفيتش» المنهمك حتى الأعماق في إعادة بناء أسطورة الهيكل الثالث، والذي قدم للقدس حتى تصبح يهودية ستة عشر مليار دولار حتى الآن – المليار ونصف المليار مسلم الموجودون في سبع وخمسين دولة إسلامية، وفي آلاف من الأحزاب والحرات الإسلامية، لا يقارن جهدهم كله بجزء ضئيل مما قدمه «إرفين مسكوفيتش»، ومع ذلك فلم نسمعه مرّة واحدة يصرخ بالشعارات البلهاء الهستيرية التي نسمعها من دولنا وأحزابنا وحركاتنا الإسلامية - ؟؟؟

 


المهم أنه رداً على مشهد الجرافات وهي تمزق جسد فندق شيبرد، وتحوله إلى أشلاء وركام وغبار، فإن ردود الأفعال العربية والإسلامية لم تخرج حتى على مستوى الكلام المجاني عما قيل سابقاً عند احتلال القدس، وعند إحراق المسجد الأقصى، وعند ارتكاب مجزرة الحرم، وعند حفريات حي المغاربة، وبناء الأنفاق تحت الأقصى، وإنشاء الحديقة التوراتية، وارتفاع الكنس اليهودية لتكون أعلى من قبة الصخرة، وبقية اليوميات المقدسية الحزينة!!!

 


الكلمات هي نفسها بلا زيادة ولا نقصان، بل أكاد أجزم أنه لو قام المقدسيون بالدعوة غداً أو بعد غدٍ إلى لقاء ثقافي أو فني أو سياسي، يعقد في القدس ويحضره العرب والمسلمون، فسوف نسمع تلك الأصوات المحشوة بالوهم والغش والخداع تصرخ وعيونها جاحظة قائلة لا لن نأتي ولن نشارك، فنحن ضد التطبيع!!!

 


نحن ممانعون!!!
وكأن الممانعة في هذا الزمن العربي الإسلامي البائس تعني شيئاً واحداً ووحيداً فقط وهو ترك القدس وحيدة، وحيدة تماماً يذبح الاحتلال جسدها، ويخنق روحها، ويطمس ذاكرتها، ويسفك دمها، ولا تفعل هذه الأمة شيئاً سوى تلاوة آيات مكررات من النسيان والنكران والخذلان.

 


آآآآآآه يا قدس، أيتها النبية المشبوحة بين حدي العجز والمستحيل، تتوجعين، تنادين بأعلى صوتك، ولن يضيع صوتك السماوي في صخب خلافاتنا المفتعلة!!!
ومصمصات العظام التي ترمى لنا فننحر بعضنا قتالاً عليها!!!
وضجيج الانقسام الفلسطيني الأجوف الذي أصبح يعبد من مريديه كإله وحيد!!!
آآآآآآه يا قدس،
وتنظرين بعيني المغبشتين بالدماء والدموع وترين المشهد فتعرفين أنك وحيدة، من ذا الذي سيأتي إليك؟؟؟
هل سينصرك الذين أضاعوا السودان واقتطعوا من لحمه مساحة أكبر من مساحة فرنسا وألمانيا ومازالوا يعتقدون أنهم على حق؟؟؟
أم لبنان الذي ينتظر الحكم على نفسه بالإعدام؟؟؟
أم العراق واليمن وثورات الخبز والبطالة في الجزائر وتونس؟؟؟
أم انعدام المصير في الصومال، أم حديث الفتنة الملعونة هنا وهناك؟؟؟
يا قدسُ،
يا مدينة الإله،
قومي إلى الصلاة،
هل نحيب البكاء هذا الذي أسمعه يمور تحت طبقات الوجع، أم أنه فوران الغضب في مفاصل الوجع ينذر بالطوفان؟؟؟

 

يحيى رباح - الحياة الجديدة