سألتك حبيبـــــــي ...

 

هيــام حموي. البعث

 

في لحظة نادرة من الصفاء الذهني، ووسط ضجيج كل ما يجري، وفيما الليل داكن أو بالأحرى “ساكن” على حد قول جبران خليل جبران، واللحظة تلاحق لحظات أخرى لا تغمض فيها العين، لحظات لا نديم فيها سوى السقف، السقف الوحيد المتوفر، والمقصود طبعاً سقف الغرفة...

 

في لحظة كهذه، يفتح الفضول صندوق أسرار الأسئلة المحيّرة الكثيرة، وأحد هذه الأسئلة مؤجل في جوابه منذ أكثر من عقد من الزمن، وربما طرحه البعض في هذيان المنطق، ومفاد السؤال أننا نحن اليوم، في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبعد مرور عشر سنوات على حكاية البرجين الشهيرين اللذين سقطا هناك، أمام عيني السيدة الحجرية الشهيرة، حاملة المشعل الذي تتأجج في أعلى قمته شعلة يفترض أنها رمز للحرية،(ولم يرف لها جفن بالمناسبة!!!)،

 نعم نحن اليوم نشاهد على شاشات الوسائل الإعلامية المختلفة صوراً ملتقطة بأجهزة كاميرات يفترض أنها أكثر تطوراً مما كانت عليه قبل عشر سنوات، أو بهواتف نقالة آخر موديل، ألا يحق لنا أن نتساءل لماذا تعرض لنا هذه الشاشات صوراً تؤذي البصر تقنياً، صوراً مهتزة ومشوشة، سيئة الألوان والدقة، (ولا نتحدث عن مضمون هذه الصور)، تداهمنا الأسئلة ونحن نسترجع بالذاكرة جمالية الصورة التي التقطتها، هكذا قالوا، عدسة كاميرا لأحد هواة التصوير المحظوظين...

 


في ذلك اليوم العتيد من آخر أيام الصيفية، وكان يوم ثلاثاء، كان المذكور غافياً حين همس له شيطان الشعر أو بالأحرى “شيطان فن التصوير” بأن استيقظ وجهّز عدستك لتكون في الزاوية الأنسب ولتلتقط، أنت بالذات،  أيها المولع بجمالية الصورة، مجموعة الصور التي ستخلّد اللحظة الحاسمة التي سيجتاز فيها التاريخ بوابة الجنون، وسيضع قدمه على أولى درجات السلم المؤدي إلى حيث ينتظره وحش العنف الدموي الذي لا يرتوي ...

قام “الفنان هاوي التصوير” من سريره ولعله توجه إلى المطبخ وأعدّ كوب قهوته بتؤدة، تلذّذ بالرشفات الأولى، ثم ترك الكوب على زاوية الطاولة وأخرج الكاميرا الفاخرة من الحقيبة الخاصة بها، وتردّد قليلاً  قبل أن يقع اختياره على العدسة الأنسب للمسافة التي استطاع تقديرها بشكل سليم، ثم ثبّت الكاميرا على قاعدتها، أشعل سيجارة أخرى، ثم تأمل حوله وانتقى الزاوية الأكثر ملاءمة، تلك التي تمكّنه من التقاط البرجين معاً، ثم...

 


ثم أشعل سيجارة أخرى، ورشف من قهوته مجدداً، نظر إلى ساعته، الثامنة وأربعين دقيقة، انتظر خمس دقائق، وضغط على الزر ليبدأ التصوير، لم يطل به الأمر، في الدقيقة التالية، السادسة والأربعين كانت الطائرة قد اقتربت من البرج، طبعاً لم يسمع هديرها بسبب بعد المسافة، لكنه رآها تخترق المبنى واتسعت عيناه دهشة أمام مشهد النيران التي اندلعت على الفور وكمية الدخان المتصاعد، لكنه لم يستطع أن يمنع تسارع دقات قلبه عندما خيُّل إليه أنه رأى وجهاً ينظر إليه، وكأنه يتأمله هو بالذات، أو حتى فكّر بأن الوجه يلقي عليه بتحية متواطئة. فرك عينيه وعاد ليحملق في الدخان، لكن ملامح الوجه تبددت واختفت..

 


 

بقية الحكاية غير مؤكدة، لكنه على الأغلب باع الصور لفضائيات عدّة، وظلت القنوات تعرضها مرّات ومرّات... امتلأ حسابه المصرفي بأرقام ذات أصفار كثيرة تعادل الملايين من الأوراق الخضراء الشهيرة، استقال من شركة الإنتاج الهوليودية التي كان فيها مخرجاً موهوباً ولكنه بدأ يشعر بالملل لكثرة ما قدم أفلاماً يتشابه فيها العنف، ويفوز فيها باستمرار الرجل الأبيض على الرجل الملوّن.

 


ربما اشترى جزيرة نائية جهّزها بأحدث وسائل الرفاهية والاتصال، بما فيها الانترنت، لكنه لم يبتسم، لا بل شعر بقشعريرة رعب، يوم قرأ في تعليقات متصفحي الانترنت أنهم تبينوا صورة للشيطان/ إبليس شخصياً، يبتسم وسط الدخان الكثيف، من خلال الصور التي التقطها هو، وباعها من دون توقيع...


ما زال السقف هنا، لكن في لحظة الصفاء النادرة هذه، “سألتك حبيبي”، إلى أي حد تؤمن بنظرية المؤامرة، وبودي، حبيبي، أن أسألك أيضاً، برأيك من هو واضع المؤامرة؟؟؟!!!!