سائق القذافي: لم ار خوفا في عيني العقيد

شاهد نصر رب عمله الذي خدمه لمدة 30 عاما آخر مرة واقفا بين أنقاض سرت مرتبكا، في الوقت الذي انفتحت فيه أبواب الجحيم من حوله.
وأضاف نصر متذكرا اللحظات التي سبقت القبض على معمر القذافي الأسبوع الماضي: "كل شيء كان يتفجر. كان الثوار يتقدمون نحونا. لم يكن خائفا، لكنه بدا وكأنه لا يعرف ماذا يفعل. كانت المرة الوحيدة التي أراه فيها هكذا".
ثم، بعد ثوان، أنهى الثوار الهائجون آخر وقفة للقذافي، واقتحموا الحي المدمر في مسقط رأسه، المدينة التي كانت ايضا ملاذه الأخير.
بعد دقائق رفع يديه مستسلما مع اقتراب الثوار مشهرين اسلحتهم. طرحوه على الأرض بعقب بندقية، ما ادى إلى كدمة سوداء حول عينه اليسرى. كان القذافي يجر من أنبوب لتصريف المياه قبل سقوط نصر. وقد ألقى نظرة أخيرة على سيده الذي احاط به الثوار. ثم انهالت الضربات عليهما معا.
الآن، بعد أسبوع، يبدو أن نصر ومنصور ضو رئيس جهاز أمن الدكتاتور القتيل هما العضوان الوحيدان على قيد الحياة من حرس القذافي القديم اللذان يستطيعان تقديم شهادة عن الأيام الأخيرة العصيبة.
قال نصر من زنزانته الموقتة داخل ثكنة عسكرية في مصراتة: "إذا كان أحد من الكوادر المقربة ما زال حيا، فلا أعرف أين هم أو ما حدث لهم". وادت المعركة في سرت إلى صمم في أذنه اليمنى، وكان يمد جسمه إلى الأمام بقلق ليتمكن من سماع الأسئلة. وأضاف: "بقيتهم ربما يكونون في مكان ما في قبضة الثوار، أو ربما ماتوا".
وفي الوقت الذي ظهر فيه ما يشبه النظام بعد أسبوع مضطرب بالنسبة الى الثوار في مصراتة والموالين المقهورين من اتباع القذافي، تتبلور الصورة عن دكتاتور كان إما متحديا أو في حالة إنكار كامل- وليس هناك أحد متأكد من أي منهما- حتى وفاته المرعبة في سرت.
قال نصر إنه أمضى الايام الخمسة الاخيرة من الحصار مع القذافي، متنقلا من بيت إلى بيت لتفادي المقاتلين الذين انتشروا في المنطقة الثانية وضربوها بالمتفجرات والرصاص.
قال نصر، الذي هو في أواسط الستينات من العمر، وهو لا يزال يرتدي نفس القميص القرمزي الملوث بالدم الذي كان يرتديه عند القبض عليه يوم الخميس الماضي عندما قتل القذافي، إن سيده السابق لم يكن يستوعب ما كان يحدث من حوله.
وأضاف :"كان غريبا. دائما يقف جامدا ويتطلع نحو الغرب. لم ألاحظ عليه الخوف".
واستطرد: "عملت معه 30 عاما وأقسم بالله أنني لم أر أي سلوك سيء من جانبه. كان دائما مجرد رب العمل. عاملني جيدا". وأوضح أنه كان يتلقى راتبا شهريا قدره 800 دينار ليبي (300 دولار).
ومثل كثيرين من أفراد الدائرة المقربة من الطاغية، ينتمي نصر إلى قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها القذافي. ولم يكن من المحتمل أن يحصل نصر على مكان بجانب سيده خلال أيامه الاخيرة لولا كونه يحمل اسم القبيلة والعقود التي أمضاها في خدمته. وتخلى الجميع تقريبا عن القذافي حتى اولئك الذين عزز نفوذهم وكثير ممن ظلوا معه كان لديهم ما يخسرونه إذا اعترفوا بالانهيار الحتمي للنظام.
وقد عايش نصر الشهور الأخيرة اليائسة من خلال منظور أكثر بساطة. فهو يقول: "صدقتهم عندما قالوا إنهم يحاربون أشرارا". بل إنه حافظ على ولائه عندما طلبوا منه التقاعد من الخدمة في آذار (مارس) الماضي. وأضاف: "طلبوا مني أن انهي خدمتي يوم 17 آذار (مارس) وعدت إلى سرت". وذكر انه لم يشاهد القذافي من جديد إلا في شهر أيلول (سبتمبر) بعد أن غادر القذافي طرابلس مع أربعة رجال آخرين- منصور ضو ومحمد فحيمة (السائق الذي حل محله) وعز الدين شيرة (مسؤول أمني) وعبد الله خميس.
وتحفظ نصر حول الوقت الذي عرف فيه أن سيده كان في سرت. وقال إن ذلك حدث يوم 10 تشرين الأول (أكتوبر)، لكن معظم من تبقوا من الدائرة القريبة كانوا يشكلون الحراسة الوقائية قبل أسابيع.
وأضاف نصر وعيناه السوداوان الغائرتان تدوران عميقا في محجريهما: "نقلتني إحدى الدوريات وجلبوني إلى هنا. لم يكن لدي أي شيء قط ضد الثوار". وارتسمت ابتسامة واسعة متشككة على وجه الحارس الشاب الموجود في الغرفة.
خلال الساعات الاولى من يوم الثلاثاء ألقي بحارس القذافي المخلص في مؤخرة عربة، واقتادوه لمسافة بعيدة في الصحراء مع حفنة من الرجال الآخرين. وشاهد سيده يتم إنزاله في قبر لا تدل عليه اي علامة ويغطى بالرمال. كان مصيرا لم يتوقعه نصر للرجل الذي خدمه ثلاثة عقود. اما ماذا سيكون مصير نصر نفسه فأمر غير معروف.
مارتن تشولوف - THE GUARDIAN