سانا: مسارح المحافظات في سورية مائدة إبداعية مفتوحة

 

تشكل الحركة المسرحية في المحافظات السورية ملمحاً من ملامح الحياة الثقافية التي تدأب دوماً على تعزيز مفاهيم تنويرية غاية في الحداثة والاشتباك مع مفردات الواقع المحلي سواء على مستوى النص أو الإخراج أو التمثيل حيث تضم فرق المسرح في كل من حمص والسويداء والحسكة وطرطوس واللاذقية وحلب خيرة فناني المسرح السوري الذين قدموا تحفاً إبداعية على خشبات القطر متجاوزين ضعف الإمكانيات المتاحة متغلبين على ذلك بالعمل والجهد والإيمان بقيمة ودور فن الخشبة في حياة الناس وراهنيتها في تعزيز وعي وطني حمل على عاتقه رسالة حضارية غاية في الجدة والأهمية على صعيد الطرح الفني.

ويعد /مصرع الباغي الوخيم/ من أوائل عروض مسرح الحسكة في ثلاثينيات القرن الماضي قام به مجموعة من الشباب المتحمس للمسرح إضافة إلى شبان من فرقة مسرح الكنيسة قدموه في مقاهٍ عدة منها /توما/ و/أنيس/ و/أجدان مراد/ نجح نجاحاً كبيراً جعل المحتل الفرنسي آنذاك يمنع تقديم العرض الثاني الذي كان يتم التدرب عليه بعنوان /فتح صقلية/ إذ كان هذا النشاط المسرحي في الجزيرة السورية العليا كنوع من المقاومة للاحتلال فضلاً عن أن مسرحيي الحسكة استفادوا من الطقوس الاجتماعية اليومية في المقاهي كمكان جيد للتواصل مع الجمهور إضافة إلى بعض المسرحيات التي كانت قدمت من قبل النوادي الرياضية والجمعيات الثقافية والأدبية إلى جانب نشاطاتها الأساسية.

وعلى الرغم من أن نشاط المسرح الحسكاوي كان على أوجه في تلك الفترة إلا أن أغلب المسرحيات كانت فكاهية أو وطنية بما يلبي حاجات جمهورها الشعبي لتتضمن بمعظمها محاولات إخراجية بأساليب بسيطة إلى أن جاء الفنان الراحل /فؤاد الراشد/ ليقدم أول مفهوم حقيقي للإخراج في تلك الفترة واضعاً تحت إدارته مجموعة من الممثلين المتميزين أمثال /عصام المانع /فيصل الراشد/ فيصل بريجان/ بكري الحصري/… فيما كان لكل من /عدنان البوش ومروان النحاس/ فضل كبير للتألق المسرحي في تلك المحافظة عبر مساهماتهما في التأليف والإخراج والتمثيل كما كان لجهود /غزال الشرف وهيثم ضويحي/ دور في رعاية الحركة من خلال مسؤوليتهما الطلابية.

ويقول المخرج المسرحي فيصل الراشد مدير المسرح القومي بالحسكة إن النشاط المسرحي في الجزيرة السورية استمر بعد الخمسينيات بطابعه التجريبي لتجذير أسسه بما يزيد على الأربعة عقود حتى بداية الثمانينيات حيث يمكن وصف تلك المرحلة بمرحلة النضوج والانطلاق خارج حدود المحافظة وذلك ضمن تعددية الفرق المسرحية مثل فرقة المركز الثقافي وفرقة الشبيبة وفرقة العمال مما أدى بدوره إلى تعدد الأساليب الإخراجية وتميزها لمخرجين تركوا بصماتهم على مسرح تلك الفترة إضافة إلى ظهور مجموعة من المخرجين الشباب مثل /عبد الصمد النزال حمدوش ويونس خلف وخليل اقطيني وغيرهم فضلاً عن المشاركة المميزة للممثلين ولاسيما على صعيد العنصر النسائي في أغلب العروض المسرحية.

20111127-220917.jpg

ويضيف الراشد إن مسرح الحسكة تميز بتوجهه نحو نصوص متنوعة من روائع المسرح العالمي مروراً بالأدب العربي والمحلي والابتعاد عن المسرحيات ذات الفصل الواحد فضلاً عن الظهور القوي لمسرح الطفل حيث اعتمدت عروض المسرح في الجزيرة السورية على مبدأ المسرح الفقير مجسدةً محترفاتها الصغيرة برمزية الفعل الثقافي وديمومته في وعي الجمهور.

ويوضح الراشد أنه بحلول عام 1982 كانت أبرز الوجوه المسرحية قد تركت محافظة الحسكة وسافرت خارج القطر و بمحاولة إعادة الروح لمسارح الحسكة ففي عام 1983 قام المخرج الشاب /إسماعيل خلف/ بتأسيس فرقة أسماها المسرح الجوال وكانت الفرقة تقدم عروضها في القرى التابعة لمدينة الحسكة حيث تم تخصيص غرفتين كمقر للفرقة و قد جالت الفرقة /32/ قرية وقدمت عروضها في ساحات المدارس أو ساحات القرى إضافة إلى تقديم عروضها في مدارس مدينة الحسكة والمركز الثقافي.

وبقي وضع المسرح في محافظة الحسكة على حاله إلى أن قامت مديرية ثقافة الحسكة عام 2006 بإطلاق مهرجان ثقافي مسرحي كبادرة لتنشيط المسرح عبر وضع العروض الحسكاوية إلى جانب عروض بقية المحافظات لخلق جو من المنافسة بينها بغية تحقيق إمكانية تقديم تلك العروض في أغلب المحافظات السورية ليراها أكبر عدد ممكن من متابعي ونقاد المسرح مما أعطى المهرجان صفة الشمولية فضلاً عن دوره الهام في تقديم فعاليات على جانب العروض كالندوات والسهرات المسرحية والحفلات الموسيقية وتكريمه لفنانين كان لهم أيادٍ بيضاء في تعزيز مسيرة أبو الفنون في الجزيرة السورية.

وحاولت العديد من التجمعات الشبابية فرض نفسها وإيجاد موقعها على الخارطة المسرحية السورية فاستطاع بعضها أن يبرهن على وجود طاقات وخامات مسرحية تبحث عن قليل من الضوء لتكون حاضرة وفعالة في النشاط المسرحي السوري حيث استطاعت الحالة المسرحية التي وجدت في مدينة مصياف أن تقدم نفسها كواحدة من التجارب الصادقة التي برهنت على أهمية المسرح ودوره في تفعيل دور المدن الصغيرة وأهميته في دفع عجلة المسرح السوري إلى الأمام من جهة ودوره كأداة ناجعة في عمليتي التنمية ونشر الثقافة في البلدات والقرى النائية من جهة ثانية.

وشكلت فرقة /صدى/ بمنطقة مصياف التي تأسست عام 1997 ظاهرة فنية لافتة على مستوى مسارح المحافظات حيث قدمت هذه المجموعة مسرحية /صدى في مملكة الصمت/ العرض المأخوذ عن مجموعة نصوص للكاتب سعد لله ونوس أخرجها وقتذاك الفنان الشاب عصام الراشد المخرج الذي عاد ليقدم مسرحية /حكي السرايا/ عام 2001 كعرض يحاكي فترة الاحتلال الفرنسي في سورية مقدماً باللهجة المحكية ليكون العمل قريباً من المتلقي ملامساً لبيئته وليحتفي جمهور هذه المدينة بعمل للكاتب الراحل /ممدوح عدوان/ حيث عملت /صدى/ للسبب نفسه على تقديم رقصات فولكلورية وأغانٍ شعبية بالإضافة إلى اهتمام بارز بأن تكون سينواغرافيا العرض بكل تفاصيلها مستوحاة من تراث مصياف كوجود التنور والنول والأزياء الشعبية.

كما تأسيس مهرجان مصياف المسرحي كحاجة ملحة عند مسرحيي ريف حماة رغبةً منهم في التواصل والتلاقح مع التجارب المسرحية في المحافظات الأخرى لتكون مصياف المدينة السورية الأولى التي تمتلك مهرجاناً مسرحياً خاصاً بها بكل ما تعنيه كلمة مهرجان من معنى كونها احتفالية تفاعلية بين الجمهور وبين ما يقدم على المنصة لتقدم /صدى/ في الدورة الأولى من المهرجان عام 2002 مسرحية /حريق الروح.. حريق اللون/ للكاتب محمد قارصلي العمل الذي تحدث عن حياة الفنان التشكيلي الراحل لؤي كيالي مستعرضاً بشكل دقيق مرحلة النكسة وانعكاساتها على المثقف العربي السوري مبرهناً على امتلاك الفرقة لطاقات فنية متنوعة ووفق صياغة بصرية مختلفة من خلال تقديم العديد من الرقصات التعبيرية والمشهديات المكثفة.

وتمكن مسرحيو مصياف عبر فرقتهم ومهرجانهم السنوي من مخاطبة الجمهور بكافة فئاته العمرية فكانت هنالك عروض للأطفال على نحو.. / اللمسة الذهبية، الملك فانوس/ وللفتيان أخرج الفنان عروة نعوف /آخر الحكايا/ و/أجمل رجل غريق في العالم/ وفي ذلك يقول المخرج عصام الراشد ../ إن الطقس المسرحي الذي خلقته فرقة /صدى/ ومهرجانها كان عبارة عن صرخة من العاملين في مسارح الهواة كافة لتدليل بأن هناك مواهب وجمهوراً متعطشاً للمسرح ليكون هناك خطوات عملية أكثر ايجابية للنهوض بالحركة المسرحية خارج العاصمة فمهرجان مصياف يوحي بالكثير من الخطوات التي من المفترض أن تتخذ للعمل لكسر احتكار المدن الكبرى للأنشطة الثقافية وتعزيز تربية جمالية لجمهور يعتبر المسرح برلماناً شعبياً واسع الخيارات بامتياز.

20111127-220949.jpg

وبالمقابل كان لمهرجان محمد الماغوط المسرحي دور جوهري في مهرجانات المدن الصغرى ليؤكد في مسيرته على تقديم كل جديد لجمهور مدينة سلمية حيث شكلت فرقة /كور الزهور المسرحية/ مع مخرجها الفنان مولود داؤود حالة لافتة على الخشبة السورية المعاصرة قدمت من خلالها العديد من الأعمال المعقولة فنياً إذ اختار اختار مدير /كور الزهور/ أن يقدم عروضاً عربية التأليف والهم كان أهمها /كوميديا الأيام السبعة/عن نص للكاتب العراقي /علي عبد النبي الزيدي/.

بدورها عملت فرقة عمال حمص منذ تأسيسها عام 1973 بإدارة المخرج فرحان بلبل على أن تكون بمثابة ظاهرة فنية اجتماعية حمل أحلامها عمال الغزل والنسيج والكونسروة من خطوط الإنتاج في مصانعهم إلى مسارح المحافظات والعاصمة السورية منتصف سبعينيات القرن الفائت فكان صدى هذا النوع من التكتل الثقافي بمعناه الإنتاجي و الإبداعي عالياً حتى خارج مسارح الوطن وداخلها على حدٍ سواء شكلت فيما بعد ما يمكن تسميته بالأيام الخوالي من تاريخ المسرح السوري تجلت في رحلات فرقة عمال حمص إلى أقاصي البلاد لتقديم المسرح في حقول رميلان والجبسي وأبعد القرى في الريف السوري.

ورفع مسرح العمال منذ تأسيسه شعاراته كمسرح للبسطاء وعامة الناس في وجه مسرح برجوازي نخبوي لا يعترف بحق الجماهير الكادحة بالدخول إلى صالات العرض ومشاركتها في ميادين الثقافة لتعمل فرقة/عمال حمص/ مع مسرح الاتحاد الوطني للطلبة ومسارح الشبيبة على تعزيز دور المسرح في الحياة السورية المعاصرة.

وعن مهرجان العمال قال فرحان بلبل في حديث لوكالة سانا إن ثمانية وثلاثين عاماً من العمل في مسرح العمال خلال فرقة عمال حمص التي كتبت وأخرجت لها ما يقارب الأربعين عرضاً مسرحياً كان له كبير الأثر على حركة المسرحيين العمال ليس في سورية فقط بل في الوطن العربي الذين استفادوا من التجربة المسرحية العمالية من خلال ذهاب فرقة المسرح العمالي في حمص إلى الجمهور في أماكن تواجده وعدم انتظارها للمتفرجين ليأتوا إليها في أماكن العرض التقليدي.

وأضاف بلبل إن فرقة مسرح عمال حمص كان له دور الريادة في مجال الكتابة والإخراج لمسرح الطفل في سورية منذ عام 1979 فهو أول من وضع الأبحاث النظرية عن هذا المسرح حيث امتدت تجربة /عمال حمص/ على مدى سنوات طوال من العمل لوضع المفاهيم النظرية لهذا المسرح انطلاقاً من أن تراث إنساني وضع بين أيدينا ويمكن أن نقدم منه ما نشاء على أن يتم من وجهة نظر الطبقة العاملة في الانتصار للخير والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ولطالما كانت المهرجانات المسرحية الشبيبية رافداً هاماً وأساسياً من روافد الحركة الفنية السورية كشكل قادر على تطوير مواهب الشباب الفنية عملت عليها منظمة اتحاد الشبيبة موظفةً إمكانية الاستفادة من البنى التحتية المتوفرة لاستيعاب ذلك الحراك الفتي الذي يبحث دوماً عن منابر تحتويه حيث تعتبر مهرجانات مسرح شبيبة المحافظات من أكثر تظاهرات الشباب السوري حضوراً في الحياة الفنية الإبداعية وفي هذا يقول الفنان يوسف المقبل.. تنقسم عروض المهرجانات الشبيبية للمسرح إلى شريحتين عمريتين الأولى لما دون الثامنة عشرة في حين يمكن للشريحة الثانية أن تضم فئات عمرية أكبر وهذا أمر منطقي وموضوعي نتيجة التفاوت في الخبرة بين الشريحتين حيث لأفراد الشريحة الثانية من الممثلين مشاركات سابقة عديدة ولهذا جرى هذا التقسيم كي تنال كل شريحة حقها أثناء عملية التقييم.

20111127-221021.jpg

ويضيف المقبل الذي يشغل مدير المسرح الشبيبي في إتحاد الشبيبة إن الشيء الذي يستوجب التنويه إليه في مهرجانات الشبيبة ككل هو تفوق العنصر الشاب الذي غلب حضوره في جميع العروض من ممثلين ومخرجين مع التذكير بأن جميع المشاركين هم من الهواة حصراً حيث يسجل أيضاً بروز مواهب تمتلك رؤى فنية متميزة على صعيد الإخراج وأخرى لديها إمكانيات جيدة على مستوى التمثيل.

ويوضح المقبل أن مهرجانات مسرح الشبيبة سواء في العاصمة أو المحافظات يحتاج اليوم إلى أن يرافق متخصصون مسرحيون الفرق المشاركة في العروض المسرحية للإشراف على سير دورة العمل بالإضافة إلى تشكيل لجنة متخصصة لاختيار النصوص المسرحية المناسبة والصالحة لأن تكون عرضاً مسرحياً لترشيح المتميزين من الممثلين والمخرجين و لمرافقة الفرق لحضور المهرجانات المسرحية العربية والدولية للاستفادة منها من أجل إقامة تظاهرة مسرحية للعروض المتميزة من الشريحتين العمريتين بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا.

وقال المقبل إن من الضروري اليوم إقامة ورش عمل للممثلين والمخرجين المشاركين في مهرجانات الشبيبة إضافةً لإقامة ملتقى مشترك بين وزارة التربية وقيادة اتحاد شبيبة الثورة وبمشاركة متخصصين في المسرح لمناقشة أمور تتعلق بمستقبل المسرح الشبيبي من خلال تقديم جوائز مادية للعروض والمبدعين الفائزين من أجل تحفيزهم وللارتقاء بالعروض المسرحية.

وكان لافتتاح مهرجان المسرح المدرسي الأول في 21 شباط الماضي بمدينة دمشق إعلاناً لبدء أسس جديدة انتهجت مؤخراً واعتمدت من وزارة التربية للاهتمام بمسارح المحافظات ورفدها بكوادر مدربة ومؤهلة ليستمر المهرجان ثلاثة أيام في العاصمة منتقلاً بعدها إلى المحافظات السورية بغية كسر احتكار مسارح العاصمة للأنشطة الفنية المدرسية إذ ضم المهرجان فعاليات الرقص الشعبي والغناء والعزف والمسرح فرغم بساطة أفكار العروض المسرحية التي استمدت في الغالب من مناهج دراسية لدى هؤلاء التلاميذ الصغار إلا أنها حملت في مضامينها قيماً تربويةً مهمةً كالحفاظ على البيئة وأهمية المطالعة والتواضع وغيرها.

واعتبر سيمون خوري مدير المسرح المدرسي الأول أن وزارة التربية سعت لتنشيط وتطوير المسرح المدرسي وتفعيله من خلال لجان تكتشف المواهب في جميع مدارس سورية بالتعاون مع وزارة الثقافة والمسرح القومي ومسرح الطفل ونقابة الفنانين من خلال بناء خطة مشتركة بحاجة للقليل من الوقت لبلورتها بشكل نهائي أما أبرز الصعوبات فتختصر بعدم إدراك الأهالي لأهمية المسرح وتكامل الفن مع العلم والدراسة والاعتقاد السائد أن المسرح يبعد الطفل عن إكمال تعليمه إضافة إلى الصعوبات المالية باعتبار أن تنشيط المسرح لم يكن ضمن خطة هذا العام لكنه وضع في الخطة الخمسية لرصد ميزانية أكبر مستقبلاً.

وأضاف خوري أن الاهتمام مؤخراً بالمسرح المدرسي استطاع الكشف عن طاقات كبيرة تحتاج إلى تطوير عبر رصدها لتصب في الاتجاه الصحيح فرغم وجهة النظر السائدة عند بعض أهالي الطلاب حول التأثير السلبي للنشاطات المدرسية الترفيهية كالموسيقا والفنون الجميلة والمسرح على مجمل التحصيل الدراسي للطفل إلا أن الواقع دحض هذا الاعتقاد باعتبار أن أغلب الطلاب ممن يمارسون هواياتهم بشكل صحيح هم من حقق نتائج تحصيلية عالية.

وتفتقد مهرجانات المحافظات المسرحية على اختلاف مشاربها الثقافية والإدارية والأهلية إلى فكرة مهرجان مسرحي خاص ومستقل يوحدها على الساحة المسرحية والثقافية السورية فمع هذه الخطوة ثمة هواجس لحراك مسرحي مختلف تبرهن عليه شواهد على حركة بطيئة ومتعثرة وتجريبية أيضاً تطبع بطابعها آلية عمل المؤسسات المشرفة على هذا الحراك التي من المفترض أن تكون قد حملت في جعبتها إيجابيات وسلبيات الدورات المهرجانية السابقة واستفادت منها فحماس الهواة واجتهادهم وخبرة المخضرمين وتجاربهم ينبغي لها أن تنتج أشكالاً راقيةً من العمل المسرحي وخاصةً أن هناك توجهاً رسمياً بدعم هكذا نشاطات خارج مظلة المؤسسات المسرحية الرسمية مما يعني ضرورة أن تكون أي محطة مهرجانية جديدة بمستوى الطموحات والرغبات، التي تعول على جيل يحب المسرح ويتفانى في خدمته.

20111127-221052.jpg

وتميزت فترة السبعينيات في محافظة حلب بنشاط لفرقة المسرح العمالي 1976حيث قدمت هذه الفرقة أعمالها على مسرح دار الكتب الوطنية مفتتحةً باكورة أعمالها بمسرحية /موعد مع الفجر/ تأليف وإخراج /يوسف أبو السعد/ تبع ذلك نشاط جيد لفرقة المسرح الجامعي حيث تأسست الفرقة بجهود من طلاب جامعة حلب ومنهم /عبد الرحمن حمود/ خليل الرز/ نجم الدين سمان/ أمين الخطيب/ فائز أبو دان / حيث كان للمسرح العمالي والجامعي كبير الأثر في الحياة الثقافية الحلبية وسبباً رئيساً لبزوغ المسرح القومي الذي تأسس بالقرار الوزاري الصادر عن وزير الثقافة آنذاك سهيل الغزي بتاريخ 23 شباط 1976واتخذ مقراً له في مبنى المعهد الموسيقي في حي السبيل لينتقل في السبعينيات إلى شارع البارون وانتدب الأستاذ أحمد حداد مديراً له.

وكان لفرقة المسرح القومي بحلب دور كبير في إغناء الحركة المسرحية السورية عبر أعمال قدمها كلا من الفنانين.. /كركور كلش/ وإسكندر كيني/ وإيليا قجميني/ وحسين الإدلبي/ وليد إخلاصي وعبد الفتاح قلعجي ورضوان السالم وعمر حجو وآخرون مهدوا فيما بعد لتأسيس فرق مسرحية حلبية خاصة مثل فرقة المهندسين المتحدين1990وفرقة اتحاد الصحفيين 1992وفرقة أصدقاء مسرح الشوك 1995/.

وبدوره شكل مهرجان المونودراما السنوي في مدينة اللاذقية صورة البانورامية لمجموعة المقاربات المسرحية الفردية السورية وبمشاركة فرق من تونس والعراق والسعودية بأعمال اتسمت بتغيير الشرط المسرحي من عرض إلى آخر على مستويات البناء والمعالجة والسينوغرافيا حيث شكل التعبير والرؤية والإخراج والتمثيل والجمهور عبر تجارب إبداعية خاصة لفنانين سوريين وعرب وأجانب نمطاً من التظاهرات الفنية اللافتة تقاطعت مع بعضها البعض في توطيدها الواعي لنهج تجريبي صار بمثابة تقليد سنوي على شاطئ اللاذقية.

وقال الفنان ياسر دريباتي مدير مهرجان المونودراما إن المهرجان سعى منذ دورته الأولى لاحتضان التجارب المسرحية من مختلف المحافظات مصراً على أن يكون تظاهرة ثقافية جامعة ضمت ورشاً لتدريب الهواة من ممثلين ومخرجين وتقنيين على فنون الخشبة إضافةً إلى فعالية عربة المسرح التي انطلقت من عروض قدمها المهرجان في المقاهي الثقافية المنتشرة بكثرة في مدينة اللاذقية وطرطوس إضافةً لإقامة معارض الفن التشكيلي والنحت والتصوير الضوئي وإقامة الندوات المتخصصة بواقع المسرح السوري ولاسيما مسارح المحافظات حيث نتمنى أن نطور صيغة المهرجان من محلي إلى دولي لاستقطاب تجارب عالمية هامة على صعيد فن المونودراما.

ويعتبر كل من مهرجان الكوميديا وملامح أوغاريتية باللاذقية من المهرجانات التي عززت دور مسارح المحافظات دافعةً بالجهود والأنشطة وبفرق وتجمعات فنية خاصة وأهلية إلى واجهة العمل الثقافي في سورية عبر عشرات العروض والمقترحات الفنية التي تواصل تقديم مواهب وخبرات شبابية على مستوى المدن والبلدات والقرى كاسرةً مركزية الفعل الثقافي للعاصمة وسط حضور متصاعد من جمهور هذه الفرق والتجمعات الفنية.

بدوره تمكن مهرجانَ حماة المسرحي من أن يكون علامةً ثقافيةً فارقة في محافظة حماة تعاقبت على خشبته الكثير من الفرق المسرحية المحلية والعربية وشهد تطوراً ملحوظاً في الكم الكبير من الفرق المسرحية المشاركة فيه وهذا إن دل على شيءٍ فهو يدل على استمرارية المهرجان وتجدد شبابهِ، نتيجةَ الدعم الدائم الذي يلقاه من محافظة حماة وتحويله من فعالية سنوية إلى فعالية على طول أيام وشهور السنة لاستقطاب كافة المواهب والفرق الصاعدة في المحافظة.

 

سانا