سلمان: التعددية الحزبية المقوننة تجربة تستحق الخوض دون خوف

في الوقت الذي يشن فيه نواب سوريون «سابقون» هجومهم الحاد على «النظام وحلوله الأمنية» تحت مظلة اللقاء التشاوري بحثاً عن مقاعد مستقبلية خارج عباءة الدولة القديمة، يصوب نائب رئيس الحزب السوري القومي صفوان سلمان الجدل الدائر حيال التفاضل بين «الحل الأمني» و«الحل السياسي» لمصلحة كفة «المصلحة الوطنية» المعبرة عن مصلحة المواطن السوري، ووسط التجاذبات بين الحلين يرسي معادلة بسيطة قوامها «الاستقرار من لوازم الإصلاح وهذا التخيير بين طرفي الثنائية فيه تناقض كبير، وكأن هناك صراعاً دائراً بين حلول اسمها أمنية وأخرى اسمها سياسية، المطلوب هو حل وطني بكل استحقاقاته، وكل ماعدا ذلك هو شكل من أشكال تزييف المفاهيم.

ويستعين سلمان بالبندين الأولين من البيان الختامي للقاء التشاوري الأخير وقد كان عضواً في لجنة صياغته، الأول يحدد أن «الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى إنهاء الأزمة والثاني أن الاستقرار في البلاد ضرورة وطنية عليا وضمانة لتعميق الإصلاحات»، وعن نتائج اللقاء التشاوري يقول: «يجب أن ينظر لهذه التجربة باعتبارها مرحلة في سياق حوار متدرج ومن ثم ما صدر عنها هو توجهات تعكس مختلف الرؤى المطروحة وليس نتائج نهائية وثمة توصيات في البيان الختامي كاعتماد صناديق الاقتراع أساساً للتفويض السياسي وكذلك المراجعة الدستورية المتكاملة من شأنها أن توجد حلولاً لكثير من النقاط المثيرة».

 

أصل الصورة

نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي يستند إلى أكثر من ذلك في قراءته لمسودة مشروع قانون الأحزاب، وخاصة إذا ما نظرنا إلى جذور الحزب الضاربة في التاريخ السوري، رافضاً مساواة المشرع بين حزب وليد محدد الانتشار في رقعة الشام وحزب ممتد على كامل سورية الطبيعية سدد فاتورة باهظة مرتين في تاريخه، الأولى مع اغتيال الزعيم المؤسس أنطون سعادة في عام 1949، والثانية في 1955 مع اغتيال المالكي وما بينهما وبعد.. تاريخ من التنكيل والملاحقة لأفراد الحزب حتى انضوائه في بيت الجبهة، بتحفظ يعلن سلمان «لا يجوز التعامل مع حزبنا على أنه وليد أو جديد»، يضيف: «نحن نعمل على الساحة السورية وعلى امتداد الساحة القومية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولم نتوقف يوماً واحداً عن العمل رغم كل الظروف وعلى هذه الأرض أحزاب وقوى سياسية عريقة تعمل في المشهد السياسي الاجتماعي»، غير أنه يستدرك بدبلوماسية نافياً شبهة الفوقية عن تصريحه: «لا شك أن مشروع القانون جاء لقوننة الحياة السياسية السورية، لكن يجب ألا تكون الفلسفة المنتجة لمواد القانون قائمة على أن الحياة السياسية هذه تبدأ من نقطة الصفر فور تشريع القانون»، سلمان لا يتطرق إلى أثر هذه المادة على حزب آخر عريق في الحياة السياسية السورية كحزب البعث الذي «وفق القانون» يفترض أن تشمله الملاحظة الأخيرة الأمر الذي فات المشرع، ويكتفي سلمان بالتعقيب «هناك أحزاب تمارس دورها منذ ما قبل الاستقلال وأنا لا أتحدث فقط عن حزبنا، يجب ألا يتم إخضاع هذه الأحزاب لأحكام تحدث تناقضاً بنيوياً فيها بين حزب الفكرة وحزب التنظيم، وهي نقطة جوهرية تضع تياراً سياسياً عريقاً أمام مفترق طرق عليه أن يتكيف بحيث يوجد حلول، لأنه بذلك أصبح هناك تناقض بين حزب الفكرة وحزب العقيدة وحزب التنظيم الذي يجب أن يخضع لأحكام القانون».

ويتجنب سلمان الخوض في تفاصيل تبعات «نقطة الصفر أو لحظة إعلان القانون» مؤكدا «أن الحزب قادر على إيجاد الصيغ المناسبة للعمل السياسي بما لا يتناقض مع الدستور والنظام المركزي التسلسلي»، بتوصيف عام يردف «قانون الأحزاب يجب أن يؤسس على مفهوم علمي ديمقراطي عصري للأحزاب السياسية ويتوخى إصلاح الحياة السياسية وتعزيز المؤسسات السياسية ورفع مستوى العقل السياسي، ما يؤمن تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية في البلاد وأمن المجتمع والدولة»، يعقب على القاعدة الأخيرة قائلاً: «هذه يجب أن تكون إما في مقدمة القانون وإما أن تشكل فلسفته وبنيته»، ومنها ينطلق النائب للتصويب على نقاط أخرى ترتبط بحساسية المصطلحات ودقتها، فـ«لا يكفي بالتعريف القول إن الحزب كل تنظيم سياسي يؤسس وهدفه المشاركة بالحياة السياسية، نحن نرى أن الحزب قوامه فكر اجتماعي اقتصادي سياسي... ذو أغراض معلنة، وهو ما يذكر فيما بعد».

ولا يتخوف سلمان من الثغرة التي يفتحها القانون على الأحزاب القومية، مرتداً إلى ملحوظة في مسودة القانون تنص «على عدم قيام حزب على أساس ديني أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني على أساس التمييز بالجنس والعرق واللون، من ثم لا خوف من وجود أحزاب ذات مفعول تقسيمي، لأن المشرع سمح بالتأسيس على أساس القومية»، لافتاً إلى أن «منهم من يراها سورية ومنهم من يراها عربية»، اليوم الحزب قدم ملاحظاته على المشروع لأكثر من مرجع معني لتتم دراستها، ويكشف سلمان أن المسودة الأخيرة «هي خلاصة مجموعة مسودات، إضافة إلى المسودة الرئيسة الموضوعة منذ عدة سنوات لدى الدولة، عندها حدث حوار وأخذوا آراء درست في عدة مستويات حزبية وجبهوية».

 

لا أعراق ولا طوائف.. ولا توقعات مسبقة!

الحزب السوري الاجتماعي القومي في منظوره للدولة ينطلق من قواعد المدنية، يقول صفوان سلمان: «القانون يجب أن يقوم على اعتبار أن السوريين شعب واحد موحد المصالح والمصير هذه مسألة رئيسة يمكن الاشتقاق منها»، يضيف: «واعتبار السوريين أفراداً لا طوائف ولا أعراقاً متساويين بالحقوق والواجبات أمام القانون وحفظ الحقوق والحريات العامة، هذا يمكن أن يعد أساساً لعلاقة المواطن بالدولة، وأيضاً اعتبار العصبيات والحزبيات المذهبية والعرقية أمراضاً اجتماعية وسياسية يجب مكافحتها»، لافتاً إلى أنه «لا يكفي للقانون أن يكون حيادياً فقط وإنما أيضاً حماية الأحزاب نفسها من الممارسات العصبية والتقسيمية»، ولا يتخوف الحزب السوري القومي من خوض غمار المنافسة مع مختلف الأحزاب حتى وإن تسلل إلى بعضها من يحمل فكراً إخوانياً على شاكلة «حزب العدالة والتنمية التركي»، يقول سلمان: «بالمسودة كل القوى والأفراد لهم توصيل ملاحظاتهم سواء عبر الإعلام أم جلسات الحوار، ونحن لا نستطيع الحكم على القوى السياسية التي تستجد بالنيّات، يجب أن نحكم على النص والشروط التي على أساسها اكتسبت ترخيصها»، يستدرك: «أنا لا أقصد أي تنظيم محدد، وخاصة إذا انضوى مجموعة من المواطنين بحزب لا يتناقض بالأسس ولا بالممارسة في الحفاظ على وحدة المجتمع، ونحن بحالة صراع فكري وسلمي نبيل مع الجميع، فالمسألة لا تتعلق بالتخوف والإلغاء، لأن التعددية المقوننة تستحق خوض تجربتها والتخوف من آثار سلبية يعالج من خلال الحراك والتنافس الفكري السياسي والحكم على النتائج وليس النيّات»، ويحسم الحزب موقفه من التغيير أو التعديل الدستوري على ضوء «ضرورة ربط المراجعات الدستورية بما يضمن تناغم المشاريع الإصلاحية وبما يضمن كل قانون وتناغم هذه القوانين وإلا فستكون هناك تناقضات بين القوانين والدستور».

 

المعركة القادمة

أما الحديث عن الجبهة فهو بلا توقعات مسبقة أمام مستقبل سياسي سوري مرتقب، الجبهة التي عدها الكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان مستنفذة من لحظة تشكيلها لا يتوقع سلمان حلها، ولكن والكلام لسلمان: «الجبهة مسألة تترك لتفاعلات الوضع المستجد، فقد نرى مجموعة من الأحزاب مستمرة في تحالفاتها وقد نرى قوى سياسية تخط خطاً جديداً في تحالفاتها، إذاً لا توقعات مسبقة»، غير أنه «سلمان» يربط هذه التفاعلات بمدى قوة وانتشار كل حزب على الأرض، هنا أرقام كوادر الحزب ليست للاطلاع، لكن سلمان يؤكد لـ«الوطن» أن «الحزب السوري القومي ليس لديه أي مشكلة مع العدد الذي يحدده القانون (2000 عضو لترخيص الحزب بنسب محددة في مختلف المحافظات السورية)»، يعقب «هذا رقم عادي» لحزب يقترب من ذكرى مئويته الأولى مع بلوغه في تشرين الثاني المقبل الثمانين عاماً من العمل السياسي في سورية، سلمان يعود إلى تاريخ الحزب الطويل للتلويح وإعادة التذكير به من جهة واستعراض قوته على الأرض من جهة أخرى، يقول: «على الرغم من تعرض الحزب للخطر والإلغاء في الخمسينيات، استمر بالعمل حتى عندما لم يكن مرخصاً ولم يكن ضمن الجبهة أي بلا إطار قانوني أو جبهوي»، مشيراً إلى أن للحزب «وحداته الحزبية قبل دخول الجبهة، وكذلك نشاطه حتى في الجامعة، إضافة إلى كوادر التحقت بالحزب أثناء العمل الطلابي»، يضيف: «وعندما بلغ نمونا في الثمانينيات والتسعينيات حداً معقولاً وجيداً رغم عدم الترخيص الجبهوي، كنا من المطالبين بإصدار قانون للأحزاب لأنه بات ضرورة لنا كحزب منتشر على أرض الواقع، في مختلف المحافظات والمدن والجامعات وحتى الثانويات من خلال حركة أشبال الحزب عدا التيار الذي يتحرك حول الحزب»، بالنتيجة يخلص للقول: «لدينا رقم يؤهلنا للثقة بالنفس»، ويستند سلمان إلى تجربة الحزب بالانتخابات التي خاض عمليتها التنافسية بمختلف أشكالها سواء عبر المستقلين أم عبر قوائم الجبهة، في الحالة الأولى «تمكن الحزب من طرق الذاكرة الشعبية والمجتمعية وشارك بأكثر من مرشح في المحافظة الواحدة ونجح الحزب بتحقيق أصوات لا بأس فيها رغم الظروف غير المؤهلة للوصول»، وعاد الحزب للـ«مشاركة بتجربة الانتخابات كمرشحين مستقلين وكعضو مراقب في الجبهة في المرحلة التمهيدية لينتقل منها إلى المنافسة ضمن قوائم الجبهة»، لكن كل تلك التجربة يصنفها سلمان «بأنها كانت ضمن ظروف سابقة لم تكن ذات آفاق رحبة»، واليوم الحزب الذي توحد في التسعينيات ولملم شتاته ينتظره أمام قوننة الحياة السياسية تحد داخلي، وإرث الحزب في الصراع الانتخابي يدفعه لإعادة النظر بأدائه، يقول سلمان «تجربتنا اليوم ليس بعدد مرشحينا سواء كان ترشحاً أم انتخاباً، وإنما بآلية الانتقاء من داخل الحزب واختيار المرشحين الأكثر تعبيرية على المستويين الحزبي والاجتماعي»، ويعول سلمان على «الرقابة القضائية المستقلة على الانتخابات» ويعدها من «أهم ما طرح في مسودة القانون».

 

المدنية مدخل

اليوم، المؤسسة الحزبية السورية القومية التي تبرز فصل الدين عن الدولة تتحاشى الخوض في تفاصيل المادة الثالثة الناصة على تحديد دين رئيس الجمهورية، مكتفية بقول عام: «نحن مع وحدة المجتمع السوري واعتبار جميع السوريين مواطنين متساوين وأن يكون هذا مرتكزاً رئيساً للتشريع بالدستور»، الأخير ينطلق الحزب في رؤيته له من مدخل المدنية متجنباً العلمانية كاصطلاح، يقول سلمان: «العلمنة طيف واسع من الأفكار العلمانية من ثم علينا التحديد أي علمنة نريد؟ لأنه لا يمكنني إلزام أي قوة سياسية بشكل محدد للعلمنة، لكننا يمكننا الانطلاق من المجتمع المدني القائم على فصل الدين عن الدولة بتشريع يستند إلى وحدة المجتمع ورفض قوانين تخص كل شريحة سورية وتمارس حالة تجزيئية في المجتمع السوري وتربطها بمرجعيات فئوية أو عرقية أو مذهبية»، في إشارة للمسودة السابقة لقانون الأحوال الشخصية المثيرة للجدل، يضيف: «الأغلبية في سورية تميل نحو الفكر المدني مع الحفاظ على الحالة الإيمانية والحيز الديني، وكل المراجعات التشريعية يجب أن تكون باتجاه تجذير المدنية ولا انكفائها، وهذا خط أحمر أياً كانت الظروف الضاغطة، لأن المصلحة السورية خط أحمر»، يستند في ذلك الحزب إلى معركة طويلة خاض فصولها في لبنان، دون أن يتمكن من تحقيق ما ينادي به «من إزالة الحواجز بين المذاهب»، في محاولة سابقة لتشريع الزواج المدني وقانون مدني للأحوال الشخصية باءت بالفشل أمام وقوف المؤسسة الدينية بمرجعياتها المختلفة في مواجهة المشروع.

اليوم يفصل سلمان بين الموروث والعمل السياسي منطلقاً من مدارس مختلفة أطرت العمل السياسي السوري تحت مسميات مختلفة، بين «المدرسة السورية القومية التي تفصل الدين عن الدولة، وكذلك البعث بمدرسته القومية العربية، ومدرسة الصراع الطبقي (الشيوعيون) التي تحمل أيضاً الفكر المدني»، لكنه وعلى واقع المتغيرات في الساحة السورية يرفض وصف حزب البعث بالمهادن للمؤسسات غير المدنية، ويقول: «الميل المدني في المجتمع السوري يختل عندما لا تتوافر ظروف تتيح لحوامل الفكر المدني العمل بشكل صحيح، أو عندما تكون هناك ظروف داخلية في كل مؤسسة معوقة لأدائه»، النقطة الأخيرة يرفض سلمان وصفها بالتقصير، ويقول: «هذه لا تأتي بسياق تقصير حزبي وإنما تنجم من تعرض الحزب لظروف كان أحوج فيها بالحفاظ على بنيانه»، غير أنه يضيف: «حيث وصل فعلنا الثقافي كحزب أعطى نتائج سريعة، وحيث لم يصل لم تكن هناك نتائج، وهذا لأسباب مختلفة منها القسري والذاتي»، والحزب الذي صدر في وقت سابق أهم الشعراء كالشاعر السوري أدونيس الذي انفصل عن الحزب والماغوط وغيره، يعتبر أن «الفكر العلماني لا يكفي أن تحمله وجوه مثقفة علمانية بقدر توافر مؤسسات تحمل هذا الفكر»، بالنتيجة الحزب المقاوم العلماني الذي سبق أن قدم سناء محيدلي وغيرها من الشهداء في الجنوب اللبناني يعلن على لسان سلمان: «لا إمكانية لمقارنة عادلة بين مشهد علماني سوري ومشهد ديني سياسي تنتشر حوامله الفكرية على مستوى المنطقة كلها».

 

 

الوطن