سليمان متفائل ... وبري ينبّه لتداعيات التأجيل ... وجنبلاط متمسّك بالتوافق

بينما يواصل البلد الهرولة نحو هاوية المجهول من دون ان تنجح الفرامل المحلية والإقليمية حتى الآن في وقف انزلاقه، وجد السياسيون في «ماراتون بيروت» فرصة للهرولة في شوارع العاصمة، كل منهم نحو خط نهاية مختلف، فيما خذلت اللياقة البدنية معظمهم، تماماً كما فعلت معهم في «مضمار» الحكم.
خسرت السلطة حتى الآن سباقها مع ملفات شهود الزور، والقرار الظني، والمحكمة الدولية، وأسعار المحروقات، وانقطاع الكهرباء والمياه، وأسعار اللحوم والبندورة.. وقررت التعويض عن العجز باستعراض رياضي استعاد مسرحيات الوحدة الوطنية الكاذبة التي تجمع موالين ومعارضين في أدوار مشتركة ينتهي مفعولها مع ختام البث التلفزيوني المباشر.
والأكيد أن سياسة الهروب الى الأمام لن تفيد في التهرب من الاستحقاقات المقبلة، وأقربها جلسة مجلس الوزراء التي يفترض «نظرياً» ان تعقد الاربعاء المقبل، للبت في ملف شهود الزور، عملاً بما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري على هامش طاولة الحوار الاسبوع الماضي، مع الإشارة الى ان مصير الحوار أصبح مرتبطاً كذلك ببوصلة شهود الزور، فيما اعتبرت أوساط بارزة في المعارضة أن مفتاح الانفراج هو في جيب الحريري وأن المطلوب منه قرار جريء يريح البلد... ورئيس الجمهورية.
ولكن المعطيات المتقاطعة، من جهات مختلفة، أظهرت حتى أمس عدم نضوج أي مؤشرات عملية توحي بأن هناك صيغة توافقية باتت جاهزة للتعامل مع ملف شهود الزور، الأمر الذي يضع الجلسة المقبلة بين حدين: إصرار المعارضة النهائي على وجوب التئام الجلسة الأسبوع المقبل لحسم الملف سواء بالتوافق او بالتصويت، وهو موقف بات يجمع بين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية، ورفض الرئيس سعد الحريري وقيادات 14 آذار لهذا الطرح في موازاة سعي الرئيس سليمان المستمر لتفادي إحراجات اختبار التصويت، مدعوماً من النائب وليد جنبلاط الذي سيزوره في قصر بعبدا اليوم متضامناً.
وفي حين أفادت بعض المعلومات الإعلامية أن موفداً سورياً سيزور الرياض اليوم، استبعدت أوساط واسعة الاطلاع ذلك، لافتة الانتباه الى ان دمشق ستكون منشغلة باستقبال السيناتور الاميركي جون كيري، عدا عن ان العرف المعمول به يقضي بأن يزور ابن الملك السعودي دمشق للتواصل مع الرئيس الأسد في حال استجد أي طارئ.
وقالت الأوساط لـ«السفير» إن العلاقة بين دمشق والرياض عادية في هذه الفترة ولا يوجد شيء محدد هو قيد التداول في الايام المقبلة، داعية الاطراف الداخلية الى ان تتكل على ذاتها لمعالجة ملف شهود الزور هذا الاسبوع.
وإذا كان تأجيل ملف شهود الزور قد اندرج سابقاً في سياق إيجاد أجواء مريحة تتيح للرئيس سليمان إنجاز التوافق، فإن إرجاء الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء سيكون على الأرجح مؤشراً الى أن الأزمة ستتفاقم، لأن المعارضة لم تعد تقبل بالمزيد من التأجيل الذي بات يوحي بأن هناك من يحاول تضييع الوقت في انتظار مباغتتها بصدور القرار الظني.
وما يزيد الأمور تعقيداً، أن إرجاء الجلسة المفترضة هذا الاربعاء، يعني انها لن تعقد الأسبوع المقبل حيث يصادف عيد الأضحى المبارك يوم الثلاثاء في 16 الجاري، وسط توقعات بأن يغادر الرئيس الحريري الى السعودية في نهاية الأسبوع، وبالتالي فإن المعارضة ستدفع نحو الحسم السريع تجنباً لتضييع وقت إضافي.
وفي حال أخفق الرئيس سليمان في بلورة مخرج توافقي خلال اليومين المقبلين، فهو سيكون في موقع لا يحسد عليه، حيث من المتوقع ان تزداد ضغوط المعارضة عليه للذهاب نحو خيار التصويت، خصوصاً أنها تعتبر انها قدمت له كل ما تستطيع من تسهيلات ومهل، لبلوغ التفاهم. كما ان العلاقة بين سليمان ودمشق مرشحة لأن تتأثر بموقف الأول إذا قرر بالتعاون مع الرئيس الحريري تأجيل جلسة مجلس الوزراء مرة أخرى.
ولعل التأجيل سيحرج أيضاً الرئيس نبيه بري الذي ألمح الى انه قد لا يكون قادراً على ممارسة «مونته» على المعارضة من أجل إعطاء فرص إضافية لخيار التوافق، إذا ألغيت جلسة مجلس الوزراء هذا الاسبوع.
بري: لا سبب للتأجيل
وقال الرئيس نبيه بري لـ«السفير» أن لا سبب يبرر تأجيل الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع، مشدداً على وجوب عقدها بجدول أعمالها المؤجل، سواء حصل تفاهم مسبق على الصيغة القضائية لمعالجة ملف شهود الزور، ام لم يحصل ذلك، وفي حال عدم انعقادها، أقول للجميع» اللهم اشهد إني بلغت».
وإذ نبه الى أن المزيد من التأجيل في حسم هذا الملف سيترك تداعيات سلبية على الوضع العام وعلى الجلسة المقبلة للحوار وسيعني أن البلد هو مزرعة، أكد انه كان متعاوناً حتى أقصى الحدود من أجل المساعدة في معالجة الخلاف حول هذه القضية، ورئيس الجمهورية ميشال سليمان بذل جهداً مضنياً في سبيل الوصول الى تفاهم، لكن لا نستطيع ان نستمر على هذا المنوال وقتاً إضافياً، لأنني أخشى ان يصدر القرار الظني فيما نحن مستغرقون في هذا الخلاف الذي سيصبح عبثياً إذا بقي قائماً. وأضاف: ليفز من يفز بالتصويت، ونحن مستعدون لتقبل النتيجة واحترامها إذا خسرنا، فالخسارة لن تكون نهاية العالم، وفي كل الأحوال نكون جميعاً قد ربحنا اللعبة الديموقراطية.
وحول إمكانية ان ينسحب الرئيس سعد الحريري ووزرائه من الجلسة في حال اعتماد خيار التصويت لتعطيل النصاب، قال بري: لا يمكن أن يفعلها الرئيس الحريري، لاعتبارين: الأول هو انه رئيس الحكومة ومن غير المألوف ان ينسحب رئيس الحكومة من جلسة لمجلس الوزراء، والثاني هو اننا اتفقنا في تسوية الدوحة على وجوب ألا يعطل أي فريق مجلس الوزراء، وعندما انسحب وزراء كتلة التنمية والتحرير من إحدى الجلسات كنت حريصاً على عدم إشراك المعارضة في هذه الخطوة حتى لا يؤدي تضامن وزرائها معنا الى فرط مجلس الوزراء.
جنبلاط متضامن مع سليمان
وفي حين يزور النائب وليد جنبلاط اليوم الرئيس سليمان على رأس وفد من وزراء اللقاء الديموقراطي، قال جنبلاط لـ«السفير» إن زيارته تأتي في إطار التضامن مع رئيس الجمهورية، مشدداً على أنه لا تجوز مقاطعة الرئيس والحوار.
وعن مصير جلسة مجلس الوزراء الاسبوع الحالي، أكد جنبلاط انه ما زال على موقفه بضرورة التوافق حول صيغة لمعالجة ملف شهود الزور وتجنب التصويت في مجلس الوزراء، مشيراً الى ان الحوار السوري- السعودي أهم من التفاصيل اللبنانية، وعلينا ألا نقدم على أي خطوة قد تنعكس سلباً على هذا الحوار.
رئيس الجمهورية: التوتر سيزول
الى ذلك، لمس زوار الرئيس سليمان أن لديه تفاؤلاً كبيراً «لأن نهاية الأمور هي العودة لكي يجلسوا جميعاً حول الطاولة نفسها».
ونقل الزوار عنه قوله إنه بعد الانتخابات الرئاسية عام 2008، بدأنا التعود على حل الامور بأنفسنا بإرادة لبنانية صرفة، وبمساعدة شقيقة لا سيما من سوريا ولكن من دون تدخل مباشر، لذلك، يشهد الوضع تعثراً في قضايا عدة وتبرز ازمات متلاحقة ولكن نحن محكومون بالجلوس مع بعضنا، وسيأتي الوقت الذي نعرف فيه كيفية التوصل الى حلول ذاتية»، يقول سليمان.
وسمع زوار الرئيس منه تأكيداً بأن «كل الأزمات مصيرها الحل وأن الأمر الأهم الذي على الدولة اللبنانية تنفيذه هو استكمال تنفيذ الطائف، فهناك بنود لم تنفذ ويجب تنفيذها من دون تردد أو خوف ومعالجتها بروحية العيش المشترك والمناصفة، مثل تطبيق اللامركزية الإدارية، وإنشاء مجلس الشيوخ وإنجاز قانون انتخابي يفرز مجلساً نيابياً متوازناً طائفياً وليس مجلس طائفيين».
ويطمئن رئيس الجمهورية، حسب زواره، الى ان «التـــوتر الحاصل سيزول والامور ستحل، وسنتجاوز الأزمة الوطنية التي نحن فيها وسنكمل الطريق، وعلينا التحـــضير للمستقبل، والخطوات وضعت والخطة واضحة، والامور ستستقر مع الوقت وما لم يتحقق في عهدي سيتحقق في عهد آخر يكمل الرسالة».
مصادر وزارية
وبينما توقعت مصادر وزارية المزيد من التصعيد السياسي هذا الأسبوع، على خلفية عدم إيجاد حل لقضية شهود الزور، رجحت أوساط وزارية في المعارضة تجدد الحوار السوري – السعودي بعد عودة الرئيس بشار الأسد من زيارة رسمية هذا الاسبوع إلى كل من بلغاريا ورومانيا. وأشارت الى ان اللقاءات الماضية لم تسفر عن حلول بسبب التدخل الاميركي المباشر عبر جيفري فيلتمان الذي ادى الى تعطيل أي مخرج بسبب الإصرار الاميركي على استهداف «حزب الله» والمقاومة.
وذكرت أوساط وزارية في 14 أذار ان الوزراء لم يتلقوا حتى مساء السبت أي دعوة لعقد جلسة مجلس الوزراء هذا الاسبوع، مع ان احتمال الدعوة يبقى قائماً حتى قبل ساعتين من انعقادها لأن جدول الأعمال موزع على الوزراء من الاسبوع الماضي، وقالت المصادر إن أي حديث عن مخرج او مقترح يملكه الرئيس الحريري لن يخرج عن إطار ثوابت التمسك ببقاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
واستغربت إصرار فريق المعارضة على التصويت في جلسة مجلس الوزراء، مشيرة الى ان القرار بالتصويت هو حق لرئيس الجمهورية، وهو يقرر ما إذا كانت هناك مصلحة أم لا في ذلك، مشيرة الى ان الرئيس سليمان ما زال مصراً على لعب دور الحكم والرئيس التوافقي.
السفير