سليمان يتمسّك بالحوار «بمن حضر» ... وبري يحمل تحفظات ... والمعارضة تغيب

ينما كانت 12 طائرة حربية إسرائيلية تخترق أجواء لبنان بعاصمته بيروت ونواحيه كافة، في أضخم تظاهرة عسكرية، ربما منذ الحرب في تموز 2006، وقبل أن يستفيق اللبنانيون على دلالات هذه «الغارة السياسية»، وصلتهم أنباء غارة أميركية جديدة تمثلت بتقديم 10 ملايين دولار «تبرعاً» للمحكمة الدولية في لاهاي.
وبينما كانت أوساط الحكم في بيروت مشلولة، بعدم انعقاد مجلس الوزراء، أمس، والاجتماع الأبتر، لهيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري اليوم، وردت أخبار متباينة من لاهاي حول القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، زادت من عوامل قلق اللبنانيين على يومهم وغدهم.
ومرة جديدة تظهر عوارض الارتباك على سلوك المحكمة الدولية التي كاد مقرها في لاهاي يتحول الى «معلم سياحي»، منشغل في استقبال وتوديع الوفود الزائرة، وفي تنظيم الأنشطة التسويقية.
ومن آخر مظاهر الارتباك واهتزاز الصورة ما عكسه أداء رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي من تخبط خلال مؤتمره الصحافي «المرتجل» أمس، والذي عانى خلاله من «مخاض عسير» في التعبير، على صعيد تحديد موعد صدور القرار الاتهامي، إذ أمل في صدوره في كانون الاول المقبل، وكرر ذلك بأكثر من صيغة، لتعود مسؤولة مكتب التواصل في المحكمة وجد رمضان وتنفي ما سمعه الاعلاميون أنفسهم من كاسيزي مباشرة بهذا الصدد، مؤكدة أن ما نسب اليه عار عن الصحة!
والمفارقة الأخرى، ان من كان يسمع كاسيزي وهو يتكلم عن موعد صدور القرار الاتهامي، ثمّ ينصت إلى كلام قائد فريق المحاكمة في مكتب دانيال بيلمار، الألماني إكهارد ويتهوبف، عن استمرار مكتب المدعي العام في استعراض الأدلّة التي قدّمها السيّد حسن نصر الله ورفضه إعطاء توقيت محدّد لإصدار القرار الاتهامي، يخرج بانطباع عن وجود تناقض مفصلي، إذ كيف يمكن أن يصدر القرار في كانون الأوّل، فيما التحقيق بفرضية اتهام العدوّ الإسرائيلي في الضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم ينته؟
وكانت كلمة كاسيزي في افتتاح اليوم الأوّل من أعمال المنتدى الإعلامي الذي تنظّمه المحكمة بالتعاون مع رابطة الصحافة الأجنبية في هولندا، بعنوان: «العدالة الدولية في وسائل الإعلام»، قد تحولت إلى مؤتمر صحافي لم يكن هو نفسه يتوقّعه، مع اندفاع الصحافيين اللبنانيين المشاركين إلى طرح أسئلة كثيرة عليه.
فردا على سؤال، أمل كاسيزي في أن يكون هناك قرار اتهامي في كانون الأوّل، معتبرا أنه «مجرد أمل، لا يقين، لأنني لا امتلك معلومات»، ومشيرا الى ان المدعي العام «يدير التحقيقات، وهو يقرّر ذلك». ثم قال في سياق الحوار ان القاضي بيلمار يقوم بعمله ونحن نقرأ أنه سيصدر قراره الاتهامي في كانون الأوّل.
وحث اللبنانيين على التعامل مع المحكمة قائلا: أرجوكم، حتى لو كنتم لا تحبون محكمتنا، وتظنون أنها مسيّسة، وأن اسرائيل تموّلها، وأنني مدير الموساد.. تعالوا وتحدّوا محكمتنا، لكن شاركوا في الإجراءات. اطرحوا موقفكم. وأضاف: أنا أفهم أنّ هناك شريحة من اللبنانيين تعارض المحكمة ولكنّها ستدرك في المستقبل أنّ المحكمة مفيدة، وحالياً نكمل عملنا بطريقة حيادية، لإرساء العدالة غير المنحازة.
وحول تشكيك الرئيس نبيه بري بدستورية المحكمة، قال كاسيزي ان الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان لم يصادق عليه بحسب الأصول، ولكن بموجب اتفاقية فيينا في حال اعتبرت اتفاقية غير صالحة لخرقها دستور أحد أطرافها، فإنّ تصرّف هذه الدولة يمكن أن يعتبر مصادقة حتّى ولو لم تجر مصادقة في الأساس، وقد وافقت السلطات اللبنانية على هذه الاتفاقية لأنّه عندما طلب القضاة من السلطات اللبنانية إحالة كلّ الملفّات والأوراق التي جمعت من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلّة والقضاء اللبناني، امتثلت السلطات اللبنانية.

وشدّد كاسيزي على عدم الخضوع الى أي ضغوط سياسية «وإذا كنت أخضع لضغوط لاستقلت فوراً، لأنّ هذا يؤثّر على مصداقيتي كقاض محايد».
وأشاد كاسيزي باللواء جميل السيّد، مشيرا الى انه تصرّف بشكل جيد وأتى إلى لاهاي واعترف بالمحكمة ونحن اتخذنا قراراً لمصلحته وسنأخذ قراراً آخر في الأسبوع المقبل. وتابع: لقد طلب السيّد تنحية قاضيين (رالف رياشي وعفيف شمس الدين) وسأصدر القرار في هذه المسألة يوم الجمعة.
واشنطن تتبرع بـ10ملايين دولار
في هذه الاثناء، صعّدت الولايات المتحدة من وتيرة مواقفها في مواجهة ما ترى أنه محاولات من «حزب الله» وسوريا لـ«تعطيل» عمل المحكمة الدولية، مواصلة ضخ جرعات الدعم المادي والمعنوي في عروق المحكمة، بشكل كاد يلغي المسافة بين مقرها في لاهاي والبيت الابيض في واشنطن.
وفي جديد المؤازرة الاميركية، إعلان مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الامن سوزان رايس عن تحويل بلادها مبلغ 10 ملايين دولار إضافية إلى المحكمة الخاصة بلبنان.
وجاء في بيان أصدرته أمس أنه بهذا المبلغ يصل مجموع ما قدمته الولايات المتحدة للمحكمة الدولية منذ تشكيلها 30 مليون دولار.
وأشادت رايس في البيان «بالعمل الشجاع الذي لا يكل لأعضاء هيئة المحكمة المستمرين في أداء مهامهم بأسلوب مهني وغير سياسي»، مشيرة إلى أن «الهجوم الذي تعرض له ثلاثة من موظفي هيئة المحكمة في بيروت ليس سوى محاولة أخرى لخلق اختيار زائف بين العدالة والاستقرار في لبنان وللحيلولة دون قيام المحكمة المستقلة بالمهمة الموكلة إليها». وأكدت «أنه يجب عدم التسامح مع جهود زعزعة الثقة بعمل المحكمة وتعطيله أو التأثير عليه «، مشددة على ان إنشاء المحكمة كان دليلا صريحا على أن سيادة لبنان غير قابلة للمساومة.
 

كونيللي.. «المتهمة»

 


الى ذلك، زارت السفيرة الاميركية في بيروت مورا كونيللي الرئيس نبيه بري وأفادت المعلومات ان رئيس مجلس النواب انتقد خلال اللقاء سياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة وسلوكها في ما خص المحكمة الدولية والقرار الظني، متوقفا عند الكرم الاميركي على المحكمة، ما دفع السفيرة كونيللي الى مخاطبته بالقول: لقد جئت اليك بريئة وها أنا أخرج متهمة.
وفي سياق دبلوماسي متصل، توقعت مصادر مطلعة في بيروت ان يزور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بيروت في نهاية الاسبوع الحالي للقاء عدد من المسؤولين اللبنانيين والتباحث معهم في الاوضاع الراهنة، وخصوصا ما يتعلق منها بالقرار الظني والمحكمة الدولية.
 

الحوار يترنح

 


داخليا، وبعد تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة أمس، اصابت «لعنة» شهود الزور هذه المرة هيئة الحوار الوطني، مع اعتذار عدد من أركان المعارضة عن عدم حضور الجلسة المقررة اليوم، تعبيرا عن الاحتجاج على استمرار المماطلة في البت في ملف الشهود الزور.
وعلمت «السفير» من مصادر قصر بعبدا أن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد لن يشارك بدوره في جلسة الحوار، وتضامنا مع موقف العماد ميشال عون الذي كان أول المبادرين الى مقاطعة حوار اليوم.
واستغربت بعض أوساط المقاطعين كيفية تعامل رئيس الجمهورية مع اعتذار عدد من أركان المعارضة عن المشاركة في الحوار، متسائلة: ألا يستحق هذا الامر سؤالا من راعي الحوار حول الأسباب التي دفعت هؤلاء الى عدم الحضور، لافتة الانتباه الى انه كان الأولى بالرئيس سليمان ان يطلب الاجتماع بالمنسحبين لمعرفة دوافعهم بدلا من تجاهلها.
وأكدت اوساط الرئيس نبيه بري لـ«السفير» انه سيشارك في جلسة اليوم، لا سيما انه من مؤسسي الحوار ومطلقيه في أصعب الظروف عام 2006 ، كما انه ركز خلال زيارته الاخيرة الى سوريا وفرنسا على أهمية الحوار للوصول الى الحل المنشود للأزمة الراهنة، ولكن ذلك لا يعفي - حسب الأوساط - من ضرورة الوقوف عند أسباب مقاطعة البعض للجلسة المقررة اليوم، مشيرة الى ان البلد يتخبط حاليا في أزمة حكم ونظام ويواجه خطرا يطال أسس وجوده، وبالتالي المطلوب تحديث جدول أعمال الحوار بحيث يحاكي جوهر الأزمة الراهنة بدل التلهي بأمور أخرى هي ناتجة في الأساس عن قصور وتقصير النظام، ما فرض ظهور المقاومة لتملأ فراغ الدولة وتقاعسها عن حماية أبنائها.

سبحة المعتذرين تكر

 


وكرت أمس سبحة الممتنعين عن الحضور والتي افتتحها العماد عون، فاعتذر رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية عن عدم المشاركة مشيرا الى ان هناك نظرة سياسية واحدة تجمعه مع عون، فيما تولى الوزير يوسف سعادة إبلاغ الرئيس سليمان بموقف فرنجية.
كما اعتذر عن عدم المشاركة رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال إرسلان الذي قال بعد لقائه الرئيس بري انه لا يستطيع ان يحضر طاولة الحوار «عندما يكون الامن الوطني والقومي اللبناني مهددا بمسألة شهود الزور ومع ذلك يتم التعاطي معها بتأجيل تلو الآخر»، معتبرا انه إذا صعدنا غدا (اليوم) للبحث في الاستراتيجية الدفاعية نكون كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال.
واعتذر كذلك ممثل حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان ورئيس الحزب السوي القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان الذي أثنى على الدور المهم للرئيس سليمان وحرصه الدائم على اشاعة مناخ التوافق في البلد.
وأوضحت مفوضية الاعلام في الحزب «التقدمي الاشتراكي» أن النائب جنبلاط «سبق وأبلغ الرئيس سليمان اعتذاره عن عدم حضور اجتماع هيئة «الحوار الوطني» المقررة اليوم، بداعي السفر». وأكد البيان أن لا علاقة «لغيابه باعتكاف أعضاء آخرين من الهيئة عن الحضور، مؤكدا «ضرورة استمرار عمل هيئة الحوار الوطني لانها تتيح المجال للنقاش، والحوار حول مسائل وطنية هامة».

سليمان متمسك بالحوار


في المقابل، أنجزت أمس التحضيرات اللوجستية في قصر بعبدا لاستقبال الأقطاب عند الساعة الحادية عشرة، حيث وضعت الطاولة البيضاوية في قاعة الاستقلال وازدان وسطها بالورود، كما جهزت الصوتيات والقرطاسية اللازمة.
وقد بدا الرئيس سليمان حريصا على التئام هيئة الحوار بمن حضر على ان يتقرر حينها تأجيل الجلسة أو مواصلتها، وذلك رغبة منه في الحفاظ على مبدأ الحوار والالتزام بمواعيده، معتبرا ان عدم انعقاد الجلسة المحددة يمكن ان يساهم في تفاقم أجواء التشنج في البلد، إضافة الى انه سبق لرئاسة الجمهورية أن أرجأت الجلسة من موعد سابق الى اليوم، وبالتالي فإنه لم يعد جائزا ارجاؤها مجددا، كما نقل زوار سليمان عنه أمس.
وقالت مصادر رئاسة الجمهورية لـ«السفير» ان «الرئيس سليمان أعد النقاط الرئيسية لمداخلة في مستهل الجلسة، سيتناول فيها التطورات التي شهدتها البلاد والمنطقة منذ آخر جلسة للهيئة، كما سيطل على التطورات على الساحة الفلسطينية في ظل استمرار الاستيطان الإسرائيلي والخطة التي تعتمدها حكومة العدو لتهويد القدس وفرض وقائع ميدانية عبر الاستيطان وتكريس الطابع اليهودي النهائي للدولة.
وسيتطرق سليمان كذلك الى التطورات العراقية في ضوء المجزرة الموصوفة في كنيسة سيدة النجاة والتي تلتها مجزرة مماثلة في أحياء بغداد، ليؤكد وجوب تعزيز الوحدة الوطنية اللبنانية والاحتكام الى لغة الحوار لإيجاد الحلول لكل المشكلات المطروحة والاتعاظ مما يحصل عراقيا وفلسطينيا، وصولا الى التشديد على وجوب استكمال تطبيق الطائف والبدء الجدي في طرق مواضيع الإصلاح ومعالجة الثغرات التي برزت طيلة عشرين عاماً من تطبيق الطائف، ليضع الأقطاب امام مسؤولياتهم الوطنية في تقويت الفرصة على أعداء الوطن وسد كل نوافذ الفتنة عبر تقديم التضحيات من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية.
وأوضحت المصادر»أن رئيس الجمهورية يعود إليه تقدير الموقف بشأن انعقاد الجلسة او عدمها في ضوء الحضور، من دون استبعاد عقده للقاءات جانبية أبرزها ستكون قبيل الجلسة مع الرئيس نبيه بري الذي يستمر التواصل الهاتفي معه، والذي سيطلع سليمان منه على أجواء لقاءاته في دمشق وباريس».

 

شام نيوز- السفير