سنعود بعد قليل.. دراما جديدة بمفردات مبتكرة تحاكي الواقع السوري بعد الأزمة


استطاع المؤلف والممثل رافي وهبي أن يبتكر لغة درامية جديدة خرجت إلى العلن عبر نص مسلسله "سنعود بعد قليل" فكانت مفردات وهبي تحاكي كل أمر غير متوقع وصادم مر به الشعب السوري خلال الأزمة.

وجاء النص محبوكا بحرفية ليقاطع الأحداث بين شخصياته التي تتحرك في فضاءات متنوعة لترسم كل شخصية منها لوحة من لوحات الحياة المختلفة تماما عن الأخرى لتشكل في النهاية فيما بينها مشهدا متكاملا يصور واقع الإنسان السوري المعاصر للأزمة.

واختصر وهبي صورة "سورية المجتمع" بعائلة دمشقية مؤلفة من ستة أشقاء ووالدهم استقر بعضهم في لبنان منذ زمن وتبعهم الآخرون مع اشتعال الأزمة.

وفي الحكاية يقرر الأب فجأة زيارة أولاده في لبنان لكن مفاجأة كبرى تكون بانتظاره إذ تتكشف له ملامح من شخصيات أبنائه لم يكن يتوقع أن تكون موجودة لديهم ويكون تأثير الصدمة عليه بتدهور حالته الصحية ليصبح أبناؤه أمام خيارين إما أن يتفقوا على بيع البيت لدفع تكاليف علاج الأب من مرضه أو يحصل كل منهم على حصته من ثمن البيت لعلها تساعده على إصلاح حياته ما يؤجج الصراع داخل كل منهم ويزيد من إشكاليات وتعقيدات علاقتهم ببعضهم كأسرة.

ويمتاز المسلسل الذي أخرجه الليث حجو بأنه جمع بين أبرز وجوه الدراما السورية في عمل واحد فسبغ الأداء المتميز للكبير دريد لحام الذي مثل دور الأب على العمل صفة العراقة والوفاء لجيل لحام الذي كان المؤسس للنجاح الكبير الذي وصلت إليه الدراما السورية.

20130716-175719.jpg

واستطاعت خفة دم الفنان دريد لحام أن تطل من تعابير وجهه التي كساها الألم بسبب ازدواجية المعاناة التي يعيشها بين مرارة الأحداث التي تشهدها سورية وفراق الأبناء فكانت ردود فعله على كل الحزن الذي يحيط به تختصر بابتسامة حزينة.

كما تمكن الممثل عابد فهد الابن الكبير للعائلة أن يرسم صورة السياسي الذي يغوص في معترك الانتخابات تاركا عائلته تغرق بين مشكلات الحياة المعاصرة وقد وفق فهد في أن يعكس حالات نفسية متضاربة ومتباينة تحاكي في تخبطها الواقع الذي نعيش فيه.

20130716-175749.jpg

وأدى الفنان قصي خولي شخصية التاجر الذي يسعى وراء المال ضاربا بالقيم الأخلاقية عرض الحائط ليتورط في النهاية بتجارة الموت والسلاح واستطاع الخولي أن يضفي على الشخصية نكهة مستقاة من طريقة هذا الممثل الشاب التي اعتمدها منذ بداية مشواره في الدراما السورية وهي تقديم الشخصية بعفوية يغلفها الإتقان.

أما باسل خياط فقد مثل شخصية معد برامج اضطر لأن يترك عمله بسبب الأحداث فقرر الاستقرار في لبنان مع زوجته التي لعبت دورها الفنانة سلافة معمار وابنهما الوحيد ليعيش صراعات بين متطلبات الحياة الجديدة وولائه لزوجته وعائلته وتميز كل من خياط ومعمار في أدائهما الهادىء الذي عكس مرارة ألم الغربة وفقدان البيت والأهل والأصحاب.

ولعب الفنان رافي وهبي شخصية الابن الرابع وهو فنان تشكيلي استفزته مناظر الدماء والخراب ليترك فنه في سورية ويسافر إلى لبنان محاولا العثور على حياة جديدة وكان أداء رافي التمثيلي محاكيا ببراعته جودة نصه.

بينما قدمت الممثلتان اللبنانيتان نادين الراسي وغيداء النوري دور الابنتين اللتين تغوصان في علاقات تورطهما في المشكلات وتقود حياتهما إلى الخراب.

وقد تمكن وهبي من أن يشتغل على حوارات المسلسل بطريقة مختلفة بحيث استطاع توثيق تفاصيل حياة السوريين في زمن الأزمة بمباشرتها وقوة دلالتها فحرك شخصيات مسلسله بين المجتمعين السوري واللبناني دون أن يتركها تتوه فيه فلم ينقل الحياة الاجتماعية السورية إلى لبنان بل حاكى الواقع الاجتماعي اللبناني كما هو مظهرا معاناة التأقلم.

كما ظهرت لمسات الليث حجو في التركيز على التفاصيل الصغيرة وربط الامكنة بالشخصيات وتسيير حركتها بما يتوافق مع الحبكة الدرامية للمؤلف دون أن يشعر المتلقى بصعوبة المزج بين التقاليد الاجتماعية المختلفة للبلدين.

وتميزت كاميرا حجو في قدرتها على نقل صورة دولة تعيش الحرب والخراب وتفاصيل الحياة الجديدة في دولة أخرى خرجت حديثا من ركام الحرب وبدات تتجه للمستقبل ليبقى أمل العودة إلى الوطن ماثلا في كل تفاصيل المسلسل.

يذكر أن مسلسل "سنعود بعد قليل" كتبه رافي وهبي عن فكرة الفيلم الإيطالي "الجميع بخير" وأخرجه الليث حجو وبطولة دريد لحام وقصي خولي وسلافة معمار وعابد فهد وباسل خياط وآخرين من نجوم الدراما السورية واللبنانية.