سوريا بين "المعركة الطويلة" و"التسوية الكبرى"

يقول سياسي مخضرم ان من شروط إدارة الأزمات أو الحروب أو النزاعات، أن يشعُر كل طرف فيها أنه يكسب نقاطاً على حساب الطرف الآخر، فلا يشعر بحاجة الى التنازل أو الإستسلام، وفي الوقت نفسه لا يملك القدرة على حسم المعركة لمصلحته.
وينطبق هذا "القانون"، إذا جاز التعبير، خصوصاً على الأزمة السورية، إذ في كل يوم تأتي التطورات لتعزز منطق هذا الفريق حيناً والفريق الآخر أحياناً.
فمثلاً، حين تسحب مصر سفيرها من دمشق في سابقة خطيرة تشير الى أنها قد إنحازت الى الفريق المناهض للنظام السوري، تأتي تصريحات عبد العزيز بلخادم الامين العام لجبهة التحرير الجزائرية والممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة حول جامعة الدول العربية حيث وصفها بأنها "ليست جامعة وليست عربية"، لتشكل دعماً لدمشق من دولة عربية مؤثرة في غير مجال، وخصوصاً انها تحمل إرث الثورة الجزائرية ذات المكانة الكبيرة لدى العرب جميعاً.
وفي حين تتجه الأنظار الى تونس لتواكب ما يمكن أن يخرج به مؤتمر "اصدقاء سوريا"، تأتي تصريحات وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام عن استبعاد دعوة ممثلين لـ"المجلس الوطني السوري" الى هذا المؤتمر واستبعاد التدخل الخارجي في سوريا، لتكشف إرتباكا في مؤتمر توقع كثيرون أن يكون اطاراً لتشريع هذا التدخل الأجنبي بعد أن عجزت واشنطن وحلفاؤها عن انتزاع قرار أممي يمكن استخدامه لتبرير التدخل الخارجي في سوريا.
وفيما يعلن زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري إنخراط تنظيمه رسمياً في النزاع الدائر على الأرض السورية، يبدي رئيس جهاز المخابرات الوطنية الأميركية جيم كلابر ووزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا خشيتهما من استغلال "القاعدة" إنقسامات المعارضة السورية من أجل إختراقها. في حين تنطلق حملة في كبريات الصحف الغربية ولا سيما البريطانية والأميركية منها، لإنتقاد ما يمكن أن يُعتبر تحالفاً بين الدول الغربية وتنظيم "القاعدة" بعد أن كانت هذه الدول شنت حروباً ضد هذا التنظيم وخسرت فيها عشرات الألوف من أبنائها وآلاف المليارات من دولاراتها باسم محاربة "القاعدة".
وفيما كان نائب وزير الخارجية الصيني تشاي جيون يزور دمشق للمرة الأولى ليعلن مساندته الإصلاحات التي تقوم بها القيادة السورية، كانت حشود معارضة تتظاهر للمرة الأُولى في حي المزّة الدمشقي في مشهد اعتبره مراقبون أنه تطوّر في تكتيكات المعارضة عبر نقل الإحتجاجات الى دمشق وحلب، وقد كانتا بعيدتين عنها منذ تفجّر الاحداث السورية.
وفي ظل هذا التناوب بين الهبّات الباردة والساخنة على الوضع السوري يعتقد سياسيون متابعون للأزمة السورية، "أن سوريا باتت أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما معركة طويلة تنخرط فيها قوى اقليمية ودولية بعضها يساند النظام السوري، وبعضها الآخر يناهضه، وإما تسوية كبرى عالمية وإقليمية ومحلية".
ويتوقف هؤلاء المتابعون خصوصاً عند تصريحات نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يزور واشنطن وحديثه عن "محادثات إيجابية جداً" مع الإدارة الأميركية، فيما كان نائب وزير الخارجية الصيني يزور دمشق ويجتمع بالرئيس السوري بشّار الأسد ومعاونيه، ويجتمع أيضاً بمعارضة الداخل التي سبق لها أن زارت بكين قبل أُسبوعين، وتردد أنها لم تقتنع بالدعوة الصينية الى المشاركة في حوار شامل مع النظام.
ويربط هؤلاء المتابعون أيضا بين هذه الزيارة وبين إعلان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن رغبة بلاده في محادثات مع الدول الخليجية للوصول الى رؤية مشتركة للحل في دمشق، ناهيك عن المحادثات الروسية ـ الفرنسية من أجل الوصول الى تفاهم حول قرار جديد أكثر توازناً في مجلس الأمن الدولي، حول الأزمة السورية.
كل هذه المؤشرات تشير الى سباق جارٍ بين من يحاول أن ينقل سوريا الى ساحة للفوضى المسلحة والحرب الأهلية بكل تداعياتها المحلية والاقليمية والدولية، وبين من يحاول أن تكون سوريا هي ساحة التسوية التي تستعيد توازناً دولياً واقليمياً ومحلياً تفرضه الوقائع المستجدة على الصعيدين الميداني والديبلوماسي.
وفي هذا السياق يعتقد بعض المدركين للتحول في موازين القوى بعيداً عن الصخب الاعلامي، أن إحتمال التسوية يبقى الأكثر رجحاناً، خصوصاً في ضوء تقارير ديبلوماسية وتحليلات إعلامية غربية تشير الى صعوبة سقوط النظام السوري في المدى المنظور على الأقل، وأن استمرار المواجهات المسلحة سيكون له تداعيات خطيرة على أكثر من مستوى.
وفي لبنان تدل المؤشرات الى إقتراب توقيع وزير العمل شربل نحاس مرسوم "بدل النقل" للعمال في ضوء حديث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عن بقاء الحكومة كإطار للإستقرار السياسي والأمني ودعم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على رغم كل ما طاوله من سهام النقد خلال زيارته الأخيرة لباريس، ما يكشف في وضوح أن منطق التسوية ولو بعناوينه اللبنانية الصغيرة هو المنطق الأقوى.
وفي هذا الإطار أيضاً يمكن قراءة كلام رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط الذي "نأى بنفسه" عن مواقف قادة 14 آذار في "البيال" ضد سلاح المقاومة، ما يشير الى أن الرجُل يريد أن يستعيد توازنه، ولو من باب الدفاع عن هذا السلاح.
إلاّ أنه على الرغم من قوة هذا التحليل فإن أصحابه لا يقلّلون من قوة الإحتمال الثاني وهو تسعير النزاع بكل أشكاله. ومن يعش يرى؟