سوريا تكافح الأمية وخريجي الجامعات!

حققت سوريا إنجازات جيدة على صعيد محو الأمية، حيث احتفلت محافظات سورية كثيرة بخلوها من الأمية، في وقت تتجه فيه البلاد نحو المرحلة المقبلة التي تتعلق بمحو الأمية الرقمية، حيث تضع الحكومة السورية خططا واعدة في هذا المجال، حسب بعض المصادر الرسمية.
ورغم أن البعض يشكك في الأرقام المتفائلة التي توردها مراكز الإحصاء الرسمية، مشيرا إلى أن اجتثاث الأميّة يتطلب إطلاق حملة شاملة لمكافحتها وتجفيف منابعها، تشارك فيها الفعاليات الرسمية والاجتماعية، وإيقاف التسرب المدرسي الذي يعدّ الرافد الأساسي للأمية من خلال تفعيل قانون التعليم الإلزامي وزيادة الغرامات والعقوبات بحقّ المخالفين وغيرها.
غير أن العقبة الأساسية المقبلة للحكومة السورية لا تقف عند الأمية التقليدية (معرفة القراءة والكتابة) أو الرقمية (استخدام الكمبيوتر)، بل تتجاوزها إلى المشكلة الكبرى التي تكمن في إيجاد فرص عمل للشباب وخاصة خريجي الجامعات.
ويشير موقع "دي برس" إلى أن آلاف الخريجين من الجامعات السورية يرفعون شعار "لا فرص عمل"، لاسيما بعد أن فشلت الحكومة في حلّ أزمة البطالة من خلال مكاتب التشغيل من جهة أو من خلال مراكز الإرشاد الوظيفي من جهة أخرى، "فذهبت كل حلولها عرض الحائط بعد أن أشارت الاحصاءات الرسمية إلى 1،7 مليون عاطل عن العمل في سوريا، فكيف إذا أضافت الحكومة إلى هذه السلسلة شرطاً آخر أكثر تعقيداً يشترط على خريجي الجامعات المتقدمينن إلى وظائف الدولة ألا يقل معدلهم العام عن 60 بالمئة".
ويشكك بعض المراقبين في الإحصائية الحكومية الأخيرة حول واقع البطالة في سوريا التي أكدت أن نسبة البطالة انخفضت خلال عام 2010 إلى 16 بالمئة.
ويشير موقع "سيريا نديز" أن الأرقام الجديدة تأتي كنتيجة لمجمل الأهداف التي وضعتها الحكومة في الخطة الخمسية العاشرة والرامية إلى التقليص من نسبة البطالة لاسيما لدى الفئات العمرية الشابة.
ويرى مراقبون أن الخطة الخمسية العاشرة التي أقرتها الحكومة السورية وتضع نصب أعينها خفض معدل البطالة وخاصة بين الشباب تتناقض مع بعض القرارات الأخرى، وأبرزها القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء السوري الذي يشترط في المتقدمين على وظائف الدولة ألا يقل معدّل تخرجهم العام عن 60 بالمئة، وهم قرار يعتبره البعض "تعجيزيا".
ويرى معظم طلاب الجامعات في قرار مجلس الوزراء أزمة جديدة متتالية تقف بوجه دخولهم إلى سوق العمل، فيما وجده آخرون تجسيداً لانسحاب الحكومة من لعب دورها الاجتماعي نتيجة لانخفاض دورها الاقتصادي.
ويقول حسن (طالب في كلية التجارة والاقتصاد بدمشق) "الجهات العامة تطلب حاجتها أساساً بناء على المعدلات المرتفعة، والشروط المسبقة في أي عمل قد تحرم الكثيرين من طالبي العمل من الفرصة، وهذا البلاغ (القرار) برأيي تحصيل حاصل بالنسبة للمسابقات".
وترى مروى (طالبة في كلية الاقتصاد) أن القرار الأخير غير قانوني "لأنه لا ينطبق مع مبدأ تكافؤ الفرص، فعندما يتقدم عدد كبير وتختار اللجنة المشكلة من مكان المتقدمين الأفضل بناء على المعدل فهذا قانوني، أما التحديد المسبق يعتبر مخالف للقانون، فماذا تفعل هذه الجهة إن كان هناك عدد من الشواغر ولا يوجد متقدمون من ذوي المعدل المطلوب".
ويؤكد موقع "دي برس" أنه لا يوجد في قوانين العمل السورية الحالية "سواءً القانون رقم 17 لعام 2010 الخاص بالعاملين في القطاع الخاص والمشترك وقانون العاملين الأساسي الخاص بموظفي القطاع العام مثل هذا الشرط، وبالتالي يعتبر هذا البلاغ مخالفاً لقوانين العمل السارية، مع العلم أن معدل التخرج في الشهادات العلمية هو 60 بالمئة ومافوق وفي الكليات النظرية 50 بالمئة، أما شرط المعدل العالي فحُدد لأساتذة الجامعة فقط منعاً للفساد".
ويؤكد أحد طلاب الدراسات العليا في كلية الحقوق أن "من يحملون معدّلات مرتفعة يختارون السفر إلى الخارج أو يلجؤون إلى القطاع الخاص نظراً لرواتبه التي تفوق القطاع العام حتى لو كان معظمه غير آمن".
وتقول رشا حرفوش مديرة القوى العاملة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل "إن هذا البلاغ الذي حدد أسس ومعايير الترشيح للتعيين في الجهات العامة، جاء منسجماً مع الرؤية المستقبلية في الخطة الخمسية العاشرة، التي أشارت إلى ربط التخطيط الاقتصادي بالإصلاح الإداري، والوصول إلى أعلى مستوى من القدرات والخبرات والمهارات في مختلف الوظائف والدوائر الحكومية، وعلى جميع المستويات كذلك رفد القطاع العام بالمؤهلات العليا والخبرات الكفوءة، على اعتبار أنّ الضعف السائد حالياً في الإنجاز الاقتصادي ما هو إلا انعكاس ذو دلالة على ضعف المؤسسات العاملة في القطاع الحكومي، علماً بأنّ تحديد أسس ومعايير الترشيح لا يعني عدم تلبية طلبات الجهات العامة من العمال، وإنما تلبية طلبها ضمن الأسس والمعايير التي حددها البلاغ".
ويرى البعض أن الحكومة السورية أدركت متأخرة أن القطاع الخاص ليس أفضل من جهة الكفاءات، رافضةً أن تكون الممتص الوحيد لمشكلة البطالة، مبررة بلاغها بأن الكفاءة هي المطلوبة أولاً، ويتساءلون إن كان المعدل الجامعي يحدد كفاءة موظف لم يدخل إلى سوق العمل بعد.
وتقول حرفوش "كان يُنظر سابقاً إلى القطاع الحكومي باعتباره الخزان الوحيد الذي يتحمل مسؤولية امتصاص البطالة، وتوفير فرص العمل للداخلين الجدد إلى سوق العمل، ونتيجة لذلك لم يكن التوظيف مبنياً على معايير الطلب والحسابات الاقتصادية للجدارة والإنتاجية؛ بل غلب عليه الطابع الاجتماعي والريعي، ما أدى إلى تراجع مبدأ الحرفية في العمل، لذلك فأن وزارة العمل تعتبر بلاغ رئاسة مجلس الوزراء مشروعاً على المستوى الوطني تُعنى بإنجازه وتطبيقه على المستوى العملي كافة المؤسسات العامة والجهات الحكومية".
لكن بعض الاقتصاديين يرون أن أغلب قرارت الحكومة تصدر بشكل غير واعي وغير مدروس، متسائلين "إن كان قرار الحكومة فيه شيء من الحق وكثير من الظلم، فماذا عن الخريجيين قبل هذا القرار والذين لا تتجاوز معدلاتهم هذا الحد"؟
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور سعد بساطة إن "الجامعي يسعى إلى العمل عقب تخرّجه، وهذا يُعتَبر بداية تدريبه واعتماده على نفسه، والدولة تتساهل في كثير من الحالات، فتُعيّن الخريج الذي لايحوز على أيّة خبرات، على عكس القطاع الخاص الذي يستهدف العامل لديه أن يقدّم إنتاجا ًمحسوسا ًمن أول لحظة، لكن هذا التساهل ليس تراخياً كما قد يبدو لأول وهلة؛ بل هو إتاحة المجال أمام الجيل الجديد للعطاء".
ويضيف "لكن هذا التعـيين ليس عـشوائياً فهنالك شروط تحكمه، وقد نصـّت التعـليمات السارية المفعـول في العـام الماضي إتقان اللغـة الإنجليزية، وإزالة أمية الكمبيوتر، والبلاغ 13 أضافت شروطا ً أخرى أهمها معدل التخرج للشاب الجامعـي، فهل الدور الأبوي للدولة يقتضي أن تتنازل عـن الشروط (التي هي أصلا ًبحدّها الأدنى) لتعـيين كل من يرغـب أويحتاج الوظيفة"؟
ويطرح بساطة بعض الأمثلة "ففي فرنسا يكون موظف الدولة من الصفـوة كذلك الأمر في بريطانيا فمن يعـمل في وظائف الدولة فهو من الأفضل، أما في ماليزيا واليابان فموظف الدولة يجب أن تكون لديه أفضل المهارات وخيرة الخبرات".
ويضيف "للأسف في بلدنا ولأسباب فرضتها ظروف مضت، انضم للقطاع العـام كل 'من هبّ ودبّ' دون نظر للمؤهلات أو المهارات، ولهذا السبب أخذ موظف الدولة أسماء وصفات لاتليق به، وأضحت الوظيفة كأنـها عـطيـّة لذوي العـاهات أو تكية لمن يرغـب أن يرتاح".
ويؤكد بساطة أن الحكومة السورية رغبت بتغـيير النظرة السلبية لموظف الدولة، و"بالتالي فالانتقائية الأعـلى هي إحدى الوسائل الأنجع للوصول إلى سوية مرتفعـة في الأماكن التي تردف صُناع القرار، وصنع قاعدة راقية من الموظفين تكون دعامة للإصلاح الإداري والإقتصادي، ووجود نسبة كبيرة من الباحثين عـن عمل لا يعني بالضرورة التساهل في الشروط اللازمة، ورفع سوية الاختيار لا يمكن تفسيره أنه تخلٍ من الدولة عـن واجبها الأبوي، وهل وجود الآلاف من خريجي الجامعات يلوي ذراع الدولة ويثنيها عـن شروطها"؟
ويتساءل الخبير إذا كانت نسبة 66 بالمئة ممـّن يعملون في القطاع العام يحملون شهادة الإعدادية فمادون، فهل هؤلاء من تأتمنهم الدولة عـلى مقدّراتها، وخطط نموها؟
ويؤكد بساطة بالمقابل أن الشروط صعـبة "لكن الهدف مبرّر، أما القول أنّ تلكم الشروط التي أجدها بالمقارنة مع دول أخرى متقدمة شروط تعجيزية فهي كلمة حق يُراد بها باطل".
ميدل ايست اون لاين