سورية والخطر القادم من الشمال ..

 

د.تركي صقر . البعث

يبدو واضحا أن إدارة اوباما تقوم بمحاولات حثيثة لتحضير المسرح الدولي لعمل ما مباشر ضد سورية بعد أن فرغت من استخدام غالبية رصيدها من بنك الأهداف الخاص بالعقوبات الاقتصادية حيث قامت بتفعيل قانون المحاسبة القديم وفرضت حزمة جديدة وواسعة من العقوبات هي والاتحاد الأوربي ووجهت الأوامر إلى دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ إجراءات مماثلة وانتقلت لتحريض الصين وروسيا والمؤسسات الدولية المختلفة للغاية ذاتها .

ترافق هذا كله مع تجييش دولي وصل إلى أروقة مجلس الأمن ولملمة شراذم المعارضة السورية الخارجية والاجتماع بها والطلب من تركيا احتضانها وأخيرا وليس آخرا توجيه رسائل إنذار و تهديد وتحديد مواعيد لتنفيذ شروط أين منها شروط غورو.. والسؤال ماذا بعد ؟؟ وماذا بقي في جعبة واشنطن  بعد خمسة أشهر من ممارسة اشد الضغوط على سورية ؟؟ وهل وصلت إدارة اوباما إلى قناعة أن مساحة اللعب بأوراق الداخل السوري قد أضحت محدودة كي تفكر بالانتقال إلى الأوراق الخارجية ؟؟


لانذهب بعيدا إذا قلنا أن الرهان الأمريكي على تركيا هو الورقة الأولى المطروحة على الطاولة لتنفيذ عمل ما مباشر ضد سورية وهذه الورقة لاتكلف واشنطن سوى انتزاع قرار من مجلس الأمن يغطي تدخل حلف الناتو وتركيا ضمنا وقد يحتاج ذلك إلى بعض الوقت لااكثر بحسب كثير من المحللين ويبدو أن حكومة اردوغان بدأت تحركا عسكريا تدريجيا على حدودها الجنوبية في الوقت الذي تحركت فيه للتنسيق مع السعودية والأمارات وتنسيقها لم يتوقف مع قطر بشان سورية منذ ما قبل الأحداث ولا نستبعد أن يكون الغزل الأخير بينها وبين إسرائيل محوره الموضوع السوري .


وعليه تأمل واشنطن أن تلعب قريبا الأوراق الخارجية كلها في وجه سورية وفي مشهد قد يختلف قليلااوكثيرا عن المشهد الليبي وباعتماد أساسي على الحامل التركي لفرض منطقة معزولة على الحدود الشمالية بالقوة العسكرية واحتمال وضع سورية بين فكي كماشة عسكري.. تركيا من الشمال وإسرائيل من الجنوب وهنا يتبادر إلى الذهن التساؤلات التالية :

هل ستكون إدارة اوباما قادرة على تكرارحماقات فاشلة في الشرق الأوسط كما في أفغانستان والعراق والصومال ولبنان وهي ترزح تحت عبء أزمة نسفت حتى الآن مصداقية دولارها في أربع رياح الأرض ؟؟

هل ستكون حكومة اردوغان بوضعها الداخلي المعروف قادرة على مغامرة عسكرية على أطول حدود لها مع أية دولة مجاورة وقد فشلت في تجربة اللاجئين من جسر الشعور؟؟
هل ستكون حكومة نتنياهو قادرة على الزج بنفسها في عمل عسكري من أي نوع ضد سورية دون أن تحسب حسابا لقوى المقاومة وفي المقدمة حزب الله وإيران وهي تعي الدروس السابقة جيدا ؟؟
هل يمكن أن تترك روسيا والصين ما عدا القوى الصاعدة كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا الولايات المتحدة تسيد وتميد في ترتيب الساحة الدولية لتبقى القطب الأوحد إلى عقود مديدة وهذه القوى تدرك أن نجم إمبراطورية الدولة الأعظم بدأ الأفول  ؟؟

ونستطيع القول في ضوء هذا كله أن الرياح لن تجري كما تشتهي السفن الأمريكية فسورية ليست كجزر المالديف وليست تلك الدولة الهشة التي تقتلعها رياح الأماني والرغبات الأمريكية متى شاءت وقد جربت هذه الرياح حظها مع سورية قبل غزو العراق وخلاله وبعده دون طائل.. ومايهمنا التنبيه إليه أن تعي حكومة اردوغان مخاطر الانزلاق والتورط في وضع نفسها حصان طروادة لواشنطن التي اعتادت الحرب بالآخرين وعليهم ويبدوانها تسير هذه الأيام نحو تفجير حرب إقليمية تجر على الحكومة التركية قبل غيرها أفدح الخسائر وأول هذه الخسائر ما أنجزته من علاقة مميزة مع سورية كانت أفضل انجاز حققته في تاريخها..
 

 

ولا احسب أن سورية لا تعي تماما ما يدور حولها أولا تعي حجم التحريض الأمريكي ليكون الخطر القادم عليها من الشمال جارفا وشديدا إلا ان على الآخرين أن يعلموا أن اللعب بالنار مع سورية لن يكون مجرد نزهة أبدا..