سيادة وطنية تحت الطلب !!

رفضت مصر بكل إباء وشمم وجود مراقبين دوليين لمتابعة الانتخابات التي تجري على أرضها, واعتبرت الرقابة الدولية على الانتخابات مساساً بالسيادة الوطنية حسب التصريحات الرسمية.. ولايملك المرء حينما يسمع أن هناك مساسا بالسيادة الوطنية إلا أن يمتثل ويخشى على البلد من هذا الاستعمار الذي جاء هذه المرة في صورة مراقبين دوليين لاحتلال أراضينا وفرض إرادتهم علينا!!. وحينما بحثت في الكتب والمراجع التى تهتم بالعلوم السياسية، وجدت أن مفهوم السيادة الوطنية يتطور بمرور الزمن، ويتراوح هذا المفهوم بين سيادة الحاكم والشعب والبرلمان، فإما أن تكون هي السلطة العليا المسيطرة على البلاد، أو قوة الدولة داخل حدودها وقدرتها على تطبيق القوانين بها، وقدرتها على الدفاع عن حدودها الوطنية.. وظل التطور في مفهوم السيادة الوطنية مستمراً حتى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتفككه، وإعلان الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الأب عن مولد نظام عالمي جديد أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.. وسواء قبلنا ذلك أم لم نقبله أصبح هذا النظام حقيقة واقعة لانملك إلا التعايش معها رغم تعارض المصالح واختلاف الرؤى في كثير من الأمور.. واختلف مفهوم السيادة الوطنية.. فأصبحت هناك تدخلات دولية في الملفات الداخلية الخاصة بحقوق الإنسان والحريات العامة.. وأصبح الإعلام حراً عابراً بتأثيره الحدود والقارات.. بل أصبح العالم يتهافت على توقيع معاهدات لتحرير التجارة، وتتنازل الدول عن قوانينها المحلية من أجل الدخول في هذه المعاهدات.. والأهم هو ذلك التوسع الملحوظ خلال العقدين الماضيين في عمليات حفظ السلام، حيث تدخل دول بقوات عسكرية إلى داخل حدود دول أخرى تشهد توترات وصراعات، وقد شاركت مصر في بعض هذه المهام، وتكون هذه القوات غالباً محل تقدير من الدولة التي تشهد توترا، ولم نسمع أن أحداً من هذه الدول اتهم تلك القوات الدولية بأنها تنتهك السيادة الوطنية لبلده. ومن بين مظاهر هذا النظام العالمي الجديد وجود مراقبين دوليين عند إجراء أي انتخابات ديمقراطية.. وأصبحت الدول تتفاخر بدعوة مراقبين دوليين لأن في ذلك دليلاً على نزاهة الانتخابات وتعبيراً عن أنها دولة ديمقراطية حقيقية، وأنها لا تخشى اكتشاف المراقبين بعض أوجه الخلل في انتخاباتها حتى تستفيد منها عند إجراء انتخابات مقبلة.. وبالطبع يحق للدولة التي تجري الانتخابات أن ترفض مراقبين بأعينهم، فالشعب المصري مثلاً لا يقبل وجود مراقبين إسرائيليين على أرضه، ويحق للدولة أيضاً رفض مراقبين ممثلين لمنظمات معينة ذات توجهات مشبوهة.. وهنا يتحقق مبدأ مهم وهو أن الرقابة الدولية على الانتخابات ليست فرضاً على الدولة قدر ما هى دليل على رغبة الدولة فى إجراء انتخابات نظيفة. فإذا كانت مصر الرسمية قد اتخذت موقفاً حازماً وصارماً رافضاً لوجود مراقبين دوليين، فلابد أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة.. هل تستطيع مصر أن تغير النظام العالمي الجديد أحادي القطبية، وتحل محله نظاماً عالمياً آخر متعدد الأقطاب مناسباً لها، أم هل تريد مصر أن تنفصل عن المجتمع الدولي فتصبح دولة منعزلة معدومة التأثير علما بأنها لو اختارت ذلك فلن تستطيع أن تقي نفسها من آثار هذا المجتمع الدولي الجديد الذى حلّ على العالم كله بآلياته ووسائله؟ ولو كان الأمر كذلك فلماذا قبلت مصر مشاركة بعض المصريين في الرقابة على انتخابات في دول أخرى وشاركت في بعض المهام تحت لواء النظام العالمي الجديد الذي تمثله الأمم المتحدة وتهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية؟ والحقيقة التي يجب أن نعلمها جيداً، أن منع المراقبين الدوليين من مراقبة الانتخابات المصرية لن يمنعهم من كتابة تقارير عن الانتخابات المصرية، ولن يستطيع أحد إخفاء سلبية من السلبيات التي ستظهر في الانتخابات.. خاصة أن منع المراقبين الدوليين من المشاركة يعتبر دليلاً على عدم وجود رغبة فى إجراء انتخابات نزيهة من الأساس.. فالمبدأ العام أن إخفاء الحقيقة يبدأ بإسكات الرأي.
المشكلة أن الحكومة المصرية تفكر بطريقة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال ظناً منها أن أحداً لا يراها، وظنا أنها أذكى من الآخرين.. وهي تتعامل مع الشعب المصري باعتباره شعباً أمياً لا يدرك، وعاطفياً يسهل التلاعب بمشاعره، وتتعامل أيضاً مع المجتمع الدولي بنفس الطريقة..
وحتى نكون دولة متزنة ومحددة وواضحة لابد أن نتفق على المفاهيم الأساسية.. وأول هذه المفاهيم التي يجب التوافق على تعريف عام لها هو السيادة الوطنية المصرية.. فلا أعرف كيف تصدر الدولة المصرية الغاز لإسرائيل رغم الرفض الشعبي العارم وتعتبر ذلك لا يمس السيادة الوطنية، وتمنع بعنف الرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية حفاظاً على نفس السيادة الوطنية؟!!
أسامة هيكل - المصري اليوم