سياسة الأسد المتوائمة مع صرخة البابا بينديكتوس السادس عشر ...

العاشر من نيسان هو موعد تنفيذ مبادرة كوفي أنان الدولية لإنهاء المرحلة الأمنية التي حرص الرئيس بشار الأسد على تخطّيها بأقل قدر من الأضرار، نظرًا للتواجد المسلّح في مناطق آهلة.
فبعد إيفائه ببرامج الإصلاحات التي أصدرها تباعًا، وصولاً إلى موعد الإنتخابات التشريعية وبتحقيق أكبر قدر من الأمان على المواطنين العالقين في شبكة هؤلاء المتمرّدين، أصبح بمقدور مجلس الأمن ممارسة التأثير على الدول الفاعلة كالسعودية وقطر وتركيا، في تأدية دورها الإيجابي لملاقاة خطوة السلطة، مكانًا وزماناً.
إذ لا يجوز الركون إلى الوعود، أو التشكيك بالنيات، التي تستبق إجراءات الحكم السوري، لأن الرئيس الأسد حريص على كلمته التي تُعطى، وقد أثبت قدرته على الوفاء بكل إلتزاماته، ولو إستغرقت بعض الوقت الذي تتطلّبه، في ظل الظروف الأمنية المضطربة، نتيجة تسلّل المسلّحين والذخائر عبر حدود مفتوحة من تركيا والأردن ولبنان.
إن الخشية، التي كان يطلقها بطاركة الطوائف من سورية ولبنان، من الإجتياح الإخواني لربيع العرب، في دول المنطقة، حملت أخيرًا قداسة الحبر الأعظم البابا بينديكتوس السادس عشر، على دقّ ناقوس الخطر من هذا التمادي والتغاضي عن أعمال العنف الذي تمارسه هذه الفئات المسلّحة والمتسلّحة بالدين، زورًا وبهتانًا! محذّرًا الولايات المتحدة الأميركية من تأييدها لمثل هذه الجماعات التي تهدّد الوجود "الأقلوي" في هذا الشرق، والوجود المسيحي الأساسي في جغرافيته وتاريخه ومقدّساته، حيث باتت نسبة الوجود المسيحي متدنّية إلى درجة كبيرة في القدس، حيث بيت لحم، والناصرة، وكل الطرقات التي مشى عليها المسيح، ونشر راية إيمانه وإفتدائه، الذي نحتفل به غدًا، إلى جميع المؤمنين في العالم، كما أسرى النبي محمد من العاصمة الدينية الكبرى في العالم في إسرائه ومعراجه، ويبدو المسجد الأقصى رمزًا من هذه الرموز، وإحدى قبلتَي العالم الإسلامي.
لقد جاء تحذير أكبر مرجع روحي مسيحي في العالم ليؤكّد على كل الهواجس والتوجّسات التي أثارها غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي يجسّد التصوّر المشترك ما بين الكنيسة الكبرى في الفاتيكان والصغرى في لبنان، وليحث الغرب على عدم الإنزلاق في مثل هذه السياسات المنحرفة، في إتجاه تعزيز الطابع اليهودي في المنطقة، على حساب الطابع المسيحي المتجذّر في كيانها، ومحيطها الإسلامي.
فخلال الفترة التي تولّى فيها الرئيس بشار الأسد، وقبله الرئيس حافظ الأسد، كانت أوضاع الأقليات المسيحية وغير المسيحية مُصانة في عهدة الحكم هناك، لا بل كانت ثمّة إجراءات إتّخذها الرئيس الراحل حافظ الأسد لتعزيز الأماكن المقدّسة التي شهدت على نشوء المارونية، عندما أوعز إلى المسؤولين خلال عهد الرئيس سليمان فرنجية، ببناء تصوينة لائقة حديدية لضريح شفيع الطائفة المارونية مار مارون، وإطار الحديقة في هذا المقام الروحي، وظلّ متمسّكًا ببقاء هذا الضريح الذي عرض الرئيس فرنجية نقله إلى بلدة زغرتا، كونها تحوي أكبر تجمّع ماروني قائلاً له: "يا فخامة الرئيس، القديس مار مارون وُلد وعاش هنا، فلماذا لا يبقى هنا، شاهدًا على مسقط رأسه وحياته"!
كما أن سائر الأقليات الأرثوذكسية والكاثوليكية، التي تخوّفت من أي تغيير له طابع طائفي، تمسّكت بحرص النظام الحالي على أوضاعها، التي لم تتعرّض لأية ممارسات مسيئة أو منتقصة الحقوق، فالكل سواسية أمام القانون، في هذه الدولة المدنية.
أما في لبنان، وضمن هذه الإستراتيجية التي كان خير راعٍ لها، فقد سجّل الرئيس الراحل حافظ الأسد مأثرة المحافظة على المناطق المسيحية، عندما تعرّضت أعالي المتن لخطر الإجتياح الفلسطيني والحركة الوطنية آنذاك، للسيطرة على لبنان. ولولا دخول القوات السورية بطلب من الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميّل الأب والجد، لَوَقَعَ لبنان تحت سيطرة أبي عمار، ولَكان هذا الوطن بديلاً من فلسطين، ولَرُحّل المسيحيون في بواخر الموفد الأميركي دين براون، إلى أقاصي الإنتشار في الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وأوستراليا!
إن تاريخ الرئيسين حافظ وبشار الأسد يشهد لهما في تعزيز إحترام التعدّد الطائفي بين أبناء سورية ولبنان، لأن أي إنحراف عن بوتقة العيش هذه، يشكّل تطرّفًا دينيًا خبرنا تجاربه في العراق واليمن وفي مخيّم نهر البارد، وبعض بؤر المخيّمات الفلسطينية في لبنان، واليوم نشهد بروزه في زوايا معيّنة من سورية.