شرطان عالقان بين باريس وموسكو قبل البحث في الأزمة السوريّة

 

 

كباش ديبلوماسي وسياسي مفتوح بين الديبلوماسيتَين الفرنسية والروسية في شأن الأزمة السوريّة في عدد من المحافل. والواضح أنّ موسكو تضع شرطين قبل بحث أيّ مسألة، فيما يعمل وزير الخارجية الروسيّة سيرغي لافروف على ثلاثة مسارات مستفيداً من ثغرة تقرير بعثة مراقبي الجامعة العربية.

 


يبدو أنّ الهوّة عميقة بين رؤيتَي باريس وموسكو الاستراتيجيتَين للأزمة السوريّة، إذ لم تنجح كلّ المساعي الديبلوماسية لرأب الصدع مباشرة أو مداورة، والضغوط والضغوط المضادة لتليين موقفيهما، فالخطّ الهاتفي الساخن شبه مقطوع بين وزيرَي خارجية البلدين ألان جوبيه وسيرغي لافروف منذ التدخّل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا الذي أدّى إلى إطاحة العقيد معمّر القذافي.

فجوبيه ولافروف يشكّلان اليوم رأسَي حربة في المعركة الديبلوماسيّة والسياسية والإعلاميّة التي تدور رحاها في مختلف المحافل، على الرغم من انغماس الأوّل في منازلات داخليّة للدفاع عن ترشيح نيكولا ساركوزي لولاية ثانية، بينما يستظلّ الثاني الموقف الحازم للمرشح فلاديمير بوتين لخلافة الرئيس ديمتري ميدفيديف.

ولئن كشفت موسكو عن رعايتها لنظام الرئيس السوري بشّار الأسد للسير على طريق الإصلاح والحوار الداخلي وتولّت منازلة فرنسا أيضاً في مجلس الأمن عبر توزيع مشروعي قرار، فإنّ فرنسا تحاول من جهة لعب دور العرّاب لقسم من المعارضة الخارجية المتمثلة بالمجلس الوطني السوري، على رغم أنّها تؤكّد انفتاحها على الشرائح الأخرى من المعارضة الداخلية والشخصيّات التي تزور باريس دوريّاً.

ومن جهة ثانية، فهي سبّاقة الى طرح مسوّدات مشاريع القرارات الخاصة بسوريا في مجلس الأمن والجمعية العموميّة للأمم المتّحدة التي يرأسها القطري ناصر عبد العزيز الناصر. كما يقرّ مصدر، طلب عدم الكشف عن هويته، بأنّ باريس تحوّلت "خليّة نحل" من أجل مدّ الديبلوماسية القطرية بمسوّدات عمل ومشاريع قرارات لتقديمها إلى اللجنة الوزارية الخاصة بسوريا المنبثقة من الجامعة العربية، وذلك عملاً باتّفاق التعاون الديبلوماسي الخاص بين باريس والدوحة.

ويشير أحد المسؤولين الفرنسيّين الكبار في جلسة خاصة، إلى أنّ موسكو تعتبر أنّ ما جرى من خروج على نصّ القرارين 1970 و1973 وروحيّتهما المتعلقَين بليبيا، يشكّل حتى الساعة العقبة الكأداء لتحسين العلاقة بين باريس وموسكو، إذ ترى هذه الأخيرة أنّ ثمّة محاولات حثيثة لبعض الدول الغربية ومنها فرنسا لتغيير المبادئ والقواعد القانونية التي رعت العلاقات الدوليّة من خلال الأمم المتّحدة منذ الحرب العالمية الثانية، لجهة سيادة الدول ومبدأ عدم التدخّل في شؤون الغير، وحلّ الأزمات بالطرق السلمية.

ويلفت المسؤول الفرنسي إلى أنّ موسكو تضع شرطين في أثناء مناقشاتها مع عدد من مسؤولي الدول الغربية الراغبة البحث في الأزمة السوريّة بطريقة جدّية وخلاّقة:

الأوّل، أن تتمّ الموافقة في مجلس الأمن على توقيع مشروع قرار لإجراء تحقيق دولي رسمي في الانتهاكات التي ارتكبتها قوّات حلف شمال الأطلسي في ليبيا وفي الظروف المحيطة بمقتل العقيد معمّر القذافي.

الثاني، إجراء تحقيق مع مسؤولي منظّمات حقوق الإنسان الليبية بعدما أقرّ مدير المرصد الليبي لحقوق الإنسان في مقابلة صحافيّة نشرتها جريدة سويسريّة بأنّ أرقام المجازر الأولى في بنغازي التي شكّلت ذريعة للتدخُّل العسكري الخارجي كان مبالغاً فيها بطريقة متعمّدة.

إلى ذلك، يعترف مستشار أوروبّي بأنّ محاولات "تضييق الخناق الديبلوماسي" على موسكو لم تفلح حتى الآن، ذلك أنّ لافروف عمل على مسارات ثلاثة:

ـ أوّلاً، إجراء مشاورات منتظمة مع نظرائه في دول "البريكس" حول الموضوع السوري، آخذاً في الاعتبار ملاحظاتهم قبل الإقدام على أيّ خطوة جديدة.

ـ ثانياً، تفعيل الاتّصالات مع وزراء خارجيّة الدول العربية وفي مقدّمها، مصر والجزائر.

ـ ثالثاً، البناء على تقرير رئيس بعثة مراقبي الجامعة العربية الفريق محمد الدابي الذي أشار إلى مجموعات مسلّحة تعتدي على قوى الأمن والجيش، لتعزيز مواقف موسكو والدول المعارضة للمقاربة الغربية في مجلس الأمن.

إلّا أنّ الدوائر الفرنسيّة والأوروبّية تنفّست الصعداء حين صدرت قرارات الجامعة الأخيرة وكُلِّف أمينها العام نبيل العربي زيارة الأمم المتّحدة وأمينها العام وعرض المسألة على أعضاء مجلس الأمن بغية طلب المساندة. ذلك أنّها نجحت في إقناع العربي بالتوجّه إلى نيويورك بعدما كان يتخوّف من احتمال حرقه سياسيّاً. ولعلّ الكباش الدائر بين باريس وموسكو خصوصا، سيستمرّ في حشدّ كلّ منهما في كلّ المحافل دعماً لاستراتيجيته في هذه المنطقة.