شعبية الحكومة على المحك

 

 

 

 
 
اعتقد اصبح واضحا الآن ان السبب الاساسي الذي يقف خلف كل مشكلاتنا وازماتنا منذ سنوات هو الانحراف الذي حدث في نظام الحكم. اوالاختلال الذي جرى للتوازن بين النظامين الرئاسي والبرلماني. فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء، فصل يبدو في ظاهره تطويرا وتنقيحا للنظام الى مزيد من الاقتراب الى النظام البرلماني. لكنه في حقيقته اضعف سلطة مجلس الوزراء وقلل من هيمنته الدستورية على شؤون الدولة.
 

وجود ولي العهد كما كان الحال في عهد رؤساء الدولة الاوائل على رأس الحكومة، وفر للحكومات مناعة، وليست حصانة كاملة، ضد تعسف البرلمان او املاءات الأسرة ووصايتها. غياب هذه المناعة عن حكومات الشيخ ناصر المحمد ادى كما لمسنا الى تخبط الحكومة والى تنوع قراراتها والى الكثير من التردد والنعم واللا، التي اعترت العمل الحكومي، ولمسناها في الكثير من المراسيم التي سحبت او السياسات التي غيرت او التصريحات التي انكرت.
 

لقد ساهمت اطراف كثيرة في التحول الذي اعترى النظام العام، وقد كان لمجلس الامة ولنواب الامة وللرئيس، مع الأسف، نصيب الاسد في التمهيد والترويج لهذا الانحراف، عندما اصروا في اكثر من مناسبة على نقل خلافهم المباشر مع الحكومة او مع سياساتها الى حضرة صاحب السمو امير البلاد، محملينه المسؤولية المباشرة وملقين حل الكثير من المعضلات على اجتهادات ورؤى سموه، مما جعل الكثير من القضايا او السياسات تعالج وفقا «لاوامر اميرية» وليس تبعا لمراسيم تتشارك الحكومة ومجلس الامة في اصدراها ويتولى صاحب السمو الامير التصديق عليها.
 

لقد حصر الدستور الاوامر الاميرية في ثلاث حالات فقط، اعلان ولي العهد وتعيين رئيس مجلس الوزراء واختيار نائب الامير. وقليل من التدقيق يقود الى ان هذه الحالات وثيقة الصلة بالامير نفسه. لهذا اقتضت ممارستها باوامر اميرية مباشرة. «وفيما عدا هذه الامور الثلاثة يكون المرسوم هو الاداة الدستورية لممارسة السلطات الأميرية المقررة بالدستور» المذكرة التفسيرية. ويكون الوزراء ولا احد غيرهم المسؤول عن تطبيق وشرح نقل الرغبات الاميرية.
 

لنجد طريقة لتغليب النظام البرلماني على النظام الرئاسي، او كما حاولت المذكرة التفسيرية ان تؤكد، لنحافظ على ضمانات «شعبية الحكم» التي حددت المذكرة التفسيرية ان اداتها الاساسية هي تكوين الرأي العام. الرأي العام لا يتكون إلا في ظل الحرية، حرية الرأي والنشر والتجمع... من دون الرأي العام لا ضمان لشعبية الحكم ولا ضمان للاستقرار والاستمرار، كما جاء في المذكرة التفسيرية لدستور الدولة« »... وفي جو مملوء بهذه الحريات ينمو حتما الوعي السياسي ويقوى الرأي العام، وبغير هذه الضمانات والحريات السياسية تنطوي النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته، وتكتم الصدور آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية، فتكون القلاقل، ويكون الاضطراب في حياة الدولة، وهو ما اشتهر به النظام الرئاسي في بعض دول اميركا اللاتينية، وما حرص الدستور على تجنبه وتجنيب الكويت اسبابه.
عبد اللطيف الدعيج - القبس