شكري القوتلي.. عاشق سوريا والعروبة

 
شكري القوتلي  
 
 
زعيم عروبي ورئيس سوري مرتين، من 1943 - 1949، ومن 1955 - 1958.
 
يُعد شكري القوتلي واحدًّا من أبرز دعاة الوحدة العربية في العصر الحديث، وأحد أبطال التحرر في العالم العربي، وقادة حركة المقاومة ضد الاستعمار.
 
ظل شكري القوتلي رمزًا للمقاومة والصمود ضد المستعمر، ولم تجدِ معه كل محاولات التهديد والابتزاز، ولم يوهن السجن من عزيمته، ولم ترهبه ظلال المشنقة التي لاحت أمام ناظريه ثلاث مرات في حياته ,  حتى تحقق حلمه الكبير، ونالت سوريا استقلالها، وأصبح القوتلي أول زعيم وطني تولى رئاسة الجمهورية السورية.
 
وُلد شكري محمود القوتلي في 21 تشرين الاول 1891، ونشأ في بيت عريق عرف بالصلاح والتقوى والاستقامة، وقد حظيت أسرته بمكانة بارزة في المجتمع العربي، ونالت تقدير واحترام الملوك والحكام، ليس في سوريا فحسب، وإنما في الوطن العربي كله، حتى إن الخديوي إسماعيل حينما دعا حكام الدول والرؤساء والشخصيات الكبيرة لحضور الاحتفال بافتتاح قناة السويس سنة 1869, كان محمد سعيد القوتلي - شقيق جد شكري القوتلي- في طليعة المدعوين من الشخصيات العربية البارزة.
 
نشأ القوتلي محبًا للغة العربية، وبعد أن حصل على الشهادة الابتدائية التحق بثانوية عنبر في دمشق, حيث أتم دراسته الثانوية فيها، ثم اشترك في مسابقة للكلية الشاهانية في اسطنبول – وهي أرقي مدرسة للعلوم السياسية والإدارية في الدولة العثمانية - فكان ترتيبه الخامس بين ثلاثمئة وخمسين طالبًا من الناجحين، فالتحق بالكلية الشاهانية سنة 1908.
 
خلال فترة دراسته بالكلية كان النشاط العربي قد بدأ على نطاق واسع، وتأسس المنتدى الأدبي الذي ضم نخبة من الشباب العربي الوطني المتحمس، وكان منهم شكري القوتلي الذي استطاع هو وإخوانه أن يوطدوا أقدام المنتدى.
 
وبعد أن أتم دراسته بها عاد القوتلي إلى دمشق سنة 1913, كما اشترك في جمعية "العربية الفتاة" التي انتشرت انتشارًا واسعًا، وكانت تعمل على نشر الفكرة العربية، وتدافع عن مصالح العرب وحقوقهم.
 
وقد أدى نشاط القوتلي وبعض زملائه من أعضاء الجمعية إلى القبض عليهم وإيداعهم في السجن، ولكنهم ما لبثوا أن أطلقوا سراحه بغية مراقبته حتى يصلوا إلى أماكن بقية رفاقه، وفطن القوتلي إلى ذلك، فأخذ الحذر، ولم يتصل بأحد منهم، وعندما يئسوا من نجاح خطتهم اعتقلوه ثانية، وأودعوه سجن "خالد الباشا" بدمشق، ومورس معه ومع زملائه أشد ألوان التعذيب والتنكيل، فكان بعضهم يذكر أسماء أعضاء الجماعة تحت وطأة التعذيب.
 
وخشي القوتلي أن يضطر إلى ذكر أسماء الأعضاء الذين يعلمهم جميعًا، ولم يجد أمامه إلا الانتحار، واستطاع الحصول على موسى فقطع به شريانه، إلا أن حارسه انتبه بعد أن رأى الدم يسيل بغزارة من شريانه المقطوع، وأسرع رفيقه في السجن الدكتور "أحمد قدري" فأنقذه من الموت في آخر لحظة، وتم نقله إلى المستشفى؛ حيث بقي به شهرًا للعلاج، ثم أعيد إلى السجن، وقُدِّم إلى المحاكمة أمام المجلس الحربي فحكم عليه بالإعدام.
 
 وعندما قام الشريف حسين بالثورة العربية على الأتراك سنة 1916قام قادة الثورة باحتجاز عدد من الضباط والجنود الأتراك، وهددوا بإعدامهم إذا لم يطلق سراح العرب المعتقلين، وكان منهم القوتلي ورفاقه.
 
أسس القوتلي "حزب الاستقلال"، فكان أول حزب في العهد الجديد , حمل على عاتقه مسؤولية توعية الشعب وتهيئته للنضال ضد المستعمر الفرنسي الذي احتل سوريا عام 1920بعد خروج الأتراك منها، وحاول القوتلي ورفاقه منع الفرنسيين من دخول سوريا بعد أن وصلوا إلى مشارف مدينة ميسلون، ولكنهم لم يتمكنوا من صدهم، فقد كانت المعركة غير متكافئة بين الجانبين، ودخل الفرنسيون سوريا وسيطروا عليها.
 
ولم ييأس القوتلي فقد ظل في طليعة الأحرار الذين هبوا يدافعون عن وطنهم، وهو ما أثار المستعمرين فاعتقوا عددا من رفاقه، وحكموا عليه سنة 1920وصادروا أملاكه، فاضطر القوتلي ورفاقه إلى النزوح إلى مصر والأقطار العربية الأخرى وإلى عدد من دول أوروبا يستنفرونها ويستنصرون بها على المستعمر الفرنسي، وهو ما اضطر الفرنسيين إلى مسايرتهم، فأصدروا عفوًا عن السجناء السياسيين، وأعلنوا استعداهم للتفاوض مع القوتلي ورفاقه.
 
  
 
  
 
عاد القوتلي وعدد من رفاقه المبعدين إلى سوريا سنة 1924، وحاول الفرنسيون إقناع الوطنين بالتفاوض معهم، ولكن القوتلي كان يعلن دائمًا أنه لا تفاوض قبل الجلاء.
 
وهبَّ الشعب السوري كله في ثورة عارمة ضد المستعمر الفرنسي، وكان القوتلي أحد قادتها ومؤججي جذوتها، لكن الفرنسيين واجهوا تلك الثورة بالبطش والعنف، واستقدموا جيشًا كبيرًا لإخمادها والقضاء على قادتها، حتى تمكّنوا من إخماد تلك الثورة، وحُكم على القوتلي بالإعدام مرة أخرى سنة 1925 فترك دمشق، وراح يتنقل بين القاهرة والقدس والرياض، يحرك المشاعر والنفوس ضد الفرنسيين، ويكشف جرائمهم ويندد بفظائعهم.
 
شارك القوتلي في المؤتمر العربي القومي الذي عقده عدد من أحرار العرب في القدس سنة 1931ليقرروا الميثاق التاريخي الذي ينبغي للعرب السير عليه خلال المرحلة المقبلة.
 
وعندما شكّل "جميل مردم بك" أول وزارة في عهد الاستقلال جعل شكري القوتلي وزيرًا للمالية والدفاع، فاستطاع أن يحقق وفرًا كبيرًا في موازنة الدولة، كما أسس وزارة الدفاع، وهو ما أثار عليه حنق الفرنسيين من جديد.
 
وفي عام 1937ذهب القوتلي لأداء فريضة الحج، فعقد مع الملك "عبد العزيز بن سعود" اتفاقًا لتسيير خط السكك الحديدية من المدينة بالحجاز إلى دمشق.
 
وبدأ الفرنسيون يضيقون بسياسة القوتلي تجاه لمِّ الشمل العربي والتعاون بين الحكومات العربية، وميله العلني إلى الوحدة العربية.
 
وراح القوتلي ينادي بالاستقلال، بجلاء فرنسا عن سوريا، وسافر إلى أوروبا ليشرح قضية بلاده ويستجلب لها المؤيدين، حتى أصبح محطَّ إعجاب الجماهير وثقتهم، وصار الإجماع على زعامته منقطع النظير، فكلمة واحدة منه تثير ثائرة الناس، وكلمة تهدئهم، وهو ما جعل الفرنسيين يخشون الإقدام على أي إجراء تعسفي ضده، فعمدوا إلى اللين والمناورة، وشعر القوتلي بذلك فأغلق باب التفاوض معهم.
 
ولجأ الفرنسيون إلى تعيين حكومة جديدة، واختير "خالد العظم" رئيسًا لها، وأدرك القوتلي أن وراء ذلك خطة مدبرة لإسكات الشعب حتى تنتهي الحرب العالمية الثانية، فتفرض سياستها، ووجودها بالحديد والنار.
 
وسافر القوتلي إلى كل من السعودية والعراق يستحث حكومتهما للاحتجاج على سياسة فرنسا ضد السوريين ومساعدة سوريا لنيل حريتها واستقلالها، وسعى في الوقت نفسه للوساطة بين الدولتين لإنهاء الخلافات الحدودية بينهما، حتى تمكن من إحلال الوئام والوفاق بينهما.
 
وفي 17 آب  1943انتخب شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية بالإجماع، وانتقلت سوريا إلى مرحلة جديدة نحو الحرية والاستقلال.
 
وتوالت الاعترافات الدولية باستقلال سوريا من جميع دول العالم عدا فرنسا التي لم تعترف إلا بعد مُضي أكثر من ثلاث سنوات.
 
واجتمع الرئيس القوتلي مع تشرشل -وزير خارجية بريطانيا في شباط 1945 ودار البحث طويلاً حول ضرورة التفاهم مع فرنسا، لكن القوتلي أبى أن يعترف لفرنسا بأي حق في سوريا، وأعلن عن استعداده لقيادة الثورة بنفسه إذا رفضت فرنسا الانسحاب من سوريا.
 
وعندما عقد مؤتمر الأقطاب ـ الذي حضره روزفلت وستالين وتشرشل ـ لإقرار ميثاق الأمم المتحدة في 11 باط 1945لدعوة الدول للانضمام إلى هيئة الأمم، وجّهت الولايات المتحدة الدعوة إلى الدول لحضور الاجتماع، وأغفلت سوريا ولبنان بإيعاز من فرنسا، ولكن القوتلي بذل جهودًا كبيرة مع ممثلي الدول العربية والأجنبية، حتى تم توجيه الدعوة إلى سوريا ولبنان لحضور المؤتمر، وانضما رسميا إلى عضوية هيئة الأمم المتحدة، وتمَّ الاعتراف بهما دوليًا.
 
كذلك كان للقوتلي دور بارز في تأسيس جامعة الدول العربية منذ أن بدأت المشاورات الخاصة لتكوين الجامعة في الإسكندرية في 16 تشرين الاول 1943 وحتى عقد ميثاقها في 7 تشرين الاول 1944ثم موافقة الدول العربية عليها في 22 آذار 1945.
 
وكان موقف القوتلي دائمًا مستمدًا من إيمانه العميق بضرورة الوحدة العربية، وهو ما عبّر عنه بقوله: إن البلاد السورية تأبى أن يرتفع في سمائها لواء يعلو على لوائها إلا لواء واحد، وهو لواء الوحدة العربية.
 
وأكد أيضًا رئيس الوفد السوري سعد الله الجابري حينما أعلن أن سوريا مستعدة للتخلي عن كيانها واستقلالها في سبيل الوحدة العربية.
 
وكان القوتلي يستنفر الهمم لنصرة فلسطين وذلك عندما بدأت المؤامرات الأمريكية البريطانية لإقامة إسرائيل، وتحقيق حلم الصهيونية العالمية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
 
سعى القوتلي الى تحقيق استقلال سوريا وجلاء الفرنسيين عنها، لكن فرنسا كانت حريصة على بقاء جيوشها في سوريا وجعلها مستعمرة لفرنسا، وأقدمت فرنسا على تصعيد خطير وعدوان سافر، فأنزلت جيوشها استعدادًا لمواجهة شاملة مع الشعب السوري، وشنت حربًا وحشية مدمرة راح ضحيتها عدد كبير من الأطفال والشيوخ والنساء، واستخدمت فيها كل أساليب الوحشية، ولكن الشعب السوري الأعزل استبسل في المقاومة.
 
وبالرغم من مرض القوتلي فإنه انطلق يُلهب حماس شعبه، ويحثه على الصمود والمقاومة ضد الاستعمار، وهو على فراش المرض، حتى استطاع الشعب السوري أن يجبر الفرنسيين على الفرار بعد أن ألحق بهم هزيمة منكرة وفوجئت بريطانيا بما حدث، وهالها أن ينتصر الشعب السوري على حليفتها، فزحف الجيش البريطاني بمصفحاته الضخمة على سوريا، وأصبحت سوريا تحارب بمفردها أعتى قوتين استعماريتين.
 
واتجهت سوريا إلى مجلس الأمن تطالب بانسحاب الجيوش البريطانية والفرنسية عن أراضيها، ولم تتوان في طلبها ذلك حتى تم جلاء الجيوش الأجنبية عن سوريا في 17 نيسان 1946 وصار هذا اليوم –يوم الجلاء- عيدًا قوميًا لسوريا.
 
اتجه القوتلي إلى الإصلاح الداخلي في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعمرانية.
 
وفي 29 آذار 1949فوجئ السوريون بأنباء الانقلاب الذي قام به رئيس الأركان "حسني الزعيم"، واُعتقل على إثره القوتلي ووزراؤه في السجن "المنزه"، وانهالت برقيات الاحتجاج على اعتقال القوتلي من كل مكان، ولكن القوتلي قرر أن يستقيل، فأُطلق سراحه بعد شهر من سجنه، وفُرضت عليه إقامة جبرية في بيته، حتى سافر إلى مصر.
 
وارتفعت الأصوات في "سوريا" تطالب بعودة القوتلي وذهب إليه وفد كبير ضم عددًا من الشخصيات السياسية في سوريا يرجونه العودة إلى وطنه.
 
وعاد القوتلي إلى سوريا، وطلب منه أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، لكنه اعتذر للشعب، وقال: إنه لا يرغب في الرئاسة، ولكن النواب تمسكوا بترشيحه، وتم اقتراع سري على منصب رئيس الجمهورية في مجلس النواب فاز فيه القوتلي بنحو ثلثي الأصوات.
 
وعاد القوتلي ليتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية مرة أخرى في ايلول 1955، وكان حلم الوحدة العربية لا يزال يداعب خياله ويراود عقله، حتى تحقق ذلك أخيرًا حينما أُعلن عن قيام الوحدة بين مصر وسوريا ومولد "الجمهورية العربية المتحدة" , وتنازل القوتلي للرئيس جمال عبد الناصر عن الرئاسة، واستقبلت جماهير الشعبين في مصر وسوريا نبأ الوحدة بالفرحة الغامرة والترحاب الشديد، ولكن هذه الوحدة لم تستمر كثيرًا فقد انفصلت الدولتان في أيلول 1961.
 
وكان لفشل تجربة الوحدة أسوأ الأثر في حياة القوتلي فقد بدأت صحته تعتل، وأصيب بالقرحة.
 
استقر في بيروت التي كان يعالج بها، الى ان توفي في 30 حزيران 1967حزنا وكمدا بعد نكسة 5 حزيران .
 
دفن في دمشق .. المدينة التي أحبها وعاش يناضل من أجلها.
 
شكري القوتلي
زعيم عروبي ورئيس سوري مرتين، من 1943 - 1949، ومن 1955 - 1958.
يُعد شكري القوتلي واحدًّا من أبرز دعاة الوحدة العربية في العصر الحديث، وأحد أبطال التحرر في العالم العربي، وقادة حركة المقاومة ضد الاستعمار.
ظل شكري القوتلي رمزًا للمقاومة والصمود ضد المستعمر، ولم تجدِ معه كل محاولات التهديد والابتزاز، ولم يوهن السجن من عزيمته، ولم ترهبه ظلال المشنقة التي لاحت أمام ناظريه ثلاث مرات في حياته , حتى تحقق حلمه الكبير، ونالت سوريا استقلالها، وأصبح القوتلي أول زعيم وطني تولى رئاسة الجمهورية السورية.
وُلد شكري محمود القوتلي في 21 تشرين الاول 1891، ونشأ في بيت عريق عرف بالصلاح والتقوى والاستقامة، وقد حظيت أسرته بمكانة بارزة في المجتمع العربي، ونالت تقدير واحترام الملوك والحكام، ليس في سوريا فحسب، وإنما في الوطن العربي كله، حتى إن الخديوي إسماعيل حينما دعا حكام الدول والرؤساء والشخصيات الكبيرة لحضور الاحتفال بافتتاح قناة السويس سنة 1869, كان محمد سعيد القوتلي - شقيق جد شكري القوتلي- في طليعة المدعوين من الشخصيات العربية البارزة.
نشأ القوتلي محبًا للغة العربية، وبعد أن حصل على الشهادة الابتدائية التحق بثانوية عنبر في دمشق, حيث أتم دراسته الثانوية فيها، ثم اشترك في مسابقة للكلية الشاهانية في اسطنبول – وهي أرقي مدرسة للعلوم السياسية والإدارية في الدولة العثمانية - فكان ترتيبه الخامس بين ثلاثمئة وخمسين طالبًا من الناجحين، فالتحق بالكلية الشاهانية سنة 1908.
خلال فترة دراسته بالكلية كان النشاط العربي قد بدأ على نطاق واسع، وتأسس المنتدى الأدبي الذي ضم نخبة من الشباب العربي الوطني المتحمس، وكان منهم شكري القوتلي الذي استطاع هو وإخوانه أن يوطدوا أقدام المنتدى.
وبعد أن أتم دراسته بها عاد القوتلي إلى دمشق سنة 1913, كما اشترك في جمعية "العربية الفتاة" التي انتشرت انتشارًا واسعًا، وكانت تعمل على نشر الفكرة العربية، وتدافع عن مصالح العرب وحقوقهم.
وقد أدى نشاط القوتلي وبعض زملائه من أعضاء الجمعية إلى القبض عليهم وإيداعهم في السجن، ولكنهم ما لبثوا أن أطلقوا سراحه بغية مراقبته حتى يصلوا إلى أماكن بقية رفاقه، وفطن القوتلي إلى ذلك، فأخذ الحذر، ولم يتصل بأحد منهم، وعندما يئسوا من نجاح خطتهم اعتقلوه ثانية، وأودعوه سجن "خالد الباشا" بدمشق، ومورس معه ومع زملائه أشد ألوان التعذيب والتنكيل، فكان بعضهم يذكر أسماء أعضاء الجماعة تحت وطأة التعذيب.
وخشي القوتلي أن يضطر إلى ذكر أسماء الأعضاء الذين يعلمهم جميعًا، ولم يجد أمامه إلا الانتحار، واستطاع الحصول على موسى فقطع به شريانه، إلا أن حارسه انتبه بعد أن رأى الدم يسيل بغزارة من شريانه المقطوع، وأسرع رفيقه في السجن الدكتور "أحمد قدري" فأنقذه من الموت في آخر لحظة، وتم نقله إلى المستشفى؛ حيث بقي به شهرًا للعلاج، ثم أعيد إلى السجن، وقُدِّم إلى المحاكمة أمام المجلس الحربي فحكم عليه بالإعدام.
  
وعندما قام الشريف حسين بالثورة العربية على الأتراك سنة 1916قام قادة الثورة باحتجاز عدد من الضباط والجنود الأتراك، وهددوا بإعدامهم إذا لم يطلق سراح العرب المعتقلين، وكان منهم القوتلي ورفاقه.
أسس القوتلي "حزب الاستقلال"، فكان أول حزب في العهد الجديد , حمل على عاتقه مسؤولية توعية الشعب وتهيئته للنضال ضد المستعمر الفرنسي الذي احتل سوريا عام 1920بعد خروج الأتراك منها، وحاول القوتلي ورفاقه منع الفرنسيين من دخول سوريا بعد أن وصلوا إلى مشارف مدينة ميسلون، ولكنهم لم يتمكنوا من صدهم، فقد كانت المعركة غير متكافئة بين الجانبين، ودخل الفرنسيون سوريا وسيطروا عليها.
ولم ييأس القوتلي فقد ظل في طليعة الأحرار الذين هبوا يدافعون عن وطنهم، وهو ما أثار المستعمرين فاعتقوا عددا من رفاقه، وحكموا عليه سنة 1920وصادروا أملاكه، فاضطر القوتلي ورفاقه إلى النزوح إلى مصر والأقطار العربية الأخرى وإلى عدد من دول أوروبا يستنفرونها ويستنصرون بها على المستعمر الفرنسي، وهو ما اضطر الفرنسيين إلى مسايرتهم، فأصدروا عفوًا عن السجناء السياسيين، وأعلنوا استعداهم للتفاوض مع القوتلي ورفاقه.
  
عاد القوتلي وعدد من رفاقه المبعدين إلى سوريا سنة 1924، وحاول الفرنسيون إقناع الوطنين بالتفاوض معهم، ولكن القوتلي كان يعلن دائمًا أنه لا تفاوض قبل الجلاء.