شيوخ الدراما ... ودراما الشيوخ

 

 

في كل رمضان تكون تسلية الصائم والصائمة مضمونة .. عدد هائل من المسلسلات العربية من كل الانواع معاصر وتاريخي وكوميدي وتراجيدي , ولكن في رمضان الراهن اختار معظم المتابعين تسلية اضافية, وهي متابعة الصراعات اليومية  بين الشيوخ والمخرجين ... فكل يوم تقريبا نتابع معركة حامية بين شيخ ومخرج حول موضوع ما في الدراما العربية, لتبدأ بعدها معركة بين المؤيدين لكل فريق: فريق من المؤمنين يزاودون على شيخهم ويقولون ماكان يرغب بقوله لكنه ارتدع مراعاة لحكومة ما أو لضرورات موقعه ورزانته, أما هم فلا جناح عليهم ولاهم يحزنون فيطالبون بالتكفير والرجم والجلد.... فيما يصطف وراء المخرج أشخاص مازالوا رغم كبر سن بعضهم يعانون من أعراض المراهقة اليسارية, أو كتاب معروفة ولاءاتهم ولكنهم في هذه المعركة يصبحون فجأة ناشطين بارزين للدفاع عن حرية التعبير..

في معركة دارت في دمشق بين مخرج وشيخ وترددت أصداؤها في عواصم أخرى اشتبك شيخ مع مخرج .. الشيخ قال من ضمن أشياء أخرى إن مسلسلاً معيناً سيجلب غضب الرب , والمخرج أعلن أنه مؤمن حقيقي ووالدته محجبة  ... وتوالت الفصول...

 ولكن وفي تطور درامي في المعركة قال المخرج إنه التقى مع الشيخ واتفق معه أن يتابع المسلسل حتى نهايته قبل أن يصدر الفتوى النهائية ,, ولكن الملاحظة شديدة الغرابة في الموضوع هي سلوك الشيوخ , فمن المفترض خلال رمضان المبارك أن يركز الشيوخ على العبادات وهداية العباد في هذه الأيام الصعبة فكيف يجدون الوقت لمتابعة كل هذا الكم من الدراما ؟؟؟

في الموسم الراهن أنتجت مصر أربعين مسلسلا , وسوريا ثلاثين والخليج أكثر من عشرين ولبنان حوالي العشرة , وهذا الحصيلة ستثقل كاهل أي مؤمن أو كافر إذا ماحاول متابعتها ليتأكد من توافق مجريات أحداث هذه المسلسلات مع الإسلام الصحيح والأخلاق العامة, والحرص على أن الناس لم يبدؤوا حفر الخنادق أو ذهبوا بعيدا  وراء الفتنة والحروب الأهلية والمعصية ... وخصوصا أن هذه المعارك لا ينتج عنها سوى زيادة الاهتمام بالمسلسل المقصود وكأن هؤلاء الشيوخ يعملون في مجال التسويق.

وخلال المعركة الأخيرة وربما بسبب شدتها لم ينتبه المعلقون إلى تفصيلة صغيرة ,, فالشيخ أقسم وأنا أصدقه بأنه لم يشاهد العمل,, فكيف إذاً خرج بهذه الفتوى؟..

وهنا تتكشف حقيقة أخرى .. الشيخ استمع إلى مريديه وفق السيناريو الخيالي التالي : ياشيخنا ومولانا الفتنة والمعصية تجاوزت كل حد , ويقول الشيخ وكيف ذلك جزاك الله خيراً , فيقول له المريد : المسلسل الفلاني للفاجر فلان يفتري على المؤمنين.. أو يحور في التاريخ الاسلامي.. أو يتبنى وجهة نظر الشيعة أو السنة والعياذ يالله , فينتفض الشيخ ويصدر الفتوى.

الحقيقة المفزعة التي يكشفها اعتراف الشيخ بأنه لم يشاهد المسلسل تكمن في أن الشيخ لايقود شارعه بل الشارع هو من يقود الشيخ , والشيخ حائر فهو إذا لم يتجاوب سيتركه المريدون ويتجهون إلى شيخ أكثر تطرفـاً, ويتهمونه بأنه من شيوخ السلطان, وبأن إيمانه قد تزعزع , والشيخ يعرف ذلك, لذلك هو مضطر طوال الوقت لمسايرة شارع يزداد تخلفـاً وتعصبـاً وحماقة, هذه الظاهرة عرفتها كل الايدولوجيات وخصوصاً في لحظات الإنكسار, فالمتطرفون يطردون المعتدلين تحت شعار التمسك بأساس الإيديولوجيا الصحيحة , هذه الظاهرة عرفتها الشيوعية زمن ستالين, وعرفتها الايدولوجيا القومية العربية, ويعرفها الاسلام الآن.. فإذا كانت لديك انتقادات على عبد الله عزام ستحظى بأسامة بن لادن, وإذا لم يعجبك هذا الأخير فستحصل على قاطع الرؤوس أبو مصعب الزرقاوي وفتاوى التمترس وإرضاع الكبير والتبرك بالبول الى آخر القائمة المشرفة...

هذه القصة تقودنا الى مكان اخر تماماً وبغض النظر عن سخونة المعركة وتفاهتها , لاتبحثوا عن إصلاح مانحن فيه كمكانة ومجتمع واقتصاد وسلوك في الدراما ولا حتى في المعابد فنحن مصيبة جامعنا وليس الجامع مصيبتنا, ونحن مصيبة درامانا لا الدراما مصيبتنا .. هذه الاشياء نتيجة وليست سبباً, هي تعبير فظ بعض الشي عما نحن عليه وتنصلح من تلقاء نفسها إذا انصلح حالنا.. فكثير من الدول المتقدمة تتابع دراما تافهة بلا معنى وتحقق إنجازات هائلة في العلوم, فهل تحسن الصينيون نتيجة تحسن الدراما عندهم؟..

لا توجد مشكلة في الشيوخ والإسلام, فشيوخ حزب  العدالة والتنمية الاسلامي يصلون الفروض الخمسة ويقترب اقتصادهم ليصبح الاقتصاد الرابع عشر في العالم , ولكن في عالمنا العربي يتجند الكتاب التقدميون للدفاع عن دراما تافهة باسم حرية التعبير ويتجند مؤمنون للدفاع عن قيم هم أنفسهم تركوها .. ولندخل في دوامة جهنمية ..  

مخرجون بلا موهبة ولا منطق ينتجون مسلسلات صفراء ويبيعونها لتلفزيونات يقودها أميون, وينتقدها شيخ لم يشاهدها , ويتابعها جمهور يزداد انغلاقـاً كل يوم ..

مشهد لايغيب عن بالي .. قبل موسمين رمضانيين او ثلاثة في مسلسل بقعة ضوء خرج بعض قبضايات الحارة ليضغطوا على المخرج والمؤلف والمنتج لإعادة أبو عصام الى مسلسل باب الحارة.. الطريف  أن الجمهور يتابع الاعمال التلفزيونية ليستمتع بالعمل ويتفاجأ بالمجريات وليس كتابة الاعمال أو التدخل في النهايات لينبهر بها ... والآن يتقاتل شيوخ وعلمانيون ووراء كل منهم شارعه, لكتابة الدراما والمجريات بأنفسهم خوفـاً من تأثرهم هم أنفسهم بما يشاهدون أو كي لاتتغير قناعتهم, وهي على مايبدو راسخة رسوخ الجبال... في بقعة ضوء كان المشهد في غاية الظرافة , أما في تلفزيون الواقع الذي نتابعه كل يوم بين الشيوخ والمخرجين فإن المشهد يبدو مثيراً للكآبة.

 

محمد عبد الرحيم - شام نيوز