صورة العام: Selfie أوباما في عزاء مانديلا

بينما كان أوباما يهمّ بإلقاء كلمته في تأبين نلسون مانديلا الأسبوع الماضي، صافح في طريقه إلى المنصّة، الرئيس الكوبي راوول كاسترو. تلك المصافحة الأولى بين رئيسي البلدين منذ العام 2000. أكمل أوباما طريقه ليلقي كلمةً مؤثّرة يصف فيها مانديلا، «بأحد عظماء التاريخ الذين قادوا الأمة على طريق العدالة». عاد أوباما إلى مقعده بين الجمهور، حيث نجحت عدسة «فرانس برس» بضبطه «لاهياً» منشغلاً بالتقاط صورٍ شخصيّة Selfie، بواسطة الهاتف، برفقة رئيسة وزراء الدنمارك هيلّه ثورنينغ ــ شميدت، ورئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون... وظهرت إلى جانبه، زوجته ميشال، «ممتعضةً».
خطفت تصرفات أوباما غير المتوقعة الأنظار، ليبدو حفل تأبين مانديلا مجرد خلفية للمشهد الجديد. تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صور أوباما مع رئيسة الوزراء الشقراء، مذيلةً إياها بجميع عبارات التهكم والسخرية من سلوك رئيس الولايات المتحدة ولهوه في مناسبة تاريخية لوداع شخصيّة، لم ينفك يصرح ويؤكّد بأنّها ألهمته طوال حياته.. كلّ تلك الضجّة المثارة حول صورة أوباما، وما أحيط بها، تجعل منها عن جدارة، الصورة الأبرز للعام 2013. 
في تدوينة على موقع «فرانس برس»، علّق صاحب اللقطة الشهيرة روبرتو شيمدت عليها قائلاً: «إنّها صورة لثلاثة من قادة العالم، وهم يأخذون صورة تذكارية بواسطة هاتفٍ محمول، ويعبثون كالأطفال بدلاً من التصرف بالوقار المتوقّع منهم. أعتقد أنّ الاهتمام بتلك الصورة، إشارةٌ إلى أنّ الصور المماثلة، باتت تستحوذ على الانتباه أكثر من الحدث الأساسي بحدّ ذاته». يبرّر المصوّر تصرّفات أوباما قائلاً: «لم أرَ ما يصدم في تلك الصورة، سواء أكان من يلتقطها رئيساً للولايات المتحدة أم لا». وأضاف: «لقد أخذتُ تلك الصور بشكل عفوي، من دون أن أفكر بالأثر الذي قد تتركه، فكّرت أن الرؤساء يتصرّفون على سجيتهم كبشرٍ». وفي تعليقه على ملامح السيدة الأولى الغاضبة كتب: «قد تكذب الصور أحياناً». 
للمفارقة، لم تنل لقطة المصافحة التاريخية بين أوباما وكاسترو اهتماماً كافياً على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّها أشعلت حرباً في وسائل الإعلام الأميركية. هكذا، حملت محطة «فوكس نيوز» راية الحرب ضدّ أوباما الذي بادر إلى مصافحة «ديكتاتور». بدأ الإعلامي المحافظ بيل أورايلي برنامجه بمقدمة تقريرية تعرض ملابسات المصافحة، واصفاً إياها بـ«إعلان خطوبة». ثمّ استعرض الأحداث التاريخية التي اضطرت رؤساء الولايات المتحدة إلى تطوير علاقات مع «أعداء» البلاد، حين كان ذلك يصبّ في مصلحتها. «مهمّة الرئيس الأولى هي حلّ المشاكل، هناك طرق عدّة للقيام بذلك. صحيح أنّ البصق في عين الطغاة جيّد لالتقاط الصور التذكارية، لكنّه لا يفضي بنا إلى أي مكان». ويكمل: «راوول كاسترو بلطجي، لكنّه لا يملك أيّ تأثير خارج كوبا، أتوقع أنّ كوبا ستترك الشيوعيّة بعد موت الأخوين كاسترو، حتى ذلك الحين جلّ ما يستطيع أيّ رئيس فعله، التعقّل مع الإبقاء على الضغوط».
وهاجمت بعض القنوات والمواقع الإخباريّة «سي أن أن»، لأنّها استمرت بـ«الإشادة بالمصافحة وتقديم الأعذار لها»، حين تجنَّب مذيعوها استخدام كلمة «ديكتاتور» في الإشارة إلى كاسترو. بدت كريستيان أمانبور أثناء التغطية المباشرة لمراسم الوداع «متحمّسة» لحظة بادر أوباما لمصافحة كاسترو. ثم ّحاولت بعد ذلك تدارك انفعالها، وأضافت معلّقةً: «مانديلا الذي وفّق بين الناس وهو على قيد الحياة يستمر في جمعهم بعد موته».
يشكّل اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي بصور أوباما مع ثورنينغ ــ شميدت وكاميرون، دليلاً جديداً على الكيفيّة التي يتمّ فيها توجيه الرأي العام بعيداً عن القضايا الجوهرية والمهمّة. فيما تعكس البلبلة الإعلاميّة حول المصافحة التاريخية بين أوباما وكاسترو، التخبّط الذي تعيشه تلك القنوات أمام واقعٍ جديد يجبر القيادة الأميركيّة على اتخاذ قرارت واتجاهات «انعطافيّة» في ظلّ التوازن الدولي الجديد. وهنا تجد قنوات «سي أن أن» و«فوكس نيوز» نفسها اليوم مضطرة لتبرير حاجة الولايات المتحدة لاتخاذ منحىً جديداً تجاه من صُوّروا دوماً عبر شاشاتها بوصفهم «أعداءً» و«ديكتاتوريين».