صيدلية أزمة

عادل محمود - الوطن
عندما اتفق العراق وإيران على وقف القتال، بعد ثماني سنوات حرب، راح ضحيتها مليونا إنسان، قال الخميني: إن تجرع السم أهون علي من الموافقة على إنهاء الحرب!
وفي السيرة الذاتية، للحرب هذه، آلاف العناصر والقصص، وأهمها أن الطرفين وصلا إلى العبث: ضحايا بلا جدوى وقتل بلا نتيجة، وانتصار ممنوع وهزيمة ممنوعة.. فكانت المفاوضات! (والمفاوضات لا تتم بين عشاق مختلفين، بل بين متحاربين شرسين!).
لا أحد يفاوض إلا إذا رأى بعينين بصيرتين أن الأهداف المطروحة في بداية أي صراع، وخصوصاً المسلح، غير قابلة للتحقيق في الاستمرار وفي حالة الأزمة السورية، ثمة حقائق باتت واضحة على الأرض: لا يمكن إسقاط النظام بالوسائل المستخدمة حالياً لإسقاطه، كما لا يمكن هزيمة الانتفاضة بالوسائل العسكرية وحدها!
الدم السوري يجري بغزارة، ولا بد من إيقافه، و«كوفي عنان» فرصة، ربما تكون الأخيرة أمام الطرفين، فليجلس النظام والمعارضة إلى طاولة مفاوضات (لا حوار) ليجري الاتفاق على أشياء أعتقد أنه من الممكن الاتفاق عليها وجوهرها: لا لهذا النظام بوضعه الحالي، ولا للمعارضة بأطروحتها الحالية. الأمر الذي يعني الاتفاق على مرحلة انتقالية بعربة يقودها جوادان!
المرحلة الانتقالية يمكن أن تنجز مهماتها حكومة وحدة وطنية معظمها من المعارضة، مسؤولة عن تأمين الوحدة التي مزقتها الأزمة خلال عام، وعن فتح الملفات القديمة التي أعاقت الوحدة الوطنية لثلاثين عاماً وتتلخص بشعار: رفع المظالم، ورد الاعتبار، وإعادة الحقوق إلى أصحابها في مصادرات وانتهاكات صراع الثمانينيات، وسوف تكون هذه الحكومة مسؤولة عن كل أنواع الانتخابات، من البرلمانية إلى الرئاسة. ومسؤولة عن التحقيق في الجرائم التي ارتكبت في مستويات الصراع كافة، ومسؤولة عن تنفيذ خطط إستراتيجية لتدمير قلاع الفساد والإفساد، حكومة الورشة التي تصلح كل ما أفسده.. الدهر! حكومة الخدمة والسخرة والتفاعل مع الناس، صريحة، شفافة، شعبية، حرفية، فيها عنصرا «الفعالية والجمالية» كأنما هي من أبناء سويسرا الشرق، لا أفغانستان الغرب!
هذه الحكومة المعجزة، إذا توفرت الإرادة السورية لبناء سورية حديثة فعلاً، موجودة بيننا، ومتوفرة في الخزان البشري للشعب السوري، وليست متوفرة في مستودعات النظام ولا في أروقة المعارضة- كما هو النظام الآن، وكما هي المعارضة الآن!!
لدي وصفة مفصّلة مشتراة من تجربة فشل الأربعين سنة ماضية لمن يريد الاطلاع عليها!