ضحك اللوز...

 

 

هيام حموي. البعث

 
في مجموعته المسماة “أنطولوجيا السخرية السوداء”، والتي تتضمن مختارات من أبرز القصص التي أبدعها في هذا المجال نخبة من كبار الأدباء العالميين أمثال جوناثان سويفت و لويس كارول و شارل بودلير و آرثر رامبو وكثير آخرين، يستعرض مؤسس الحركة السريالية " أندريه بريتون" مجموعة من الحكايات الموجعة بسوادها، المضحكة بسخريتها، إحداها تروي أن رجلاً كان يسير في الشارع فوجدَ شخصاً ملقىً على قارعة الرصيف وسط بركة من الدماء، وخنجر يخترق ظهره... ينحني الرجل العابر ويقترب من أذن الضحية هامساً : “هل تشعر بألم؟”، فيجيبه الشخص المطعون: “فقط عندما أضحك!!!”.
في زمن يوصَف بأنه “جميل” من قِبل فئة من الهاربين من حاضرهم، المدمنين دائماً وأبداً على الحنين إلى الماضي، كانت هنالك مطبوعة شديدة الرواج في بلادنا اختار عباقرة الكاريكاتير الذين أصدروها كأسبوعية آنذاك أن يسموها “المضحك المبكي”، كانت قادرة على التعبير بكثير من الحنان الذكي والثاقب عن معاناة إنساننا في ذلك الزمان. ولا بأس من التذكير بأن مؤسسها هو الفنان الطيب الذكر "حبيب كحالة" الذي أصدر العدد الأول منها عام 1929 محدداً طبيعتها بأنها “سياسية، فكاهية كاريكاتيرية”، وقد ظلت على نهجها الذي استعمل الكاريكاتير كوسيلة تعبير هزلي يكشف أخطاء وانحرافات كل من يسيء للوطن من سلطات الانتداب الفرنسي إلى المتعاونين معها.
وقد استمرت هذه المجلة في الصدور حتى عام 1965 برئاسة تحرير حبيب كحالة، ومن بعد رحيله تابع ابنه سمير المهمة والمسيرة إلى أن تم إغلاقها وإلغاء ترخيصها عام 1966.ويشهد تاريخ الصحافة العربية أن “المضحك المبكي” كانت تجربة رائدة لم تتكرر على صعيد الصحافة العربية، وأنها كانت لا تقل رقيّاً وأهمية في شكلها ومضمونها وتأثيرها عن نظيرتها الفرنسية المستمرة حتى اليوم “لو كانار أنشينيه”.
وفي معرض الحديث عن السخرية السوداء وعن “المضحك المبكي”، في تاريخنا الصحفي والسياسي، لفت الأنظار في صحافة المنوعات التي ترهقنا ببساطتها، خبر مفاده أن النجمة السينمائية الهوليوودية “ديمي مور” التي طالما تابع الإعلام والمعجبون تحركاتها الشخصية، قد تعرضت قبل فترة وجيزة إلى نوبة صحية نتيجة تنشّقها جرعة زائدة من المادة المعروفة باسم “الغاز المضحك”، ولمن لم يكن قد سمع بوجود هذه المادة من قبل، نشير إلى أنه نوع من البخاخ الذي يباع في محلات السوبر ماركت الأميركية من دون وصفة طبية، وغالباً ما يشتريه المراهقون على سبيل المزاح والمرح، ربما لأن بعض أبناء الجيل الجديد لم يتعلموا إطلاق النكات والضحك بشكل عفوي تلقائي طبيعي.
الشقيق التوأم للغاز المضحك هو الغاز الأكثر شيوعاً، أي “المسيّل للدموع"، أما عن الغاز المضحك فيقول صديقي "غوغل" الذي يزعم بأنه يعرف كل شيء عن أي شيء، يقول في موسوعاته: إن الغاز العجيب يُعرف بأكسيد النيتروز، وقد اكتشفه بريستلي عام 1772، وهو غاز عديم اللون وله رائحة مقبولة، وطعم حلو خفيف، واستنشاقه له تأثير مخدر، وإذا استمر استنشاقه مدة طويلة فقد يسبب الموت، بينما إذا استُنشق بكميات صغيرة فإنه يسبب ضحكاً هستيرياً.
وفي عام 1799 حدث أن استنشق مكتشف هذا الغاز ما يزيد على خمسة عشر لتراُ منه قبل أن يدوّن انطباعاته في رسالة شرح فيها ما حدث له من جراء ذلك، فقال: "يبدو أنه يساعد على الحياة أكثر من غاز الأكسجين، لقد أسكرني حتى ثملت منه، وجعلني أرقص في المعمل كرجل ذي جنة".
ما الذي يمكن استخلاصه من كل هذه الحكايات التي تبدو وكأن لا رابط بينها؟ لا شيء سوى أن حرباً ضروساً قد نشبت في مطلع الألفية الثالثة، سببها الرئيسي وغير المعلن هو الغاز، على ذمة سائق التاكسي العليم بالسياسة، حربٌ معظم أسلحتها مسيّلة لدموع الأرامل والأيتام وحتى الأشدّاء من الرجال.. أوَ لم يخطر ببال أحد اللجوء إلى سلاح لم يُستخدم كثيرا حتى الآن، وقد يكون أكثر فعالية من كل ما هو معروف: "الغاز المضحك"، بدلاً من الغاز المبكي الذي يشكّل الثروة الأكبر في ذلك البلد الأصغر الذي يثير الضحك بطموحاته، حتى ضحكَ اللوز؟