طلاسم السحر وقراءة الفنجان تأكل بعقل السوريين " حلاوة " .!!

ربما كان معرفة المجهول من أكثر ما يشغل عقل الإنسان لرغبته في اكتشاف أسرار الحياة و الخلق أو حتى تفسير ماهية الموت لذلك اتجه العديد منذ القديم إلى وسائل عديدة للبحث عن إجابات لتساؤلاتهم و ابتكار أدوات للتواصل مع " الأرواح "، فظهر علم الفلك و التنجيم و قراءة الأبراج و الكف و الفنجان و كذلك لعبة " الويجا " التي تعتمد على ما يسمى ب " خادم الحروف "
وقد تأصلت تلك الأفكار في المجتمع السوري منذ القديم ، و توارث البعض تلك المعتقدات عن آبائهم و أجدادهم مثل الاعتقاد بالخرزة الزرقاء التي ترد العين و " كف مريم " الذي يحتمي به بعض الأشخاص ، وكذلك حدوة الحصان التي تُعلق على الباب بالإضافة إلى وضع الدبوس في " المقشة " و الاغتسال بماء البقدونس و البقلة ..و ربما كانت البزورية من أشهر الأسواق التي تستعين بها النسوة للبحث عن أشيائهم التي تُطلب منهم من قبل المبصرين و المنجمين ، وطبعا لابد للعطارين أن يبدو تفاعلهم مع الزبائن بعد أن شكلت تلك الأفكار باب رزقا لهم ..!!
بحث عن الوهم..!!
توجهت إحدى السيدات إلى شيخ يدعي بأنه قادر على حل أي مشكلة يتعرض لها الإنسان و أنه قادر على رؤية ما وراء الجدار و معرفة نية الآخرين بالأذى هذا عدا عن معرفته للغيب و أشياء كثيرة أخرى ، و بالطبع لابد لنا من أن نصدقه "و نبصم له بالعشرة " و نعلن أيضا عن إيماننا الكامل فيه قبل استشارته و إلا سلّط علينا إحدى شياطينه أو عفاريته ليؤذينا ..!!
وبعد أن عرضت تلك السيدة مشكلتها لصديقاتها نصحنها فيه وذهبت بعد ذلك إلى منزله وعرضت مشكلتها عليه فأجابها بأن أحدهم كتب لها عملا وعليها أن تغتسل بماء " البقلة " وتقرأ آيات من القرآن الكريم ، ومن ثم طلب منها أن تعود إليه مجددا ليكتب لها حجابا قد يكلفها آلاف الليرات السورية ..!!
ربما تعد هذه السيدة واحدة من مئات السيدات التي تؤمن بالسحر ومعرفة الغيب و غيرها و أن شخصا ما قادر على أن يقرأ لها المستقبل مقابل مبالغ مالية قد تصرفها دون الاستفادة منها بشيء ، لكن لا بد لنا من الاعتراف بأن ظاهرة السحر و قراءة الفنجان والكف أخذت مداها في المجتمع السوري ، و ان هناك فئة لا بأس بها تؤمن إيمانا كاملا بذلك
بالمقابل أكد العديد من الشباب أنهم لا يؤمنون بتلك الخرافات وإنما هي عبارة عن وسيلة ممتعة لتمضية الوقت ولملء أوقات فراغهم خاصة أن قارئات الفنجان يبعثن في النفوس مشاعر متناقضة بين التفاؤل والتشاؤم والأمل بمستقبل أفضل..
وربما من المستغرب أن يهتم الشباب أيضاً بقراءة الفنجان ويرغبوا فعلا بمعرفة مستقبلهم عن طريق التبصير وهذا لا يقتصر فقط على الزبائن الشباب وإنما على قارئي الفنجان هذا ما قالته ربة المنزل ريم دخان ففي البداية استغربت ريم أن هناك أحداً من أقربائها يستطيع بالفعل قراءة الفنجان وظنت في البداية أنه أسلوب منه ليبعث على جو من المرح في اجتماعاتهم... لكن وبعد فترة سمعت أنه بالفعل قادر على التبصير وغالبا ما تتكشّف له أمور من الغيب، حينها أرادت ريم تجربة ذلك وفي أحد الاجتماعات العائليّة طلبت منه قراءة فنجانها فلم يكن منه إلا الانصياع لرغبتها هي وأختها لأنه شاب يهوى التبصير.... وبالفعل استطاع أن يترجم لهما معنى تلك الرسوم والأشكال والخطوط، ووضعهما في جو من الرهبة كما طلب منهما الانتباه على أغراضهما عند السفر لأنهما ستنسيان أحد الأشياء وكذلك طلب منهما شراء ورقة يانصيب تنتهي برقم 499، ومع ذلك في البداية لم تصدقه الفتاتان وسافرا في اليوم الذي يليه... لكن وللمصادفة نسيا أحد أغراضهما فعلا... فساور نفساهما الشكّ، وقالتا: (لماذا لا نشتري تلك الورقة التي أخبرنا عنها فمن الممكن أن تتحقق كما تحققت مسألة النسيان تلك).. وبالفعل اشترتا بطاقة تنتهي بذلك الرقم وجلستا يوم الثلاثاء أمام التلفاز بشغف بعد ما دعتا العائلة كلها لانتظار نتائج سحب ورق اليانصيب.... لكن للأسف خاب أملهما ونجح اعتقادهما الخائب بذلك الشاب...
للسحر وقراءة الفنجان أصوله أيضا
تعد قراءة الفنجان عادة تركية قديمة فقبل دخول الشخص إلى المعبد كان يشرب فنجاناً من القهوة التركية ويدخل إلى المعبد ليؤدي طقوسه وبعد انتهائه من العبادة يخرج ليلاقي البابا الذي يقرأ له فنجانه ليخبره عن طالعه في حال أراد معرفة مستقبله...
هبة مرعي تعد واحدة من اللواتي يستطعن قراءة الفنجان رغم صغر سنها فهي تخرجت مؤخرا من (إرشاد نفسي) في جامعة البعث، وقد ورثت هذه العادة من والدتها التي حاولت تقمص شخصيتها في ذاتها للاندفاع لقراءة الفنجان... ومن ثم بدأت بالقراءة كنوع من التسلية في البداية ثم وجدت فيه أسلوبا لإراحة الآخرين ولتخليصهم من شوائب الحياة خاصة أن معظم السيدات اللواتي يسألنها عن القراءة يبحن لها بأسرارهن ويحدثنها عن مشاكلهن حيث تقول:
قراءة الفنجان عبارة عن قصة نفسية بحتة نستخدم فيها نوعا من الإيحاء والتهيؤ الذي له علاقة بتحقق الأحداث فمثلا ألاحظ أن الشخص الذي يقابلني هو شخص ضعيف ولابد من أن يكون هناك أحد يسيطر عليه بسبب ضعفه لذا أقول له إن هناك شخصاً (يُديّك) عليك أي يسيطر عليك لأن الديك رمز القوة، وكذلك أعرف مثلا أن جارتنا تحب المشاكل بطبيعتها فأخبرها أن هناك مشكلة ستمرين بها وستواجهينها ومن ثم تتهيأ هي نفسيا لمشكلة تعتقد أنها ستمر بها وعندما تواجهها تقول صحّ كلام هبة.... وإذا كانت الفتاة غير متزوجة أقول لها إن هناك أحداً يمتلك قلبها لأنه لا توجد فتاة عزباء لا تحب، وأما إذا كانت متزوجة أخبرها بأن هناك حزناً تضمره في قلبها لأن الحياة الزوجية لا تخلو من المشاكل وبعض الفتيات من لا يؤمنّ بذلك ويرفضن حتى أن أقرأ لهن لذا أمسك الفنجان وأخبرها أنها عنيدة وبما أنها أنثى أي فتاة مثلي، فإني أحاول أن أسقط بعضاً من مشاكلي في ذلك الفنجان وأتحدث عنها فلا بد من أن يكون هناك صفات وأمور نشترك بها لكوننا نساء وبذلك أكون قد أمسكت طرف الخيط وأكمل الحديث... أي إنها طريقة تعتمد على الآخر الذي يقابلني وهو أسلوب أستخدمه لراحة الآخرين وكنوع من التنفيس فغالبا ما تبدأ النسوة بالتحدث عما تخفي صدورهن بمجرد الانتهاء من قراءة فنجان القهوة... وتضيف: أنا شخصيا لا أؤمن بالسحر والتبصير فعلم الغيب لله وحده ونعتبره أمرا شديدا لا نناقش فيه أبدا... وتقول أيضا: رغم المحبة التي ألاقيها من الآخرين وهذا الترابط الاجتماعي إلا أن هناك سلبيات تؤثر على حياتنا، حيث صارت العائلة والأصدقاء يقصدونني بهدف قراءة الفنجان بعيدا عن شخصي وحتى إذا أردت زيارة أحد الأصدقاء سرعان ما يجاملونني ويقلبون فنجانهم بمجرد أن علموا أني أعرف في خبايا الفنجان، ويعتقدون أنني أُسعد لذلك لكن على العكس فأنا أرغب أن يحبني الآخرون ويقصدون زيارتي بهدف شخصي وليس بهدف قراءة الفنجان....
شام نيوز- رامان آل رشي
تصوير: آمن العرند