عبد اللطيف فتحي - بدري أبو كلبشة صاحب الانف الذي لا يخطىء

 


عبد اللطيف فتحي -  1916 – 1986
فنان الشعب الضاحك الساخر
صاحب "الانف الذي لا يخطىء"

 


سهير الذهبي – شام نيوز

 


عبد اللطيف فتحي قصبلي  - ابن حي العمارة الدمشق.. الفنان المتجدد الذي لن يتكرر, فهو الممثل والمؤلف والمخرج ومدير المسرح وصاحب الفرقة والمونولوجيست...
إنه ثاني فنان احترف الفن في سورية بعد العظيم أبو خليل القباني.
ممثل كوميدي وفنان مسرحي من الدرجة الأولى, اشتهر بشخصية بدري أبو كلبشة  - مدوخ موسوليني , في مسلسل صح النوم مع الكبار دريد  لحام ونهاد قلعي وناجي جبر.

 

حياته:

 


عبد اللطيف فتحي هو ابن الأسرة الدمشقية المتواضعة.
تلقى تعليمه حتى الشهادة الابتدائية في مكتب عنبر الشهير, وبدأ نشاطه الفني صغيرا, رغم معارضة اهله الشديدة، فكان يشارك سراً في أنشطة النوادي الفنية مثل "دار الألحان والتمثيل" للمسرحي عبد الوهاب أبو السعود حيث أدى بعض الأدوار في عروضها المسرحية.

  
كما شارك في عروض نادي إيزيس المسرحية للهواة لصاحبيه جودت وممتاز الركابي، وكان أبرز عروضه مسرحية «الانتقام العادل» التي لاقت نجاحاً كبيرا في دمشق وحلب, وهي مسرحية مقتبسة عن نص «الاستعباد» ليوسف بيك وهبي.

في منتصف الثلاثينيات انتقل عبد اللطيف فتحي من الهواية إلى الاحتراف، بانضمامه إلى فرقة (حسن حمدان) المسرحية التي كانت تقدم عروضها في دمشق وبيروت.


بغد ذلك انضم إلى فرقة (عطية محمد) المصرية التي كانت تقدم عروضها في الشام.
ثم انتقل الى فرقة (أمين عطا الله) المصرية ايضا والتي تضم بين أعضائها سوريين ولبنانيين يؤدون مختلف الأدوار باللهجة المصرية.. واشتهر بادوار (كشكش بك)، و (البربري عثمان الصفرجي).
إلى جانب ذلك عرف عبد اللطيف فتحي بفصوله الضاحكة التي اقتبسها من الفنان التركي المعروف أرطُغرل بك.

 


وفي عام 1939 انضم فتحي مع ممثلين سوريين اخرين إلى فرقة (ناديا العريس), وصار مديرها بعد الفنان علي العريس الذي كان مؤلف نصوصها ومخرج عروضها,  وكانت من  أضخم الفرق الاستعراضية المسرحية في العالم العربي آنذاك, وفيها برع فتحي في تقديم المونولوج, وظهرت مواهبه في تصميم الرقصات وتلحين الأغاني.

  


في منتصف الاربعينيات كان عبد اللطيف فتحي قد تعلم كيف يؤسس فرقة مسرحية ويديرها, حيث أسس (الفرقة الاستعراضية) التي صار اسمها فيما بعد (فرقة عبد اللطيف فتحي), واستطاع من خلالها ان يكسر قاعدة ان المسرح لا يمكن اداؤه إلا باللهجة المصرية, ليصبح هذا الفنان الكبير صاحب شرف تقديم اول عرض مسرحي باللهجة الشامية, ونشر تقليد  اطلاق نداء (يا ساتر) قبيل بدء كل عرض على الخشبات الدمشقية.

  


اذاً حقق عبد اللطيف حلمه بتأسيس فرقة مسرحية, وكان "شيخ كار" بالمفهوم الدمشقي, دكتاتور "الصنعة" الواجبة طاعته من جميع ابناء الفرقة.. ولسنوات ظل يعرض المسرحيات الغنائية الاجتماعية الكوميدية على خشبة مسرح النصر "قرب سوق الحميدية", ذلك المسرح الذي خرج كبار الممثلين والمطربين في بدايات العصر الذهبي  للفن السوري.. وعرض فيه فتحي العديد من المسرحيات مثل (أبو العز طبخ وز) و (ليلة بالنظارة) و (شبيه الملك) و ( ممنوع الدين) و ( صابر أفندي).. وعمل معه ممثلون مثل احمد أيوب ونزار فؤاد ورياض شحرور وميليا فؤاد وياسين بقوش وخالد تاجا وغيرهم كثر..

  


وعلى مدى عشر سنوات نشطت الفرقة في العمل، فغطَّت عروضها مختلف المدن السورية إلى جانب لبنان وفلسطين والأردن والعراق، على الرغم من صعوبة ظروف العمل مهنياً ومادياً. وقد انفراط الفرقة عام 1956.
بعد ذلك بدأ فتحي يشارك في نشاطات (فرقة المسرح الحر) كممثل ثم كمؤلف ومخرج.. وكانت هذه الفرقة عروضا مسرحية متكاملة بدلاً من سهرات المنوعات والفواصل والمشاهد المسرحية التي كانت رائجة حينها. وقد قدم فتحي في ذلك الوقت مسرحية (بالمقلوب) ومسرحية (وصية المرحوم)... وكان أهم أدواره في تلك المرحلة شخصية صابر افندي في مسرحية حكمت محسن الشهيرة التي حملت الاسم نفسه.

  

بريخت سورية:

 


اراد عبد اللطيف فتحي بموهبته الفطرية ان يخرج من اطار العلبة الايطالية للمسرح, تلك العلبة التي تحرك الممثلون المسرحيون داخلها لقرون في كل انحاء العالم, على اعتبار أن خشبة المسرح هي علبة من ثلاثة جدران حقيقية, والرابع هو ذلك الجدار الوهمي الذي يجلس الجمهور خلفه يتلصص على ما يجري من احداث فوق الخشبة, حيث لاشيء يحدث خارج العلبة كي تكتمل دائرة الايهام المسرحي.. فكان فتحي يدخل الى الخشبة من خلف الجمهور في الصالة وليس من الكواليس المعتادة, كي يلفت انتباه الجمهور ويخرجه من حالة الايهام, مستخدما نظرية التغريب التي اسس لها المسرحي الملحمي الكبير برتولد بريخت من دون ان يعرفه او يسمع به.

 

مناصب في وزارة الثقافة:

 


انتقل عبد اللطيف فتحي عام 1960 للعمل في مديرية المسارح التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد القومي، فاستلم إدارة مسرح العرائس مدة خمس سنوات,  ألف وأخرج خلالها اكثر من عشرة عروض حققت نجاحا كبيرا, وأسست لما بات يعرف بمسرح الطفل في سورية.
عام 1966 استلم فتحي إدارة المسرح الشعبي التابع أيضاً لمديرية المسارح، فقدم فيه مسرحية (أزمة عصبية) المقتبسة من الفرنسية.

  


وعندما تم إلحاق المسرح الشعبي بالمسرح القومي أعاد فتحي إخراج مسرحية (صابر أفندي) ..ومثل الأدوار الرئيسة في مسرحيات هامة مثل (ترويض الشرسة) و (الملك لير) لشكسبير.. كما أعد مسرحية (الأرملة والمليونير) واخرج وأعد مسرحيات اخرى.

 

سينما وتلفزيون:


خلال كل هذه السنوات كان التلفزيون والسينما يشهدان نهضة وحضورا على الصعيد المحلي ومن ثم العربي... فكان عبد اللطيف فتحي واحدا من نجوم المرحلة القلائل, كان له عدد من الافلام السينمائية, منها: العالم سنة 2000 – الخاطئون - صح النوم .

 


اما شهرته الاوسع فحصلها عبد اللطيف فتحي من خلال شاشة التلفزيون التي كان لها سحرها ووهجها الكبيران مع بدايات التلفزيون السوري. وكانت له مشاركات تركت بصمات لاتمحى , مثل شخصية بدري ابو كلبشة الشهيرة في مسلسل صح النوم, الى جانب مسلسلات حمام الهنا - مقالب غوار – الدولاب....

  

 

اما مسلسل انتقام الزباء فكان نقلة حقيقية ومفصلا هاما في مسيرة عبد اللطيف فتحي الفنية, حيث قدم فيه وببراعة فريدة شخصية قصير, وزير الملكة الزباء الشهير الذي جدع انفه لامر ما..

 

من الذاكرة :

هرو مرو .. تعويذة فتحي التي سكنت وجداننا:

 


في افتتاح مهرجان المسرح العربي في مسرح الحمراء بدمشق في الستينيات, قدم فتحي مشهدا مسرحيا بعنوان (التعويذة), حيث يوصي معلم المحل – الراحل عدنان بركات – أجيره  عبد اللطيف فتحي بحراسة المحل في غيابه, ويعلمه تعويذة كي يبعد الجن عن الدكان.. الا ان حبيب ابنة المعلم يقف خلفه خفية في محاولة منه لدفعه الى الهروب.. يبدأ الأجير يردد التعويذة (هرّو مرو ، هرو  مرّو، ما فاتوها ما فاتوها.. ميت كيت كيت... باط).. وما أن يقول كلمة باط حتى يضربه الحبيب بصفيحة معدنية على رأسه.. مشهد في منتهى البساطة والسذاجة, الا أن عبد اللطيف فتحي الذي ادى المشهد اكثر من مئة مرة وفي كل مرة بأداء مختلف, أثار موجة من الضحك الهستيري المتواصل في الصالة, حولت هذا المشهد المسرحي الذي صور تلفزيونيا الى واحد من كلاسيكيات التلفزيون السوري, وجمهوره الذي ظل يردد المشهد ومشاهد اخرى كثيرة, سنوات طويلة... الى ان دخلت الفضائيات حياتنا وبعثرت هذه الكلاسيكيات والذكريات المغرقة في جمالها السوري.

  


شيخ سعدو: 

  
عبد اللطيف فتحي هو ايضا الشيخ سعدو.. شيخ الكتاب الشهير على شاشتنا السورية, الذي كان يعلم الاطفال القراءة والكتابة بأسلوبه الضاحك الناقد شديد السخرية.
 
 

شهادة:

 


جان ألكسان: أذكر أني كنت كتبت عن مسرحية "مرتي قمر صناعي" مقالاً في جريدة النصر هاجمت فيها عبد اللطيف فتحي, وقلت: إن ما قدمه فتحي على المسرح كان مجرد مشاهد تهريجية.... لم يكن فتحي يعرفني، وعندما قدمني إليه أحد الأصدقاء في نهاية العرض، قال والانفعال باد على وجهه: «أخي أنا مهرج، مليح؟ ألا ترى كم سـُعد هؤلاء الناس بتهريجي؟ ألا أهرج بصورة جيدة...».‏.... ومرت الأيام وقدم عبد اللطيف فتحي دوره التاريخي الرائع في «الملك لير» مع فرقة المسرح القومي، وفي نهاية العرض هرعت إلى الكواليس وهنأته، فنظر إلي مبتسماً وقال: هل أعجبك تهريجي اليوم..‏

 

أوسمة:


عام 1977 مُنح عبد اللطيف فتحي وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى تكريماً لجهوده المسرحية من أجل تطوير المسرح السوري.


وفي عام 2008 تلقت ابنة الفنان الكبير الراحل نيابة عن والدها  وسام  الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة  تقديرا لانجازاته في مجال الفن, الى جانب القديرين رفيق سبيعي والراحل نهاد قلعي, في حفل أقيم بهذه المناسبة في دار الأوبرا .