عداء بريطاني استفزازي وغير أخلاقي

 

لم يفاجئنا وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني عندما اعلن في جلسة لمجلس العموم البريطاني انعقدت يوم امس وناقشت الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط، ان حكومته ستمتنع عن التصويت في مجلس الامن الدولي اثناء مناقشة طلب عضوية فلسطين في المنظمة الدولية، لان حكومة بريطانيا الائتلافية بزعامة حزب المحافظين، منحازة لاسرائيل كلياً، وتخضع لاملاءات حكومة بنيامين نتنياهو كاملة، وترفض اصلاح الخطأ، بل الكارثة التاريخية التي ارتكبتها بريطانيا في حق الشعب الفلسطيني، والامتين العربية والاسلامية عندما سهلت قيام دولة اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه وكرامته.

 


السيد هيغ برر هذا الموقف الذي يتناقض مع كل ادعاءات حكومته حول الديمقراطية وحقوق الانسان والتمسك بقيم العدالة والاخلاق، برر هذا الموقف بالقول 'ان السلطة الفلسطينية غير قادرة عملياً على التصرف بفاعلية كدولة على الارض، وان التسوية القائمة على التفاوض لانهاء الاحتلال هي الطريق الافضل الذي يسمح للفلسطينيين بتحقيق طموحاتهم في الواقع وعلى الارض'.

 


ومن المفارقة ان الحكومة البريطانية التي سلهت هجرة اليهود الى فلسطين، وأصدرت قبل ذلك وعد بلفور الذي منحهم وطناً قومياً على ارض لا يملكونها ولا تملكها بريطانيا لتمنحها للغير، لم تجادل بان اليهود لم يملكوا القدرة على التصرف بفاعلية كدولة على الارض عندما صوتت الجمعية العامة للامم المتحدة بتأييد اقامة دولة لهم على ارض فلسطين وباغلبية بضعة اصوات، جرى حشدها بالاغراء والترهيب من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

 


هذا الموقف البريطاني مخجل وغير اخلاقي، علاوة على كونه يتعارض مع مشاعر اغلبية الشعب البريطاني، ويضع بريطانيا ومصالحها في دائرة الخطر في العالمين العربي والاسلامي، ويعيد الى الاذهان ماضيها الاستعماري البغيض بعد ان بدأ يتلاشى تدريجياً في الاعوام الاخيرة.

 


الحكومة البريطانية ترى ان المفاوضات هي الطريق الافضل للوصول الى تسوية سلمية تنهي الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية، هذا كلام جميل ومنطقي لو ان هذه المفاوضات قائمة فعلاً، وتسير في الاتجاه الصحيح، ولكنها توقفت بفعل العقبات الرئيسية التي وضعتها اسرائيل في طريقها وادت الى نسفها، وابرزها الاصرار على المضي قدماً في سياسات الاستيطان في القدس والضفة المحتلتين رغم النداءات العالمية، والبريطانية منها على وجه الخصوص، بوقفها تماماً باعتبارها سياسات استيطانية غير شرعية تتناقض مع القانون الدولي.

 


السيد هيغ تحدث باسهاب في كلمته امام مجلس العموم (البرلمان) حول السياسات الاستيطانية الاسرائيلية هذه عندما قال ان اسرائيل اعلنت الاسبوع الماضي عن بناء 2000 وحدة سكنية في الاراضي المحتلة، وهو ثامن اعلان من نوعه في ستة اشهر، وقال ان هذا الاستيطان مدان مثلما ان عدم تحويل اموال الضرائب الى السلطة الفلسطينية من قبل حكومة اسرائيل مدان وقرار مستفز ايضاً يتعارض مع مصالح اسرائيل. ولكن الحكومة البريطانية لا تعاقب اسرائيل على مثل هذه الخروقات الفاضحة للشرعية الدولية وقوانينها، وانما الشعب الفلسطيني ضحيتها الكبرى بعدم التصويت لصالح قرار في الامم المتحدة يؤيد الاعتراف بدولة وهمية على الورق فقط.

 


انه امر معيب ان يتباهى المستر هيغ وحكومته بالتدخل عسكرياً وبنجاح لنصرة حقوق الانسان وحماية الشعب الليبي من نظام ديكتاتوري ظالم ودموي، ثم يفعل العكس تماماً عندما يتعلق الامر بديكتاتورية اسرائيل وظلمها وانتهاكها الفاضح لحقوق الانسان الفلسطيني.

 


انها سياسة بريطانية معادية للامتين العربية والاسلامية، وتضع بريطانيا في خندق العدوان الاسرائيلي المستمر، دون اي سبب اخلاقي. فالعرب والمسلمون لم يلحقوا اي اذى ببريطانيا وشعبها ومصالحها، بل ما حدث ويحدث هو العكس تماماً، فبريطانيا هي التي تدعم اسرائيل وتشارك في احتلال العراق وتدميره وقتل مليون من شعبه تحت ذرائع اسلحة الدمار الشامل الكاذبة.

 


لا نعرف لماذا تكن المؤسسة البريطانية الحاكمة كل هذا العداء للشعب الفلسطيني ايضاً في الوقت الذي يحتم عليها التاريخ وقيم العدالة والاخلاق لا ان تعتذر له عن الظلم الذي اوقعته عليه وتعوضه مالياً ومعنويا عنه فقط وانما تسانده بقوة لقيام دولته المستقلة كتكفير عن هذا الذنب.

 

رأي القدس - القدس العربي