عدوى

ديانا جبور - بلدنا
لو أنَّ الساسة العرب ينظرون بجدية إلى فنِّ السينما، لاستطاعوا تجنّب الكثير من الأفخاخ، بإماطة اللثام عن مؤامرات ظنّوها هوليوودية خيالية لجهنميتها. وهكذا كان بالإمكان تحضير العدة لصراع الحضارات المزعوم، وصولاً إلى إطاحة صدام واغتيال القذافي؛ وإن لم تتمّ الإشارة إلى مصير الأخير في فيلم سينمائي، بل في مسلسل تلفزيوني، عُرض قبل عدة أعوام، وحدّد موعد الوفاة في العام 2011.. وسوى ذلك من انعطافات حضَّرت الدراما المزاجَ العام لوقوعها.
ما أردت قوله، إنَّ السينما فنٌّ غير بريء، ومن السذاجة التعامل بحسن نية مع منجز يكلّف مئات الملايين من الدولارات، ويؤثر في سكان الأرض قاطبة. رسالة الفيلم السينمائي ليست بالضرورة سياسية واضحة؛ فقد تكون اقتصادية ودعائية مباشرة، كما الحال مع فيلم "كونتاجيون" -أو "عدوى"- الذي يهدف إلى تبييض صفحة شركات الأدوية، التي تورَّطت في تضخيم الذعر من وباء أنفلونزا الخنازير، وكان أهمها مملوكاً لديك تشني نائب الرئيس الأمريكي السابق.
أرباح شركات الأدوية توازي، بل تفوق، في حالات الذعر، أرباحَ تهريب الأسلحة والمخدرات. لذلك ليس مستغرباً اقتطاع نسبة رمزية من هذه الأرباح، كي تؤمِّن تمويل فيلم ينتسب إلى نوعية السوبر بروداكشن أو الإنتاجات الضخمة، كما الحال مع “عدوى”. وقد حُشدت له أسماء يُكتفى بأحدها “ليشيل” فيلماً. فهناك، إلى جانب مات ديمون وجود لو، كلٌّ من غوينيث بالترو وكيت وينلسيت ولورنس فيتشبورن..
يعرض الفيلم لحالة وباء حقيقي يهدِّد الحياة على الكرة الأرضية، لكنَّ الناس يعتقدون، بداية، أنَّ في الأمر تهويلاً يكرّر سيناريو أنفلونزا الخنازير؛ بهدف تحقيق أرباح ستذهب إلى جيوب أصحاب شركات الأدوية؛ الأمر الذي يروّج له صحفي يبثّ عبر اليوتيوب يوميات إصابته بالداء واستشفائه بدواء شعبي ينقذه من موت زؤام؛ جازماً بالتالي أنَّ الأمر لا يعدو كونه تحالفاً مريباً بين هذه الشركات ومنظمة الصحة العالمية؛ تماماً كما تردَّد واقعياً مع تداعي عاصفة الوباء الأخير. لكنَّ أحداث الفيلم تتالى ونكتشف أنَّ الصحفي أفّاك، جمعَ ثروة من بيع الوهم للمرضى في تحقيقاته ذات السمة الشعبوية.
بالمقابل يبدو علماء ومديرو شركات الأدوية ومراكز البحث الدوائي ذات الصلة الوطيدة مع البنتاغون (مثل تشيني في الواقع)، في ذروة النبالة والإنسانية، حتى إنَّ المدير يضحّي بحياته عندما يتبرّع بلقاحه لإنقاذ طفل. أما الباحثة، فتغامر بنفسها؛ إذ تختبر اللقاح بذاتها، حتى تختصر دورة اعتماده دواءً موثوقاً. بدورها، ستبدو مندوبة منظمة الصحة تجسيداً أرضياً للملائكية التي تُؤثر الآخرين.
وهكذا يقتصر التمثيل الشيطاني على الصحفي، الذي تجرّأ على التشكيك في الكبار. إلى تبرئة ساحة اللاعبين في محنة أنفلونزا الخنازيرالعالمية،
قد يكون الفيلم تمهيداً لدواء جديد، يستلزم رواجُه تفشي وباء قد لايصيب الجميع، لكن الذعر منه سيصيب، على الأغلب، الملايين الذين شاهدوا الفيلم.
قد يكون الفيلم تمهيداً لدواء جديد، يستلزم رواجُه تفشي وباء قد لايصيب الجميع، لكن الذعر منه سيصيب، على الأغلب، الملايين الذين شاهدوا الفيلم.