عشرة أعوام على الغزو الامريكي للعراق.

أعطى القرار الامريكي المشوءوم بغزو العراق متخطيا بصلف كل الشرائع الدولية والانسانية الضوء الأخضر لمرحلة عارمة بالفوضى والموت والتشتت والتمزيق في هذا البلد الذي شكل على الدوام نقطة ثقل لحضارة المنطقة واستقرارها في المراحل الاولى لعقد مضى على هذا الغزو قبل ان تنقلب الطاولة على الحسابات الامريكية المزكومة بروائح النفط وليعلن التاريخ واحدة من اكبر الهزائم التي منيت بها الامبريالية الامريكية في العالم من جهة وليزيل اللثام في المقلب الاخر عن واحدة من افظع الانتكاسات في التاريخ الانساني من هول التخبط الامريكي الذي انتج مجازر انسانية بالجملة طالت الحجر والبشر في هذا البلد من جهة ثانية.

القرار الامريكي بالاعتداء على دولة ذات سيادة والذي عبر حينه عن مدى العجرفة الامريكية خلف مآس كشفتها الدوائر الامريكية أو المقربة منها قبل ان تكشفها دوائر رسمية وغير رسمية ووثائق سربت لعشرات المواقع الالكترونية المنتشرة في العالم لعل اشهرها ما سمي وثائق /ويكيليكس/ الموقع الالكتروني الشهير بنشر الوثائق السرية فقد كشفت وثائق سرية نشرت لأول مرة عن خفايا الغزو الأمريكي للعراق أن الجيش الأميركي قتل مئات العراقيين على الحواجز ونقاط التفتيش وأن عدد القتلى من المدنيين العراقيين أعلى بكثير من الرقم المعلن.

كما كشفت الوثائق التي حصل عليها الموقع والتي تجاوز عددها 400 ألف وثيقة معلومات جديدة عن ضحايا لشركة "بلاك ووتر" من المدنيين وعن تستر الجيش الأمريكي على التعذيب داخل السجون العراقية بأمر من الإدارة الأمريكية.

وأكدت الوثائق السرية أن القوات الأمريكية كانت تحتفظ بتوثيق للقتلى والجرحى العراقيين رغم إنكارها علنيا لكل ذلك حيث تم الكشف عن توثيق ل 285 ألف ضحية عراقية بينهم 109 آلاف قتيل على الأقل وتعني هذه الأرقام بوضوح أن نسبة القتلى بسبب الحرب الأمريكية على العراق يصل إلى أربعة أضعاف تلك التي سجلتها الحرب الأمريكية في أفغانستان وأن بقية الخسائر تصل إلى ستة أضعاف في سياق نفس المقارنة.

وأظهرت الوثائق أن قرابة 63 بالمئة من القتلى هم من المدنيين أي انهم يشكلون ثلثي مجموع القتلى وكشفت تحليلات الوثائق ارتفاع معدلات القتلى في العراق شهرا بعد شهر منذ اليوم الاول للغزو الامريكي وبحسب موقع إحصاء الضحايا العراقيين فإن عدد القتلى من المدنيين وصل إلى 110 آلاف قتيل منذ بداية الغزو الأمريكي للعراق لكن مع نشر وثائق ويكيليكس بات يتعين على الموقع رفع أرقامه بنسبة 50 بالمئة إذ ان العدد الحقيقي وصل إلى 150 ألف مدني دفعوا حياتهم جراء الغزو الأمريكي حيث شكل المدنيون العراقيون فريسة سهلة على الدوام لكل مصادر النيران الامريكية علما ان الادارة الامريكية لم تكلف نفسها عناء الإحصاء الممنهج للقتلى الذين سقطوا بنيران قواتها.

وفضحت الوثائق كذب الرواية الأمريكية المعلنة على صعيد الحواجز ونقاط التفتيش حيث تظهر عددا كبيرا من العراقيين قضوا عند هذه النقاط أو بهجمات جوية أمريكية مباشرة حيث اعتادت الطائرات الأمريكية استهداف ما تسميهم "مشتبها فيهم" على أنهم مقاتلون مناوئون لها وكثيرا ما كانت النتائج مدمرة ففي مدينة الفلوجة في التاسع من أيلول عام 2005 تقول برقية عسكرية سرية إن طائرة من طراز إف 15 ألقت قنبلتين بي يو 125 على الهدف وأصابته إصابة بالغة بينما تضمن تقرير تقدير أضرار ساحة المعركة الذي أعدته أصابع الإدارة الامريكية "أنها غير معروفة وأنه لم يسجل وقوع أي إصابات".

وكشفت الوثائق أن قوة جوية غير خاضعة للمساءلة كانت تحوم في سماء العراق وتصب حمم قنابلها فتتسبب في نشر الموت في أرجاء البلاد بعد عشرات الطلعات يوميا مؤكدة وقوع 14 ألف حادثة في كل العراق معظمها شهد مقتل مدنيين عراقيين.

وكان لفضائح معتقل ابو غريب دوي في العالم على المستويين الشعبي والرسمي احدث لطخة سوداء في التاريخ الامريكي على كل المستويات فيما حاولت الادارة الامريكية التملص من الفضيحة بذرائع زادت من حدة الانتقادات الموجهة لها حيال هذا الامر فقد كشفت الوثائق أمرا عسكريا صدر في نيسان عام 2005 أمر من خلاله العسكريين الأمريكيين بأن يبلغوا رؤساءهم عن تعذيب العراقيين للعراقيين فقط ولكن على ألا يتخذوا أي إجراءات أخرى.

الكارثة التي خلفها الغزو الامريكي للعراق بدأت تتكشف بمرور الوقت فقد ذكرت مصادر صحية محلية ودولية انه بسبب الغزو الأميركي فقد ترك العراقيون وحدهم في مواجهة اراض مسمومة باليورانيوم المنضب ولا تزال اثار التفجيرات التي نفذتها القوات الامريكية والبريطانية في العراق قائمة حتى الآن مشيرة إلى ان العراق شهد تزايدا واضحا في انتشار الامراض السرطانية والتشوهات الخلقية وخصوصا في مدينة الفلوجة التي تشهد أكبر نسبة انتشار لهذه الامراض والتشوهات الخلقية ولاسيما عند الاطفال بسبب استخدام القوات الاميركية أسلحة محرمة دوليا.‏

وكانت تقارير عديدة أكدت أن الولايات المتحدة أسقطت كميات ضخمة من الفوسفور الابيض على مدينة الفلوجة خلال العدوان على المدينة فى تشرين الثاني عام 2004 الامر الذي أسفر عن مقتل عدد كبير من أهالي الفلوجة مع اصابتهم بحروق هائلة كاشفة أن هذه الهجمات تسببت بتدمير نحو ستين إلى سبعين بالمئة من المنازل والمباني بشكل كامل وأسفرت عن سقوط الكثير من الضحايا بينما اكدت احصاءات طبية ارتفاع نسبة التشوهات الخلقية لدى الاطفال المولودين حديثا بنسبة 60 بالمئة منذ عام 2003 مع توقعات بتزايد هذه الظاهرة وتفاقمها.‏

الغزو الامريكي السافر للعراق الذي انضوى تحت عنوان "محاربة الإرهاب" حول العراق وبعد عقد من الزمن الى ارض خصبة لاعتداءات تنظيم القاعدة الاخطر في العالم الذي يبيح كل شيء في سبيل فرض عالمه الخرافي القائم على الدم ليباغت العباد كل يوم بحزمة مما علق في ذاكرته من دروس تلقاها في افغانستان على ايدي ادارات امريكية مرت على المنطقة تنقلها إليهم السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة.

شعارات بوش التي سوق عبرها لغزو العراق ورصد لها مع حليفته بريطانيا ومن لف لفهما نحو نصف مليون جندي خلفت أكثر من 190 ألف ضحية من رجال ونساء شيوخ وشباب وأطفال وصحفيين وعمال في مجال الإغاثة الإنسانية من بينهم نحو 134 ألف مدني اردتهم آلة الحرب التي جربت كل اصناف الاسلحة الفتاكة هذا إضافة إلى الوفيات غير المباشرة بسبب الأمراض والإصابات.

كما بلغ عدد قتلى الاحتلال حسب إحصائيات أمريكية 4488 جنديا أمريكيا و3400 عنصر من شركات خاصة للخدمات الأمنية، وقد قتل في بغداد 48 بالمئة من إجمالي قتلى القوات المحتلة جلهم من الامريكيين في حين بلغت نفقات الحرب نحو 9ر3 تريليونات دولار ستمضي الولايات المتحدة حتى عام 2053 قبل ان تغلق فواتيرها شاملة التزامات مستقبلية مترتبة على الحرب مثل تعويضات المعاقين من قدامى الجنود طبقا لتقدير "مشروع تكلفة الحرب" في معهد واطسون للدراسات الدولية بجامعة براون الأمريكية بينما كانت التقديرات الأولية للإدارة الأمريكية قد تراوحت بين 50 و60 مليار دولار.

وبلغ عدد النازحين اكثر من 8ر2 مليون عراقي ما زالوا مهجرين من ديارهم ويعيشون في ظروف بائسة هائمين على وجوههم في مشارق الارض ومغاربها متأبطين البؤس والمذلة والعوز على اعتاب سفارات امم الدنيا بينما علقت قصص المئات والالاف من العراقيات اللواتي دفعهن الفقر والعوز للانزلاق في المحظور على مناشير الاعلام الاصفر وصرن عامل جذب لآلاف المتابعين والمتطفلين العابثين.

ومنذ لحظة اعلان سقوط بغداد في 9 نيسان 2003 بدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق في بغداد وبعض المدن الأخرى نقلت إلى العالم بأسره عبر شاشات التلفاز حيث قام الجيش الأمريكي بحماية مباني وزارتي النفط والداخلية فقط ومن ضمنها المخابرات العراقية بينما بقيت الموءسسات الأخرى كالبنوك ومشاجب الأسلحة والمنشآت النووية والمستشفيات والمتاحف والاماكن الاثرية حلالا للقاصي والداني ولعملاء كل الموءسسات الغربية الانتهازية والاسرائيلية التي اقتنصت بغطاء امريكي فاضح آلاف القطع الاثرية التي لا تقدر بثمن حيث فقد المتحف الوطني العراقي وحده 170 الف قطعة اثرية تختزن وتوءرخ الذاكرة العراقية لآلاف السنين وكذلك سرقة آلاف الأطنان من الذخيرة الحربية من معسكرات الجيش العراقي وسرقة مركز للأبحاث النووية في التويثة والتي كانت تحتوي على 100 طن من اليورانيوم حيث قامت شاحنات بنقل محتويات هذا المركز إلى جهات مجهولة.

وفي الاقتصاد فبعد مرور عشر سنوات من الغزو الأمريكي للعراق لايزال الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني يعاني من تعقيد شديد ولا تزال دماء العراقيين في الشوارع حيث يواجه هذا الاقتصاد الذي نهبه الاحتلال ودمر بناه الاساسية تحديات جمة للخروج من النفق المظلم واسترداد عافيته إذ يئن تحت اعباء مديونية ضخمة تقدر بنحو 130 مليار دولار تكدست على البلاد خلال سنوات الحرب والحصار الطويلة وقد أدى ذلك إلى تدهور الاقتصاد بشكل حاد ما أثر سلباً بطبيعة الحال على المستوى المعيشي للمواطن العراقي.

وأشارت الدراسات إلى أن نحو 50 بالمئة من العراقيين يعيشون الآن في حالة فقر ومنذ الغزو الأمريكي للعراق 2003 ارتفعت نسبة التضخم ليتراجع مستوى معيشة العراقيين.

ومنذ سقوط أول صاروخ في الحرب على العراق هوى الاقتصاد في براثن حالة من الفوضى رغم امتلاك العراق ثالث أكبر احتياطي نفطي وقوة عاملة على درجة عالية من التعليم ووفرة المياه وموارد أخرى ذات قيمة.

ويعتمد الاقتصاد العراقي على النفط فاقتصاده نفطي في المقام الأول إلا أن النفط لا يشكل المورد الوحيد وهو من الدول المؤسسة لمنظمة الأوبك وبدأت صناعته منذ عام 1925 .

إن إعادة الإعمار المزعومة التي ابتدعتها الولايات المتحدة بعد الحرب ما هي إلا "نكتة سمجة" أهدرت عشرات المليارات من الدولارات فضلا عن أن غزو العراق أدى لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بشكل لم يتخيله أحد وها هي أمريكا تدفع ثمن غبائها لفترة طويلة.