عقدة الزعيم الأوحد الكارثية والمخاطر الكبيرة التي تواجه ليبيا

بعد سلسلة الاستقالات التي قدمها عدد كبير من السفراء والدبلوماسيين، واعلان قادة وافراد ووحدات من الجيش وشيوخ قبائل وطيارين انضمامهم الى هبة الجماهير الليبية، تلقى معمر القذافي صفعة كبيرة وغير متوقعة باستقالة وزير داخليته واعلانه الالتحاق بصفوف الثورة كما جاء في تسجيل له بصوته وصورته، بالاضافة الى بدء صحوة الدول العربية وبعض المجتمع الدولي والامم المتحدة في التنديد بجرائم الحرب والمجازر التي ارتكبتها القوات الليبية والمرتزقة التابعون للنظام.
وبعد طول صمت تكلم العقيد القذافي مطولا، وجاء خطابه مليئا بنبرة التهديد والقتال والقتل وتمجيد الذات تمجيدا مثيرا للاستخفاف والاستغراب، فتحدث وكأنه الزعيم الاوحد الذي لا مثيل له وانه مبعوث العناية الالهية لرعاية شؤون ليبيا وشعبها، وكرر القول مرارا انا لست رئيسا انا قائد ثورة الى الابد.أنا ليبيا وليبيا أنا، وانه لم يستخدم القوة بعد وان اضطر الى ذلك فسوف يستخدمها لقتل من اسماهم «بالجرذان»، وهم كما يعرف الجميع ما عدا القذافي نفسه، غالبية الشعب الليبي المطلقة بمن فيهم جزء كبير وأساسي من داخل النظام نفسه.
والقذافي الذي يحكم منذ ٤٢ عاما لا يفكر بالتنحي او الاستقالة وسوف يواصل حتى آخر نفس من حياته، قيادة ليبيا. وهذه العقدة الكارثية لرؤية نفسه زعيما أوحدا لا بديل له، تشكل مأساة كبرى للشعب الليبي والامة العربية كلها التي تعاني من انظمة مماثلة، وثورات الجماهير في تونس ومصر وغيرهما ليست سوى تعبير عن الرفض المطلق لهذا المنطق الذي لا يليق بشخص او شعب، ولا سيما ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين.
ان ليبيا تواجه اليوم مرحلة مفصلية من تاريخها، ويبدو ان القتل الجماعي سوف يزداد في الايام القادمة، لان اجزاء واسعة من ليبيا صارت تحت سيطرة الجماهير الثائرة ولا سيما في بنغازي والاجزاء الشرقية من البلاد. كما تواجه ليبيا احتمال الحرب الاهلية او التقسيم، لان العقيد القذافي لا يريد ان يفهم او يتفهم مطالب الجماهير وانما يلجأ كما لجأ حتى الان وقتل المئات من المواطنين، الى مزيد من القمع وسيلقى مقاومة، وقد يسقط كما قال ابنه سيف الاسلام عشرات الالاف قتلى وتسيل انهار من الدماء، وسيكون اعتماده اساسا على المرتزقة لتنفيذ ذلك.
ان الدول العربية مطالبة باتخاذ خطوات اكثر جدية لوضع حد لمغامرات العقيد القذافي وتصرفاته غير المسؤولة خلال فترة حكمه الطويلة، وهو الذي يصف نفسه بملك ملوك افريقيا وامير المؤمنين وعشرات الاوصاف الاخرى ويحمل خيمته معه ويرتدي اغرب الازياء ويضع على صدره اغرب النياشين، وذلك حفاظا على سلامة ليبيا وشعبها في هذه المرحلة المصيرية.
واذا كانت بعض الدول الغربية ترى في القذافي صديقا بسبب نفط بلاده وتسكت على جرائمة او تنتقد بلطف واستحياء، فان المؤسسات الدولية الانسانية والحقوقية مطالبة بالبدء فورا باتخاذ اجراءات ضد هذا العقيد.
تبقى اخيرا، كل التحية للشعب الليبي الشقيق الثائر على الظلم والفساد وشعاره كما قال قائده التاريخي العظيم عمر المختار: « نحن لا نستسلم ... نموت او ننتصر».
القدس